حتى «الخردة» للأقوى! التقنين لحديد حماة و«البلطجة» على معامل حلب

حتى «الخردة» للأقوى! التقنين لحديد حماة و«البلطجة» على معامل حلب

2 مليون طن سنوياً هي حاجات الحديد المقدرة لمرحلة إعادة الإعمار، ومقابل هذه الحاجات فإن خردة الحديد كمادة أولية تتوفر بما يكفي، كما يقول المنطق: فالحديد يسحب من بقايا الدمار ويجمّع «بما أنزل الله من سلطان» لدى «متعهدي» تأمين الخردة في سورية، ومع ذلك فإن البلاد تعاني أزمة خردة!

إذا ما أخذنا المنازل المتضررة فقط والتي وصل تعدادها لحوالي 500 ألف منزل وفق تصريحات لرئيس مجلس الوزراء هذا العام، فإن حديد هذه المنازل يقارب وسطياً 2 مليون طن... هذا عدا عن حديد البنى التحتية المدمرة والمعدات والمركبات وغيرها الكثير، ولكن هذه الخردة المتوفرة لا تصل لجميع المنتجين بالسوية ذاتها.
تحولت عملية تجميع الخردة، إلى عملية منظمة في سياق عمليات «التعفيش» المتعارف عليها في سورية، ففتح المناطق «لمجموعات» جمع خردة الحديد والنحاس، هو مصدر أساس من مصادرها. وهذه تؤمن عوائد للجهات التي تتيح المنطقة للمتعهد، وللمتعهد الذي يبيعها في السوق.
أما البيع في السوق فهو ليس عشوائياً، بل هو نظريُّ مضبوط بمركز تجميع أساس، عبر ما يسمى «باللجنة السورية لاستجرار الخردة1»، كما تتداول التصريحات، والتي تعتبر بمثابة حلقة وصل: تجمع الخردة من المتعهدين، ومن جهات القطاع العام، وتوزعها على الجهات المنتجة للحديد، الملزمة بتوقيع عقود لاستجرار الخردة من خلالها. ولا يتضح إن كان هذا الإلزام دائماً أو عاماً، ولكن يتضح من الأزمة الحالية أنه ملزم لشركة حديد حماة العامة.
ولأزمة الخردة وجهان أساسان: الأول: مع شركة حديد حماة، والثاني: مع معامل وورش صناعة الحديد في حلب.
اعتباراً من الشهر السادس من العام الحالي، وبعد عام من إعادة تشغيل معمل حديد حماة العام، بدأت تطفو على السطح أزمة تزويده بالخردة. فلجنة استجرار الخردة كانت ملزمة بعقد تأمين 500 طن يومياً للمعمل، ولم تؤمن له سوى 8000 طن خلال الأشهر الستة الأولى من إقلاعه الجزئي في منتصف 2017. وهو ما يشغّله لثمانية أيام فقط، إن عمل بطاقته الكاملة، كما أشار مكتب نقابة الصناعات المعدنية والكهربائية في حماة.
توقف في شهر 6-2018
تحتاج الشركة إلى 6-7 ألف طن شهرياً من الخردة لتشغيل المعمل بثلث طاقته فقط، وبوردية عمل ليلية واحدة، نتيجة عدم تزويد المعمل بالكهرباء إلا بهذا المقدار. لم تؤمن منها اللجنة إلّا 1300 طن شهرياً وسطياً، وتوقفت في حزيران 2018، فتوقف المعمل لمدة تقارب العشرة أيام، وبدأ بعدها يستهلك من مخزونه الإستراتيجي للخردة، واستطاع أن يؤمن في شهر 9-2018: 21 ألف طن مؤقتاً من الخردة، تكفيه لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، بعد أن أعلن عن جاهزيته لشراء ونقل الخردة من جهات القطاع العام.
وتدفق بعد التوقف سيل من الكتب والمراسلات، وفق ما نقل عن مدير المعمل المهندس أحمد طنب: بين المعمل، والمؤسسة العامة للصناعات الهندسية، ووزارة الصناعة، ولجنة الخردة، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية (المعني بالمسألة لسبب ما)! وكل هذا لم يفضِ إلى تأمين اللجنة للخردة بشكل مستمر، بل أدّى نهاية إلى إلزام المعمل باستجرار الخردة عبر اللجنة، وعدم التزود من الجهات العامة إلّا ضمن إشرافها!
رفع سعر الخردة 120%
ومؤخراً، أعادت اللجنة تجديد العقد مع المعمل في شهر 11-2018، لتلتزم بتزويده بـ 6 آلاف طن شهرياً، ولكن بعد أن رفعت سعر خردة الحديد المباعة له بنسبة 120%: من 35 ألف ليرة للطن، إلى 77.5 ألف ليرة، الأمر الذي اعترضت عليه إدارة الشركة، وأرسلت إلى وزارة الصناعة تقديرها بأن إصرار اللجنة على رفع السعر، سيعني أن تبيع الشركة مادة البيليت بخسارة، وهي المادة التي تبيعها للقطاع الخاص. وبالمحصلة صدر قرار رفع سعر الخردة كما تريده اللجنة، وعملت شركة حديد حماة على تخفيض أسعار منتجاتها لمرات متتالية نهاية العام، لتصريف ما تبقى من مخزونها.
تنبغي الإشارة إلى أن معمل حديد حماة عاد للعمل في النصف الثاني من عام 2017، بعد عملية إعادة تأهيل كلفت 40 مليون دولار مع شركة هندية، الصيانة التي رفعت طاقته الإنتاجية نظرياً إلى 280 ألف طن سنوياً، لم ينتج منها إلا الربع وقرابة 70 ألف طن، بسبب تقطّع تأمين الخردة، وعدم تأمين الكهرباء (مع أن الشركة تسدد للكهرباء 3 مليون ليرة شهرياً). الأمر الذي سيجعل تنفيذ الخطة الاستثمارية لرفع طاقة إنتاج القضبان بمقدار 300 ألف طن إضافية، أمراً صعب التحقق غالباً.
من هي لجنة استجرار الخردة؟

