أكبر 100 شركة احتكارية... من «التغوّل» إلى التراجع

أكبر 100 شركة احتكارية... من «التغوّل» إلى التراجع

تضخمت الشركات الكبرى العالمية خلال العقود الماضية بشكل قياسي، وقطعت الشركات المئة الأولى أشواطاً بعيدة في توسيع الفجوة بينها وبين بقية الشركات العالمية في القطاعات غير المالية.

أكبر 10% من الشركات العالمية غير المالية، تحصل على 80% من مجمل أرباح هذه الشركات عبر العالم.
تمتلك الشركات الاحتكارية عالمياً إمكانات تكنولوجية أعلى من غيرها، فقدراتها المالية العالية تسمح لها بإنفاق تكنولوجي كبير، ولذلك فإن الفجوة التكنولوجية بين الشركات الكبرى، وبين بقية الشركات العالمية، لا تزال تتوسع في قطاعات الصناعة والغذاء وتكنولوجيا المعلومات وكافة القطاعات غير المالية، فبينما كانت إنتاجية العامل في الشركات المئة الكبرى عالمياً أعلى من باقي الشركات بنسبة 100% في عام 1995 فإنها قد أصبحت في عام 2015 أعلى بنسبة 250%. رغم أن إنتاجية هذه الشركات تتراجع سريعاً وبمقدار الربع منذ عام 2013 وحتى عام 2015.

أكبر بـ 7000 مرة!
ويرتبط توسع قدراتها التكنولوجية بتوسع قدراتها المالية وحصتها من السوق العالمية، حيث توسعت هذه الحصة خلال العقدين الماضيين بدعم كبير من الفقاعة المالية، التي تزيد من القيمة السوقية للشركات الكبرى، وتبقي الآخرين بعيدين عن مغانمها.
وفي قياس الحصة السوقية لأكبر 100 شركة عالمية، فإنها كانت في عام 1995 تعادل 31 ضعفاً للشركات الـ 2000 الأقل في سلم الشركات العالمية، ولكنها في 2015 قد أصبحت تعادل 7000 ضعف القيمة السوقية الوسطية لهذه الشركات!
وقد ترافقت عملية التوسع في القيمة هذه مع عملية تمركز كبير في التحكم بالسوق واحتكاره، وبأخذ مؤشرات من الشركات الصناعية في الولايات المتحدة، فإن الشركات الأربع الكبرى تتحكم بنسبة 25% من مجمل الدخل الصناعي في عام 2012 وذلك في نصف قطاعات التصنيع الأمريكية.
أما في 14% من فروع الصناعات الأخرى، فإن الشركات الأربع الكبرى تتحكم بأكثر من 50% من مجمل الدخل الصناعي. حيث أن أكثر من 75% من الصناعات الأمريكية قد شهدت تمركزاً كبيراً.

الاستحواذ يتضاعف 27 مرة
تأتي هذه القدرة على التحكم بالسوق، من التوسع الكبير في عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات المنافسة الأصغر، حيث توسعت عمليات الاندماج والاستحواذ حتى بلغت في الولايات المتحدة وحدها 10 تريليون دولار منذ عام 2008 وحتى 2016، بينما سجلت صفقات الاستحواذ العالمية في عام 2015 ما مقداره: 4.3 تريليون دولار، ولمعرفة مدى تضخم كتلة المال العالمي المخصصة للاستحواذ ولصفقات الاندماج، ينبغي الإشارة إلى أنها لم تتعدى في عام 1992: 156 مليار دولار فقط، أي تضاعفت 27 مرة.

