المتة نموذج فقط: تهرب جمركي- ربح احتكاري عالٍ

المتة نموذج فقط: تهرب جمركي- ربح احتكاري عالٍ

تتقاسم قوى أساسية سوق الاستهلاك السورية، وتطرأ تغيرات على هذا التقاسم، تظهر على شكل معارك، كمعركة المتة التي شغلت الناس والإعلام. فعندما يتمركز ربح كبير، لا يكون التخلي عنه أو تقاسمه سهلاً، وفي المتة كما في غيرها ليست المسألة مسألة احتكار وربح مرتفع فقط، بل مسألة تغاضٍ حكومي وصحوة مفاجئة وتجاهل لمعطيات هامة.

قاسيون تستخدم بيانات من الأرجنتين لتوضح بعض المفارقات في الاستيراد السوري لمواد الاستهلاك الغذائية، فبالاعتماد على مركز التجارة الدولي (ITC) يتوضح من بيانات تصدير المتة لسورية المعلومات التالية:
28% من المستوردات العالمية...تاجر واحد
تحتل سورية المرتبة الثانية عالمياً باستيراد مادة المتة! وبنسبة 28% من إجمالي المستوردات عالمياً خلال عام 2016 موزعة على 19,6 ألف طن وفقاً لبيانات مركز التجارة الدولي (ITC).
إجمالي مستوردات مادة المتة تستورد من الأرجنتين، عبر تاجر واحد يحتكر الاستيراد وتوزيع المادة في السوق، حيث استورد لنا في عام 2015: 27,5 ألف طن من المتة بمبلغ: 80.8 مليون دولار. وانخفضت هذه الكميات في عام 2016 لتبلغ: 19,6 ألف طن بمبلغ 49 مليون دولار.
4 مليارات ليرة تهرب جمركي
تبين في سجال التصريحات خلال الفترة الماضية، بأنه وبناء على سياسة المصرف المركزي لتمويل المستوردات، فإن المستوردين يخفضون أسعار الاستيراد مقابل الحصول على تمويل، وعلى أساسه تم اعتماد سعر 1000 دولار للطن في البيانات الجمركية المقدمة. بينما السعر الفعلي أعلى من هذا. أي :أن عملية تهرب جمركي شرعية تجري عبر طريقة تسعير المستوردات في البيانات الجمركية، للحصول على التمويل.
ويتبين بأن مجموع التهرب الضريبي بلغ 3,93 مليار ليرة خلال عامين ونصف اعتباراً من 2015 وحتى منتصف العام الحالي. وحوالي: 5,3 مليون دولار في 2015، و4,94 مليون دولار، و1,8 مليون دولار حتى 6-2017.
حيث تخضع مستوردات المتة لرسوم جمركية بمعدل 10% وفقاً لجدول التعرفة الجمركية المعتمدة. حيث كان من المفترض أن تبلغ الرسوم في 2015 مبلغ 8 ملايين دولار ولكنها بلغت فقط 2,7 مليون دولار وفق التسعيرة المخفضة لاستيراد الطن. وكذلك الأمر في 2016 كان من المفترض أن تبلغ الرسوم الجمركية 4,94 مليون دولار، بينما المدفوعة فعلياً 1,96 مليون دولار. أما في الشهور الستة الأولى، فكان من المفترض أن تبلغ الرسوم 2,97 مليون دولار، بينما المدفوع فعلياً 1,1 مليون دولار فقط.
وبهذا فإن معدل التهرب الجمركي بالمقارنة بين السعر الحقيقي والسعر المقدم في البيانات الجمركية يبلغ 60% في مادة المتة، فهل الوضع في المواد كلها على هذا النحو؟ وهل توضع تسعيرة منخفضة للهرب من الرسوم، وتسعيرة مرتفعة للشفط من المستهلك؟ وهل هذا يتم وفق سياسة المصرف المركزي لتمويل المستوردات؟
11 مليار ليرة الربح السنوي من المتة!
يباع كغ المتة في سورية بسعر 1900 ليرة تقريباً، والطن بحوالي 1,9 مليون ليرة، أي: حوالي 4040 دولار، على أساس سعر صرف 470 ليرة مقابل الدولار.
أما تكلفة الطن مستورداً ومعبأً تقارب 2860 دولار، محسوبة على أساس كلفة الاستيراد وفق أسعار البيانات الدولية لتصدير المادة لسورية، وبإضافة تكلفة الرسوم الجمركية المخفضة المدفوعة للحكومة، وتكلفة تقديرية لرسوم الشحن والتعبئة 10%.
نستطيع أن نقدر أرباح مستورد المتة إلى سورية في عام واحد بحوالي 10,9 مليار ليرة، حيث إن كلفة مستوردات المتة في 2016 بلغت 56,2 مليون دولار، بينما سعر مبيعها في السوق يبلغ 79,4 مليون دولار، بفرق 23,2 مليون دولار ربح، أي حوالي 10,9 مليار ليرة في سنة واحدة.

لا يمكن أن تصل في الظروف الحالية إلى حسبة تكاليف دقيقة 100% ولكنك تستطيع تستقرأ من البيانات العالمية الحد الضروري من التكلفة، بينما قد تضاف بالفعل إلى التكلفة مجموعة أخرى من العناصر، كتحاصص المستوردين في ظروف الفساد والفوضى في سورية، ولكن أياً تكن تلك التكاليف فإن مستورداً واحداً لعشرات آلاف الأطنان يستطيع بمعدل ربح 10% فقط أن يحصل على أكثر من 2,5 مليار ليرة ربحاً، ويستطيع أن يحصل على 11 مليار بمعدل 40%...
إن الأزمة ليست أزمة متة، أو أرباح مستوردها فقط، فقد ينجم عن الضغط تخفيض هامش الربح، أو دخول محتكر آخر، والحل الوحيد هو باستيراد المادة وتخفيض أسعارها وهامش الربح فيها، وإن كانت هذه غاية وزارة التجارة الداخلية فالشكر موصول، ولكن السؤال المشروع: كيف تكون الحكومة حريصة على جيوب المستهلكين، ومستهترة بالمال العام، سامحة بتهرب جمركي بالمليارات؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
834