منظمة التجارة العالمية.. والثالوث الملوث!!

تعالت الصيحات في الآونة الأخيرة مهللة بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وعلى أنها الطريق الذي سيوصلنا إلى الجنة والحلم الذي طالما انتظرناه
ومن مبدأ اعرف جنتك لا بد من توضيح مفهوم وارتباطات هذا الطريق حتى لا نتفاجأ حين يصبح الحلم كابوسا.

وللإلمام بكامل الموضوع سنوضح في البداية الإطار الذي تتواجد ضمنه المنظمة وتوجهاته العامة ثم ننقل التحليل إلى المنظمة بذاتها لنكشف أهدافها الجوهرية الملمعة.

إطار المنظمة
تعتبر منظمة التجارة العالمية الرأس الثالث فيما يسمى بالثالوث المقدس الذي ابتكرته الرأسمالية العالمية بشرعية هيئة الأمم المتحدة ليكون المنفذ الأساسي لخططها وإستراتيجياتها الآنية والمستقبلية أما رأساه الآخران فهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ما هي استراتيجية الثالوث
إنقاذ الرأسمالية العالمية من أزمتها المتجددة والتي أفرزتها آلية النظام القائمة على الاختلال الدائم في توزيع الدخل وما نتج عنه من امتلاك أقل من1% من سكان العالم لأكثر من95%من ثروة العالم مما أدى وباستمرار إلى خلق مشكلتين متلازمتين على مر تطور الرأسمالية ألا وهما مشكلة التصريف ومشكلة الاستثمار المربح للثروة
وهكذا عمدت الرأسمالية العالمية جاهدة إلى تأجيل أزمتها وإيجاد تكيفات جديدة مع الواقع وهنا جاء الحل الوحيد في تصدير الأزمة وتحويل مشكلة النظام الرأسمالي إلى مشكلة عالمية من خلال ما يسمى بالعولمة التي يعترف فيها العالم بأسره بوجود نظام وحيد للحياة يجب على كافة بلدانه عيشه والتأقلم معه .
بهذه الاستراتيجية ترى الرأسمالية العالمية بأنها حمت نفسها للابد فإذا ما تداعت أزمتها سيتعاون العالم بأسره مجبرا على حلها والتأقلم معها مهما كانت النتائج لكنها تناست بأن تدويل المشكلة سيجعل طريق العودة مستحيلا
مما يحتم بأن أي شرارة رفض ستكون آثارها مضاعفة على مستوى العالم وستولد الشق الذي سيفتت النظام الرأسمالي بأكمله.

آلية عمل الثالوث
قسمت المهام بين الرؤوس الثلاثة لتنفيذ استراتيجية خلق نظام عالمي وحيد بشكل متجانس ومتداخل تماما بما يضمن انعدام أي تعارض ممكن فالهدف واحد والآليات متكاملة.

أ|- مهمة الرأس الأول (صندوق النقد الدولي)
تغيير النظام النقدي والمالي في الدول الغير معولمة ليصبح ملائما لآليات السوق وبما يؤدي إلى ربطها التام بالأسواق المالية العالمية مما يضمن تمرير السياسات المطلوبة.
وقد باشر الصندوق في تنفيذ هذه المهام منذ أن خلق أزمة المديونية في البلدان النامية وعمل متطوعا على حلها بما أسماه بخطاب النوايا الحسنة والذي شاركه في تنفيذه الرأس الثاني (البنك الدولي) فأوكل للصندوق مهمة التثبيت الاقتصادي والذي يهدف إلى تقليل الدور التدخلي للدولة بالحياة الاقتصادية (التحكمي والاجتماعي) وفرض آليات نقدية جديدة تتمثل في القيام بالمهام الثلاث التالية:

1 ـ تخفيض عجز الموازنة عن طريق زيادة الإيرادات وتخفيض النفقات
2 ـ التحكم بالعرض النقدي عن طريق آليات أسعار الفائدة.
3 ـ العمل على تحرير التجارة الخارجية من خلال الاعتماد على الرسوم الجمركية والعمل الدائم على تخفيضها .

ب - مهمة الرأس الثاني (البنك الدولي)
تغيير البنى الاقتصادية الموجودة في البلدان النامية والعمل على توحيدها ببنية واحدة متشابهة ألا وهي البنية الرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق.
وقد باشر البنك في تنفيذ سياساته في الوقت ذاته الذي بد أ فيه الصندوق من خلال خطاب النوايا حيث أوكل للبنك مهمة التكييف الهيكلي والذي سيعمل على تغيير الهياكل الاقتصادية الموجودة والاستعاضة عنها
بتصميم جديد معد خارجا والبدء ببنائه من خلال القيام بالمهام الثلاث التالية :
ـ إلغاء ملكية الدولة في النشاط الاقتصادي أي إلغاء ملكية القطاع العام
ـ تحرير الأسعار واستخدام آلية السوق في تحديدها
ـ تخفيض قيمة النقد مما يؤدي إلى زيادة في الصادرات

ج - منظمة التجارة العالمية(الرأس الثالث)
أوكل لمنظمة التجارة العالمية مهمة تحرير التجارة من خلال تنظيم اتفاقيات الغات وجمعها بمنظمة واحدة تسير أمورها وتسهل اجتماعاتها إلا أن الأهداف الجوهرية سرعان ما انكشفت عندما أصبحت المنظمة وسيلة لتمرير استراتيجيات الثالوث من خلال البدء بإدخال اتفاقيات لا تجارية كاتفاقيات الاستثمار والملكية الفكرية وما يطرح اليوم من اتفاقات المشتريات الحكومية والبيئة والعمالة.
وكما ذكر فقد بدأت المنظمة أعمالها على أنها البديل المكمل للغات وذلك من خلال إجبار كافة دول العالم على الانضمام إليها ومن ثم إقناعها بالموافقة على المبادئ الجديدة الأربعة وهي:
ـ الاعتماد على الرسوم الجمركية كحل وحيد للحماية
ـ العمل على تخفيض هذه الرسوم باستمرار وبشكل تدريجي حتى عام
ـ مبدأ الدولة الأولى بالرعاية
ـ مكافحة سياسات الإغراق
ـ ومن ثم عمدت المنظمة على إيجاد اتفاقيات تجارية جديدة اكثر تفصيلا في ميادين الزراعة والصناعة والخدمات يطول الحديث في آلياتها وأهدافها الجوهرية .

التكامل الاستراتيجي بين الرؤوس الثلاثة:
يمكننا أن نبين التكامل من خلال التداخل الموجود في آليات عمل المنظمات الثلاث كما يلي:
* بالنسبة لصندوق النقد الدولي يتضح تكامله مع منظمة التجارة العالمية من خلال مهمته الثالثة المتمثلة في تخفيض الرسوم الجمركية والتي لا علاقة لها بالسياسات النقدية و المالية.
* بالنسبة للبنك الدولي تتكامل آليات عمله مع المنظمتين من خلال مهمته الثالثة والمتمثلة بتخفيض قيمة النقد من اجل نفوذ الصادرات إلى العالم.
* بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية تتضح علاقتها مع البنك والصندوق من خلال إجبار البلدان الأعضاء بالتوقيع على اتفاقيات غير تجارية كاتفاقية الاستثمار والملكية الفكرية و العمالة والبيئة.

من خلال ما ذكر يتضح فعليا ما تحدثنا عنه في البداية حول إيكال مهمة عولمة العالم إلى الثالوث المذكور.

معلومات إضافية

العدد رقم:
162