تطرح أزمة تأمين الخردة لمعمل حديد حماة الأسئلة التالية:
• كيف تظهر أزمة خردة في ظروف عمليات جمع المعادن الواسعة التي تتم بشكل منظم بين قوى متنفذة تتيح لمتعهدين كبار الدخول إلى مناطق مهدمة، أو قيد الهدم وتعبئة الخردة منها؟
• ما هي آليات عمل لجنة استجرار الخردة، وكيف تنظم علاقتها مع متعهدي جمع المواد، وكيف تضمن شرعية تأمين هذه المعادن؟
• ممن تتشكل لجنة استجرار خردة الحديد، وهل هي لجنة مشتركة خاصة وعامة كما كان المجلس السوري للمعادن والصلب المشكل في 2015، برئاسة وعضوية كبار رجال الأعمال العاملين في هذا القطاع، والذي أعلن عن حلّه لاحقاً؟
• لماذا لدى هذه اللجنة صلاحية توزيع الخردة في سورية، وهل تمارس هذه الصلاحية بشكل عادل وغير تمييزي، فتقلص إمدادات المعمل العام، وهو منافس قوي، وتؤمن إمدادات جهات أخرى منتجة لم تظهر لديها أزمة خردة؟
• لماذا تتدخل اللجنة في العلاقة بين الجهات العامة، فلا يستطيع معمل خردة حماة أن يستجر بقايا الحديد مباشرة من المعامل والجهات الأخرى، وتحديداً أنها ملزمة بالبيع حصرياً له؟
• لماذا لا تترتب على اللجنة مسؤوليات قانونية لتخلفها عن عقودها التي التزمت بها تجاه معمل حديد حماة، فعوضاً عن تعويضه عن خسائر التوقف والتقطع، تقوم اللجنة برفع أسعار الخردة؟

