ربط الأجور بالتضخم.. محاولة حكومية لتلطيف تقصيرها

ها هي الحكومة السورية تحاول أن تسجل براءة اختراع جديدة لنفسها عبر اختراع أسلوب اقتصادي مبتدع للحد من ارتفاع الأسعار المستمر في السوق السورية الحاصل فعلاً، والذي يطال بشكل أساسي أسعار السلع الغذائية والأساسية لحياة المواطن السوري، ويكسر ظهر السوريين. فقد طرحت الحكومة السورية على لسان رئيس وزرائها محمد ناجي عطري خلال الأسبوع الماضي معادلة اقتصادية جديدة، وهي الربط بين الأجور ومستوى التضخم بشكل دوري، وزيادة الرواتب والأجور بنسبة توازي نسبة التضخم الذي من شأنه الحفاظ على القدرة الشرائية.

بدايةً، ورغم معرفتنا بأن هناك طرقاً عديدة لحساب التضخم، كما أن هناك فجوةً وتفاوتاً كبيراً بين أرقام التضخم المعلنة رسمياً عبر المصرف المركزي السوري، وبين أرقام صندوق النقد الدولي من جهة، والأرقام غير الرسمية التي يصدرها اقتصاديون ومتخصصون في مجال الاقتصادي السوري، فمن خلال التحليل تبين أن التضخم السنوي التراكمي (4,6% في العام 2004، 7,4% العام 2005، 10,3% العام 20076، 4,5% العام 2007، 15,2% العام 2008)، بلغ منذ العام 2003 كسنة أساس وحتى العام 2008 استناداً إلى أرقام المصرف المركزي للإحصاء، وحاكمه أديب ميالة ما يقارب 149,11%.

وعلى الضفة الأخرى، بلغت زيادة الرواتب التراكمية (20% في العام 2004، 5% + 800 ليرة في العام 2006، 25% في العام 2008) خلال السنوات الست الماضية تراكمياً منذ العام 2003 حتى العام 2008 ما يقارب 172,5%.
وهاتان النسبتان الحاصلتان جراء الدراسة والمقارنة بين نسبة التضخم خلال 2003 – 2008 والبالغة 149,11%، وما قابلها خلال المقطع الزمني ذاته من زيادات في الرواتب بشكل رسمي والبالغة 172,5%  تؤكد على مجموعة من الحقائق وأهمها:
-الآلية الجديدة ما هي إلا أداة حكومية لتستير عيوبها، وتخفيف حدة تقصيرها وخطئها تجاه المواطن السوري، لأن الحكومة ووفق هذه الآلية ستدّعي أنها قد قامت بواجبها على أكمل وجه تجاه هذا المواطن، ومنت عليه بزيادة في الرواتب عليه إرجاعها، حيث يستوجب على كل موظف سوري شملته زيادات الرواتب أن يعيد لحكومته 23% من راتبه، وهو الفارق الحاصل بين نسبتي التضخم وزيادات الرواتب في السنوات الست الماضية لمصلحة الرواتب طبعاً، وهذا مؤشر خطير شكلاً ومضموناً.