40% من الربح احتكاري
وكلما زادت الحصة السوقية والتحكم بالسوق، فإن الأرباح الاحتكارية الريعية تتوسع، وتبدأ الأرباح الإنتاجية الناجمة عن الابتكار ورفع الإنتاجية تقل نسبتها من الأرباح الإجمالية.
ويعرّف تقرير الأمم المتحدة «ريع الشركات» على أنه: الإيرادات المستمدة حصراً من توسع في الملكية وزيادة قيمة الأصول والممتلكات، أو من الهيمنة على مركز هام في السوق، أو من التحكم بالمعلومات والتكنولوجيا، وتأجير حقوق الملكية وبراءات الاختراع، أو من زيادة قدرة الشركات على الاحتيال والتهرب الضريبي، والحصول على امتيازات حكومية وتحديداً لدى الشركات العالمية الكبرى التي امتلكت زمام الخصخصة عبر العالم خلال العقود الماضية.
ورغم إقرار الأمم المتحدة بصعوبة قياس هذه الأرباح الفائضة لدى الشركات غير المالية، إلا أن واحداً من طرق القياس يشير إلى أنها قد ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين، فأصبحت الأرباح الريعية الاحتكارية للشركات الكبرى تشكل نسبة 23% وسطياً بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية وخلال الفترة بين 2009-2015، بينما كانت تشكل نسبة 4% خلال الفترة بين 1995- 2000.
وتزداد هذه النسبة كلما ازداد حجم الشركة ووزنها العالمي، حيث ارتفعت الأرباح الاحتكارية غير الإنتاجية لأكبر 100 شركة عالمية غير مالية من 16% من مجمل أرباحها قبل عام 2000، إلى 30% قبل عام 2008 وصولاً إلى 40% في عام 2015 بعد اندلاع الأزمة.

احتكار المعلومات الخصخصة- والمضاربة
عملياً يعتبر التقرير أن أهم مصادر الربح الريعي للشركات الكبرى غير المالية يأتي من جانبين أساسيين الأول: احتكار المعلومات والتكنولوجيا بتأجير حقوق الملكية الفكرية، وبحصة براءات الاختراع في أسواق الدول النامية، حيث تساهم مبيعات الشركات الفرعية الهندية التي تستأجر براءات الاختراع وحقوق الملكية من الشركات الأمريكية بخمس أضعاف مبيعات الشركات الأساسية في الولايات المتحدة، وبقرابة ثلاثة أضعافها في البرازيل على سبيل المثال. أما الاتجاه الثاني فهو: التحكم بأجهزة الدولة وقطاعها العام، عبر عمليات الخصخصة وفرض المساعدات والإعفاءات للشركات، بالإضافة إلى عمليات التهرب الضريبي، وعمليات إخفاء الأرباح والمبيعات، التي تقدر خسائرها على الدول بنسبة 4-10% من أرباح الشركات الإجمالية، وخسارة قدرت بحوالي 0.9-2.1 تريليون دولار بين 2005- 2014، وتحولت هذه الخسارة إلى ربح غير شرعي للشركات.
وأخيراً والأهم هو: العوائد الضخمة من تضخيم قيمة الأسهم في السوق المالية، فعملياً خلال الفترة بين 2006-2015 فإن أكثر من 459 شركة من الشركات المسجلة في مؤشر S&B 500 الأمريكي، قد أنفقت 3.9 تريليون دولار ونسبة 54% من أرباحها على شراء الأسهم التي ترتفع أسعارها في السوق، ونسبة 39% من أرباحها وزعتها على مشتري أسهمها، بينما الباقي من أرباحها موجود خارج الولايات المتحدة، أي أنها لم تقم بتوسيع استثماراتها الحقيقية بل حصلت على عوائد فقط، من شراء الأسهم وارتفاع قيمتها في السوق.

يتحول الربح الاحتكاري الريعي الناجم عن حجم الشركات الكبرى وتوسع ملكياتها وحصتها بالسوق، إلى عائق تجاه نموها ذاته مع تعمق الأزمة العالمية، فبعد أن تحول هذا الربح إلى نسبة 40% من ربح أكبر 100 شركة غير مالية عبر العالم، بدأ التراجع    الاقتصادي يظهر على مؤشراتها، منذ الأزمة المالية. فمن حيث الدخل الناجم عن العمل لديها خسرت ربع إنتاجيتها خلال عامين، وتراجعت مستويات التوظيف فيها منذ عام 2009 وتستمر بالتراجع، وكذلك تتراجع كل من مؤشرات أرباحها الصافية، والقيمة السوقية لممتلكاتها المادية ومعداتها، وحتى قيمة أصولها المالية في سوق المال العالمية. إن عقوداً من التوسع الهائل في الهيمنة العالمية لهذه الشركات، ومكاسبها الاحتكارية من القطاع المالي ومن حرية الأسواق العالمية، لن تكون كافية على تجاوز أزمة عميقة كالتي نشهدها الآن، بل إن كل هذا التمركز الخاص والهيمنة في العقود الماضية هي سبب عمق الأزمة، وإنهاءه بوابة الخروج منها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
831