تعقيباً على رئيس الحكومة.. لا يمكن ردم الحقائق «المؤلمة» بقليل من التصريحات والأرقام!

كان رئيس الحكومة السورية محمد ناجي  عطري متفائلاً جداً خلال لقائه مع أساتذة وطلبة جامعة دمشق نهاية العام الماضي، ووصل تفاؤله حداً كبيراً حين قال: بأننا رددنا على التحديات بمزيد من التنمية! هذه الكلمة التي ينبغي الوقوف عندها طويلاً، والتي يجب مراجعهتا وتدقيقها بشكل أكثر جدية وعمقاً، والتي يجب البحث عن مظاهرها الحقيقية والواقعية، لا مظاهرها الرقمية، كونها أكبر من مجرد تصريح صحافي يطلق.

ومن وجهة نظر عطري فإن الاقتصاد السوري حقق خلال العام الماضي نجاحات جيدة في مختلف الميادين التنموية، حيث تمثل دور الحكومة في العمل على التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، واستقرار الاقتصاد الكلي، وسعر صرف الليرة السورية، وتخفيض المديونية الخارجية، وتوفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية المحفزة للاستثمار، إضافة لتحقيق الأمن الغذائي، والتركيز على تنمية وتأهيل الموارد البشرية، وصياغة وتنفيذ سياسات مالية ونقدية للنهوض بالقطاعات التنموية وخاصة المولدة منها لرأس المال البشري.

تفاؤل مفرط

طال التفاؤل برئيس الحكومة فقدم لنا صورة وردية عن مستقبلنا الاقتصادي أيضاً، فالتوجهات الاقتصادية  المستقبلية تهدف إلى تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة في مختلف المناطق بما يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتخفيض نسبة البطالة وتطوير الأداء في مختلف القطاعات الإدارية والخدمية والاقتصادية، كما أن الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية انطلقت من رؤية مستقبلية هدفها تحقيق تنمية تشاركية في الأداء يرتكز محورها على المواطن وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ضمن إطار واضح من خلال توزيع الأدوار التنفيذية بين الجهات المركزية والمحلية والقطاع العام والقطاعات الأخرى غير الحكومية.
ولكن هل يؤيد الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين السوريين كلام رئيس الحكومة؟ هل يعقل أن يكون هناك استقرار في الاقتصاد الكلي ومعدلات التضخم تأكل الأخضر واليابس؟ ومعدلات النمو الحقيقي في تراجع؟ وهل يمكن لواقع معيشي أفضل أن يتحقق فعلاً في ظل أزمة السكن، وأزمة النقل، وأزمة المحروقات، وأزمة التعليم و...؟ وهل يعني اقتصاد السوق الاجتماعي تدهوراً في الأجور، وزيادة في الأسعار والضرائب والرسوم، وهل يعني أن تصبح الخدمات الصحية في مشافي الدولة مأجورة؟

