عالم (المصادر الطاقية المتمركزة).. يموت!

عالم (المصادر الطاقية المتمركزة).. يموت!

نشر موقع ScienceAlert الأسبوع الماضي مقالاً حول بيانات جديدة تخص الطاقات المتجددة أصدرتهاBloomberg New Energy Finance BNEF .

 

تبين الأرقام المنشورة في بلومبيرغ أنّ انخفاضاً كبيراً قد طرأ على أسعار الطاقة المتجددة الشمسية خلال عام 2016 (إلى حدود 1.65 مليون دولار لكل ميغا وات)، وبالرغم من انخفاض أسعار النفط والغاز عما كانت عليه قبل بداية (حرب النفط)، إلّا أنّ تسارع انخفاض تكلفة الطاقات المتجددة لا يزال أكبر إذا أخذنا فترة العقد الماضي كاملة بالحسبان.

القصة الكاملة

هذه البيانات الجديدة، تعزز الحديث عن انتقال نهائي إلى ما بعد الطاقات غير المتجددة المعادية للبيئة، ولكن الاكتفاء بهذا النوع من البيانات للتنبؤ بالمستقبل، تكتنفه مخاطر الوقوع في (التفكير الميكانيكي الجامد)... ولذا فإننا إذ نأخذ هذه البيانات وغيرها بعين الاعتبار، فإنّ مكانها المناسب، والذي تأخذ معناها في سياقه، هو ضمن القصة التالية:

هنالك اتفاق واسع النطاق على تحديد الانتقالات الصناعية الكبرى، التي مرت بها البشرية خلال القرون الثلاثة الماضية، على الشكل التالي: الثورة الصناعية الأولى (1784) في بريطانيا، واختراع الآلة البخارية، الثورة الصناعية الثانية (1870) واستخدام الطاقة الكهربائية في الإنتاج، الثورة الصناعية الثالثة (1969) واختراع الحاسوب ونقل أول رسالة عبر الانترنت، ووصولاً لما بات يصطلح عليه (الثورة الصناعية الرابعة) خلال العقدين الأخيرين: (تقنيات النانو، big data، التحكم بالجينات، الطباعة ثلاثية الأبعاد...).

بالتوازي مع هذه الانتقالات، برزت أيضاً مسألة مصادر الطاقة المستخدمة؛ من الفحم الحجري إلى النفط والغاز الطبيعي ومشتقاتهما، ومن ثم الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأخيراً الطاقات المتجددة.

تصنيفان أساسيان

إنّ الأنواع المذكورة هنا، لا تزال مستخدمة جميعها، وإن بنسب متفاوتة. مع ذلك فإنّ هنالك تصنيفين عريضين لهذه المصادر، هما موضع تركيزنا:

التصنيف الأول يميز بين مصادر متجددة وغير متجددة للطاقة، وعلى أساسه فإنّ كلاً من الفحم الحجري والنفط والغاز وكذلك الطاقة النووية، هي مصادر غير متجددة، ومعادية للبيئة. وذلك بمقابل المصادر المتجددة وتقنياتها، الطاقة الشمسية بشكل أساسي وتفرعاتها من طاقة رياح وأمواج، وحرارة جوف الأرض، وطاقة الكتلة الحيوية Biomass، وغيرها.

تعقيباً على هذا التصنيف، فإنّ انتقالاً جدّياً للبشرية باتجاه المصادر المتجددة، وتخلياً نهائياً عن غير المتجددة، لم تعد أمامه عوائق علمية وتقنية كبيرة؛ العائق الأساسي المتبقي هو من جهة نمط علاقات الإنتاج القائم على السعي نحو الربح، ومن جهة ثانية هو طريقة بناء منظومة الهيمنة العالمية التي يستقر النفط كأحد أساساتها. والمؤكد لذلك، أننا لا نعيش في هذه الأيام مرحلة الانتقال النهائي من الطاقات غير المتجددة إلى الطاقات المتجددة. أي أنّه من غير الممكن القول إننا نشهد موت عالم الطاقات غير المتجددة، أقله في الأجل القريب والمتوسط. مع ذلك، فإننا نعيش انتقالاً تمهيدياً من نوع آخر...

التصنيف الثاني، هو بين (المصادر الطاقية المتمركزة) و(المصادر الطاقية الموزّعة)، فكل من الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي، لها أماكن وجود محددة سلفاً على الخارطة العالمية، ورغم صحة النظرية الجيولوجية للنفط (القائلة بأنّه طبقة من طبقات الأرض يمكن الوصول إليه من أي بقعة على سطحها)، إلّا أنّ التفاوت الكبير في عمق تلك الطبقة، وبالتالي التفاوت الكبير في جدوى استخراج النفط، تبقيه ضمن نطاق المصادر المتمركزة.

بمقابل ذلك، فإنّ واحدة من الميزات المطلقة للطاقات غير المتجددة، هي التنوع الهائل لمصادرها، ووجودها الموزع في شتى أنحاء الأرض.

خصوصية النووي

بين هذه وتلك، تقف الطاقة النووية؛ تشير إحصاءات 2014 إلى أنّ حوالي 88.42% من احتياطي اليوروانيوم، توجد في 12 دولة، وأنّ الدول العشرة الأولى في إنتاجه، قد أنتجت في 2014، ما يصل إلى 97% من إنتاجه العالمي. رغم هذه «الحصرية» التي تفوق «حصرية» النفط، إلّا أنّ ضآلة كميات اليورانيوم اللازمة لتشغيل المفاعلات النووية من جهة (إلى جانب إمكانية الاعتماد على عناصر أخرى غير اليورانيوم)، وتوزع الاحتياطي ضمن دول متنافرة سياسياً، وعملية إنشاء مفاعلات نووية في العديد من الدول ضمن سباق تسلح القرن العشرين من جهة ثانية، كل ذلك جعل من الطاقة النووية احتمال طاقة غير متمركزة. هذا الاحتمال قد تحول إلى واقع مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في لوزان السويسرية يوم الثاني من نيسان 2015.

خلال كامل القرن العشرين، وفي نصفه الثاني بشكل أكبر، لعبت مصادر الطاقة المتمركزة، والسيطرة عليها، دوراً أساسياً في طريقة بناء التوزيع الجيوسياسي العالمي، وبعد بريتين وودز 1944، ومن ثم إلغائها 1972، تحول النفط إلى واحد من المكافئات الأساسية ليس لكون الدولار عملة عالمية فحسب، بل لنظام التبادل العالمي غير المتكافئ، نظام الهيمنة المركزية الكونية، أو ما يسمى في بعض الأدبيات: الحكومة العالمية.

العصر الذي نعيشه، هو عصر موت سيطرة (المصادر الطاقية المتمركزة)، وما يتبع ذلك، ويرتبط به، من وفيات أخرى!

معلومات إضافية

العدد رقم:
791