-إن  تجربة زيادة الرواتب التي جرت سابقاً في سورية، وما قابلها من أرقام التضخم الاقتصادي المعلنة، عجزت وفشلت في جسر الفجوة، وردم الثغرة الكبيرة الحاصلة فعلياً جراء ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والأساسية بنسب أعلى بكثير من نسب التضخم المعلنة، على الرغم من كون زيادات الرواتب المتلاحقة أعلى نسبياً من أرقام التضخم المعلنة، كما كان لهذا الفارق الحاصل تداعيات أساسية وهي انخفاض مستوى القدرة الشرائية لدى المواطن السوري.  وهذا ما جاءت لتؤكده جزئياً أرقام تقرير المكتب المركزي للإحصاء الصادر في بداية شهر تشرين الأول 2009، حيث ارتفعت أسعار جميع السلع حسب التقرير  خلال ثلاث سنوات منذ العام 2005 على اعتباره سنة أساس بنسبة 132,40% حتى العام 2008، أي أن زيادة الأسعار المعلنة ستكون في كل الأحوال تفوق 200% خلال السنوات الست الماضية، أي أنها أعلى من نسبتي التضخم وزيادات الرواتب، ومن هنا فليس من مصلحة غالبية السوريين تطبيق المخطط الحكومي الهادف للربط بين التضخم والرواتب. علماً أن زيادات الأسعار الحقيقية كانت أعلى وأكبر بالتأكيد مما هو معلن من المصادر الرسمية.
-إذا ما تمت عملية الربط المقترحة، فإن الفئات والشرائح الاجتماعية الأساسية (الفقيرة، محدودي الدخل، متوسطي الدخل) ستكون المتضرر الأكبر منه، لأن الحكومة ستتعامل مع زيادة الربط وفقاً لأرقام التضخم المعلنة من قبلها، وستقوم بالتالي بزيادة الرواتب على أساسها، وهذا لا ولن يعبر عن حقيقة الزيادة الحاصلة على الأسعار في السوق السورية، خاصة وأن نسبة التضخم تحسب بشكل وسطي، لكن الزيادات الكبرى في الأسعار تطال معيشة المواطن ولقمة عيشه بشكل رئيسي.

-السعي الحكومي للربط بين التضخم والأجور، هو هروب للأمام، لأن الحكومة تهدف بشكل قاطع من وراء هذا الإجراء إلى التملص من التحسين الحقيقي لمعيشة المواطن السوري، عبر الربط بين الأجور والأسعار، الذي يشكل الحل الوحيد والحقيقي لمشكلة الارتفاع المستمر للأسعار، خصوصاً وأن الحكومة تحاول تصوير آلية الربط هذه على أنها مساوٍ حقيقي لارتفاع الأسعار، وهنا لا بد من السؤال: لماذا لا تقوم الحكومة إذاً بالربط بين الأجور والأسعار بشكل مباشر؟! ولكن لا بد من التذكير بشرط أساسي عندها، وهو وجود آلية صحيحة ودقيقة لقياس الأسعار وارتفاعها في الأسواق، عوضاً عن اعتماد مؤشرات تقريبية تكون في أغلب الأحيان وهمية وبعيدة عن الواقع.
- إذا ما تم الربط بين الأجور والتضخم في ظل واقع معاشي متدنٍ وقدرة شرائية منهكة، ودليلها فتور الأسواق والانعدام النسبي لحركته حتى في موسم الأعياد، فإن الربط لن يغير ويحل الفجوة بسبب استمرار وجود الفرق الشاسع بين مستوى الأجور والأسعار، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تعميق أزمة المواطن السوري المحدود الدخل، ويضاف إلى ذلك، التذكير بأن  مستويات التضخم المعلن عنها من المكتب المركزي الإحصاء ليست حقيقية، وتتناقض  مع المصدر ذاته في بعض الأحيان باختلاف الفترة الزمنية، وخير دليل ومثال على ذلك، إعلان المكتب المركزي للإحصاء أن التضخم في العام 2006 بلغ  9, 17%، لكن عاد وأعلن في العام 2007 أن معدل التضخم في العام 2006 كان 10,3%.
يؤكد الجدول (1) أن نسبة التضخم الاقتصادي الوسطية التراكمية، واستناداً إلى أرقام المصرف المركزي المعلنة للتضخم الحاصل في كل سنة على حدة، خلال السنوات الست الماضية 2003 – 2008 بلغت نسبته 149,11%، بينما الجدول (2) يبين أن الزيادات التي حصلت على الأجور وفي الفترة نفسها كانت أعلى بـ 23%.

جدول (1)

 
يؤكد هذا الجدول أن زيادة الرواتب التراكمية بلغت خلال السنوات الست الماضية منذ العام 2003 حتى العام 2008 ما يقارب 172,5%.

جدول (2)
 

 

 

 

 

 

 

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
430