عزف على وتر النمو الاقتصادي

بتطابق تام مع نائبه أوضح رئيس مجلس الوزراء أن استثمارات الخطة الخمسية العاشرة ومشاريعها التنموية تهدف لتحقيق معدل نمو اقتصادي لا تقل نسبته عن 7% في نهاية الخطة، وفيما يخص تحقيق معدل النمو هذا، كنا قد تساءلنا سابقاً عن مدى توافر الشروط السياسية والاقتصادية التي تجعل من هذا المعدل قابلاً للتحقق في الاقتصاد، وكنا قد قلنا إن الخطة قد تجاهلت الشرط السياسي لتحقيقه وهو اقتلاع الفساد من جذوره، فالاقتصاد السوري تاريخياً كان قادراً على تحقيق معدلات نمو مرتفعة جداً وهو في عز تجدد موارده الاقتصادية والبشرية لكنه لم ينجح في تحقيق ذلك والسبب بسيط وهو أن منظومة الفساد كانت قد وجهت مدخلات النمو الأساسية باتجاه مصالحها مباشرة وبالوقت  نفسه استحوذت على مخرجات النمو لحسابها الخاص، الأمر الذي طور استنزاف الفوائض الاقتصادية ومنعها من التراكم لصالح الاقتصاد العام والناس ولم يمنعها من التراكم لصالح الاقتصاد الخاص الذي تديره حفنة قليلة جدا مستفيدة من امتيازات سياسية واقتصادية خاصة، وبالتالي فإنه مازال أمام الخطة الخمسية العاشرة تجربة حديثة جدا توضح لها كيف امتص الفساد نخاع الاقتصاد، وأمامها نتائجه وآثاره التي ما زالت ساخنة جداً، فهل ستستفيد الخطة من معطيات نموذج الفساد القائم حالياً لضرب أي نموذج فساد قابل للولادة مستقبلاً.
من ناحية أخرى قلنا أيضاً أن مكونات النمو هي التي سوف تحدد آثاره ونتائجه، فالاستثمار في العقارات، وشركات الاتصال، والفنادق السياحية، لا بد وأنه سيحدث نموا ما لكنه لن يحدث تغييرا جوهريا في شكل الاقتصاد، ولن يقود على المدى الطويل لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، في حين أن الاستثمارات الصناعية لا بد لها وأن تحدث تغييرا جوهريا في الاقتصاد وتقود إلى تطويره، فالمشكلة ليست في الرقم إذا لكنها في تركيبة الرقم، وكيف سيتحقق هذا الرقم؟ بمعنى آخر أن الرهان يكمن في هل سنكون أمام نمو أم أمام فقاعة نمو؟ والأبعد من ذلك في هذا الطرح هو من سيكون المستفيد الأساسي من ثمار النمو تلك؟ وكيف ستتوزع على المجتمع؟ جواب هذا السؤال تحدده تركيبة النمو وإلى أي من القطاعات ستذهب الاستثمارات خلال السنوات القادمة.

إنها مجرد أرقام...

يقول رئيس الحكومة: أن المتوسط العام للأجور قد ازداد بنسبة 9% للعاملين في القطاع العام خلال عامي 2004 - 2005 وبنسبة 13 % في عام 2006، ولكن هل كانت هذه الزيادة زيادة حقيقية؟ الجواب هو طبعاً لا! والأمر بسيط للغاية، فهي زيادات اسمية فقط لا تعبر عن الواقع المعيشي الحقيقي للمواطنين، ولا ترتبط بارتفاع الأسعار أبداً، حيث كشفت نشرات الأرقام القياسية لأسعار التجزئة حسب المحافظات السورية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء بدمشق الأعوام الماضية وجود ارتفاعات شديدة بأسعار مواد الاستهلاك الأساسية، وحسب تلك النشرات فقد ارتفعت أسعار اللحوم والأسماك والبيض بنسبة 36%، وارتفعت أسعار الخضراوات بنسبة 38%، والوقود والكهرباء والمياه بنسبة 22%  في عام 2005 عما كانت عليه عام 2000، كما زادت أسعار النقل والمواصلات بنسبة 28%، والمعالجة بالأدوية بنسبة 36%، وكانت أعلى الارتفاعات تلك التي حققها قطاعا التعليم والثقافة إذ زادت أسعاره بنسبة 65% تلاهها مباشرة أسعار الإيجارات التي زادت بنسبة 62%، خلال الفترة السابقة نفسها، وأوضحت النشرة بالأرقام أن الأسواق السورية لم تشهد أي انخفاض في الأسعار لأي نوع من السلع الاستهلاكية الأساسية خلال عام 2005، بل تدرج ارتفاع الأسعار من 6% لبعض السلع وصولاً إلى 65% لبعضها الآخر.
فأي إنجاز حققته الحكومة في زيادتها للرواتب والأجور في ظل انفلات الأسعار هذا؟ ولماذا لم يتحدث رئيس الحكومة عن عجز حكومته في ضبط الأسعار؟ ألم تلتهم هذه الأسعار دخول الموظفين مع كل الزيادات التي طرأت عليها؟
ويتابع رئيس الحكومة بأن حجم الموازنة العامة للدولة ارتفع من 420 مليار ليرة سورية عام 2003 إلى 495 مليار ليرة عام 2006 وأنه تم رصد 588 مليار ليرة لموازنة العام 2007 بنسبة زيادة مقدارها 19 % مقارنة مع موازنة العام الجاري حيث انه من المتوقع أن تؤمن حوالي 54 ألف فرصة عمل في مختلف القطاعات الإنتاجية والإدارية والخدمية.
إنها مجرد أرقام شكلية أيضاً، حيث لا يعلم أحد منا ما هي الأرقام الحقيقية في الموازنات المذكورة سابقاً، بل إن تلك الأرقام تحجب عن جميع مريدها، ولا يعلم بها إلا واضعوها، كما أن الأرقام المجردة لا معنى لها إلا إذا ظهرت بقيمها الحقيقية، أي إلا بعد خصم معدلات التضخم منها، وهذا ما يظهره رئيس الحكومة في لقاءه ذلك أبداً.