معامل حلب ممنوع عليها خردتها!
وقف منذ شهر في مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب، أكثر من 30 من معامل صهر الحديد والدرفلة (الخردة) المرخصة، والتي تشغل أكثر من 500 عامل، ويلحقها حوالي 100 ورشة في مناطق حلب الصناعية الأخرى ترتبط بهذه الصناعة. أما التوقف فسببه عدم القدرة على تأمين خردة الحديد، ليس بسبب نقصها، بل بسبب منع إدخالها.
المنع الذي تطبقه «جهات متنفذة» كما ورد في كتاب غرفة صناعة حلب رقم ١٧٨٩/ص تاريخ ٢٤/12/ ٢٠١٨ الموجه إلى محافظ حلب. والذي يعود إلى ما قبل مطلع شهر 12-2018.
ويطبق عبر وجود عناصر أمام كل مصنع يقومون بمنع أصحابه من إدخال مادة الخردة إليه لصهرها، ومنعهم حتى من نقل الخردة من مستودعاتهم إلى ورشهم. كما تمت أيضاً مصادرة الحديد المصنّع من قطع تبديل الصناعات الحديدية والبيليت المصنع للدرفلة من أحد المصانع، وأرغم أصحاب المصنع على دفع مبلغ 85 ليرة عن كل كغ من مادة البيليت المصنع محلياً، في عملية سُميّت (الترسيم)، وصودرت أيضاً بحجة الترسيم كميات من الحديد في السوق التجاري في حي القاطرجي الصناعي، وفرضت رسوم مالية. وفق ما نقلته صحيفة تشرين الرسمية عن مذكرات مديرية الصناعة في حلب إلى وزارة الصناعة.
وبالمقابل فإن وزارة الصناعة أصدرت قراراً بتاريخ 11-12-2018، بالسماح لهؤلاء الصناعيين بشراء الخردة من الأسواق بأنفسهم حسب خبراتهم بها مع تنفيذ التوصيات الصادرة عن الجهات المعنية.
كما أشارت مديرية المدينة الصناعية أنه لم يرد إليها أي قرار منع أو قرار إيقاف، أي مصنع صهر للحديد عن العمل، أو حتى منع إدخال أو إخراج أية مادة أولية تدخل في أية صناعة موجودة في المدينة، وأنه لم يصدر من قبلنا أي قرار إلى شرطة المدينة الصناعية لمنع التداول في منتجات الصهر.
الأزمة التي نشأت قبل شهر كانون الأول وأدت إلى توقف المعامل منذ شهر تقريباً، لم تحل حتى الآن، وآخر ما حُرّر فيها هو وعود رئيس مجلس الوزراء بعقد اجتماع مع جهات معنية ومختصة لمعالجة الأمر، وفق تصريح لرئيس غرف الصناعة السورية.
يسود الاضطراب سوق الخردة في سورية، ويمكن القول: إن بقايا الحديد المجمعة من الدمار ومن مخلفات الآلات والمعدات وغيرها، ليست متاحة بسهولة للجميع! فهي مقننة على الصناعة العامة، ويبدو أن إتاحة جمعها وتداولها في السوق للمعامل والورش الصغيرة، أمر لا تُحبذه بعض الجهات.. وتحديداً بعد رفع أسعار الخردة، بنسبة 120%، وهي المجمعة بمنطق النفوذ وتحاصص المناطق، وتكاليفها هي حصص هؤلاء، وأجور «التعفيش» والنقل!
وبالمقابل فإن اللاعبين الكبار في سوق الحديد خارج هذه المطبات، فلم يرد على سبيل المثال توقف معامل صهر الحديد ودرفلته في حسياء واللاذقية، المجمع الناشئ من اندماج مجموعتين ماليتين لكبار المتنفذين الماليين السوريين، بطاقة إنتاجية تقارب مليون طن سنوياً، تشكل منذ الآن نصف حاجة السوق، وتحتاج إلى كل تدفقات الخردة عوضاً عن استيراد المادة الأولية، ليعمل المعمل بكل طاقته، ويخزّن لسوق واعدة وقادمة..
إن احتكار الحديد، هو غاية منطقية لكل صاحب نفوذ مالي في سورية، والتي ستحتاج إلى بناء أكثر من مليون ونصف مسكن وفق التقديرات. وتعتبر الخردة مفصلاً هاماً في زيادة الأرباح الاحتكارية في هذا القطاع، فرفع سعرها يؤدي إلى زيادة أرباح متنفذي جمع الخردة، وإلى إزاحة منافسين إنتاجيين في السوق، إذ يجعل العملية الإنتاجية تتطلب تكاليف أعلى، هذا عدا عن أثره في رفع أسعار الحديد لاحقاً ورفع أسعار العقارات..
المنطق يقول: إن الخردة المجمعة مما دفعه السوريون كأثمان لمنازلهم ومنشآتهم المدمرة، يجب أن تنعكس في تسعير منخفض للحديد، يخفض من كلف البناء لتأمين حاجة السكن لملايين السوريين الذين خسروا منازلهم! ولكن هذا المنطق هو منطق دولة، وليس منطق رجال النفوذ والمال.. أولئك الذين تمثل كل أزمة لنا، فرصة لهم.

1ينبغي الملاحظة أن هذه اللجنة يتم تداول الحديث عن تشكيلها في عام 2014، مع العلم أن قرار التشكيل لا يرد في القرارات المنشورة لأية جهة حكومية، بل يرد الحديث عن تشكيل المجلس السوري للمعادن والصلب في عام 2015، ويرد أيضاً قرار حله لاحقاً.
12% خردة
أمنت لجنة استجرار الخردة لمعمل حديد حماة قرابة 1300 طن وسطياً شهرياً ، و60 طناً يومياً خلال الأشهر الست الأولى لإقلاعه، وهي نسبة أقل من 12% من التزاماتها الواردة بالعقد والبالغة 500 طن يومياً.
9 ساعات كهرباء
يعمل معمل حديد حماة بثلث طاقته الإنتاجية فقط، وبوردية عمل واحدة فقط، لأن الكهرباء تزوده بـ 9 ساعات تشغيل ليلية فقط، رغم أن المعمل يدفع شهرياً للكهرباء فاتورة تقارب 3 مليون ليرة.
500 عامل
يتوقف منذ أكثر من شهر 30 معملاً في مدينة الشيخ نجار الصناعية نتيجة منع وصول الخردة إليها، وهي تشغل أكثر من 500 عامل ويتبع لها أكثر من 100 ورشة في مناطق حلب الصناعية الأخرى.
50%
لم تنل أزمة خردة الحديد من مجمع صهر الحديد ودرفلته في حسياء واللاذقية، وهو المشروع الخاص التابع لتحالف مجموعتين ماليتين كبيرتين ويمتلك قدرة إنتاجية لمليون طن سنوياً، نصف الحاجات المقدرة مستقبلاً.

 

آخر تعديل على الإثنين, 14 كانون2/يناير 2019 14:24