كيف تجاهلها رئيس الحكومة

بدا هيكل الاقتصاد الكلي مختلاً تماماً، وبشكل واضح خلال السنوات الخمس الماضية، في الوقت الذي قدمه رئيس الحكومة على أنه هيكل متين ومتماسك، وذو تنمية قطاعية وإقليمية شاملة، والسؤال هو: هل يحقق اقتصاد مختل تنمية متوازنة؟ سنقدم الآن لمحة سريعة عن أهم مكونات الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية وذلك وفقاً لما قدمته الدراسات والتقارير الحكومية الرسمية ذاتها.
* تراجع واضح في معدلات النمو الاقتصادي العام، حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي من 8.5 % وسطياً للفترة 1990- 1996 إلى  2.4 % للفترة 1997-2003، إلى أن استقر وسطياً خلال أعوام (2000- 2005 ) على 3.7% سنوياً.
* تراجع معدلات الاستثمار الداخلية فقد بلغ وسطي معدل النمو السنوي للاستثمار الإجمالي خلال سنوات ( 2000 – 2005 ) 7% وبتراجع مقداره 5% عمّا هو مخطط، ويعود ذلك إلى تراجع وسطي معدل نمو الاستثمار العام حيث لم يتحقق من 12% (المخطط) إلا6% (المنفذ) فقط، كما بلغ وسطي معدل نمو الاستثمار الخاص الفعلي 7.8% بينما كان مخططاً له أن يبلغ 11%، ونتيجة ذلك لم تتجاوز نسبة الاستثمار الفعلية إلى الناتج المحلي الإجمالي 21% موزعة إلى 8% للاستثمار الخاص و13% للاستثمار العام.
* ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الإناث إلى 22%عام 2004 بعد أن كانت 18.5% في عام 2000، وارتفاعها بين الذكور من 7.3% في عام 2000 إلى 10.5% عام 2004.
* ضعف الهياكل الصناعية/الإنتاجية المباشرة في القطاعين العام والخاص، وتراجع واضح في دور الصناعة  التحويلية على المستوى الاقتصادي الكلي حيث لم تزد مساهمة قطاع الصناعة التحويلية عن 3% في الناتج المحلي الإجمالي خلال أعوام ( 2000- 2005 )، وهذا ما يؤشر على ضعف إنتاج القيم الاقتصادية الحقيقية في المجتمع.
* زيادة سكانية طبيعية بمعدلات مرتفعة إذا ما قورنت بمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، فقد وصل وسطي معدل النمو السكاني في سورية خلال السنوات الخمس الأخيرة ( 2000- 2005 ) إلى 2.7% سنوياً.
* انفلات في الأسعار، وعدم القدرة على السيطرة عليها، وانخفاض واضح في القوة الشرائية للمواطنين، حيث ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك في عام 2005 مقارنة مع عام 2000 بـ22.6%، أي أن الأسعار زادت خلال 5 سنوات بمقدار تلك النسبة.