مساعدات الغذاء أكثر من نصف الناتج.. فأين أثرها؟!

مساعدات الغذاء أكثر من نصف الناتج.. فأين أثرها؟!

تتدفق أموال وبضائع المساعدات إلى داخل سورية، خلال سنوات الأزمة، لتؤثر بشكل إجمالي في عرض الغذاء، والخدمات الصحية والتعليمية، وتسد النقص الناجم عن التراجع الكبير في مواضع أخرى، كما تتحول بجزء هام منها إلى بضاعة يتم تداولها في السوق ومصدر موارد غير شرعي للمتنفذين..

قاسيون ترصد العلاقة بين المساعدات الدولية حجماً، والناتج الإجمالي المحلي، والتأثير على عرض الغذاء في قراءة لتغيرات كل منها خلال سنوات الأزمة..

وفق خطط الاستجابة، وهي تقارير الإغاثة السنوية الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة حول الكارثة الإنسانية السورية، فقد كانت الحاجة إلى المساعدات في تزايد مستمر بشكل سنوي، حيث ارتفع حجم المساعدات الغذائية فقط الموزعة على السوريين في داخل سورية من 518 مليون دولار، إلى 1,2 مليار دولار في عام 2015، بينما المساعدات المخطط توزيعها خلال عام 2016 فهي أيضاً 1,2 مليار دولار.

هذا الارتفاع في حجم الاعتماد على المساعدات الغذائية الخارجية، لا يزداد كماً فقط، بل يزداد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي السوري، الذي يتفق الجميع على تراجعه، ويختلفون على النسبة كما ذكرنا في أعداد سابقة.

الناتج يتراجع والمساعدات تزداد

وإذا ما أخذنا التقديرات شبه الرسمية للناتج المحلي الإجمالي، والمأخوذة من تقرير (تحليل الوضع الاقتصادي الراهن) فإن الناتج المحلي الإجمالي السوري قد تراجع من 1468مليار ل.س عام 2011 إلى 994 مليار ل.س عام 2013، وصولاً إلى 959 مليار ل.س بنهاية عام 2014 وبمعدل تراجع بلغ 35% للفترة 2011-2014، ومع أخذ تقديرات استمرار تراجع الناتج بمقدار 4.7% خلال عام 2015، و8%  خلال عام 2016، وعليه فإن تراجع الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2011-2016 بلغ 43%، وهي أقل التقديرات لتراجع الناتج المحلي الإجمالي، حيث وفقاً لأرقام المنظمات الدولية (البنك الدولي، منظمة الإسكوا) فإن التراجع خلال خمس سنوات بلغ 55%، بينما في تقديرات لباحثين سوريين بالتعاون مع الإسكوا فإن الناتج قد خسر في نهاية عام 2015 ما نسبته 61% من قيمته في عام 2010.

وبأخذ الأرقام الحكومية للناتج وهي الأكثر تفاؤلاً، فإن نسبة المساعدات إلى الناتج توضح تعمق الخلل في بنية الاقتصاد السوري، وتحول نوعي في وزن المساعدات إلى الناتج، حيث أن المساعدات الغذائية فقط شكلت في عام 2013 نسبة 5,6 % من الناتج، ولكنها ارتفعت في عام 2015 وأصبحت تشكل نسبة 31,5% من الناتج، أي أن المساعدات الغذائية تعادل ثلث الناتج تقريباً. أما في عام 2016 فإذا ما تراجع الناتج وفق التقديرات المذكورة بمقدار 8%، فإن نسبة المساعدات الغذائية ستشكل نسبة 63% من الناتج، ويصبح وزن المساعدات بالقياس إلى الناتج وزناً نوعياً يفوق النصف!

 لماذا لا تخفض المساعدات أسعار الغذاء؟!

وعلى الرغم من أن المساعدات قد ازدادت خلال الفترة من 2013 و 2016 بمقدار 900%، إلا أن هذا لم ينعكس تحسناً في إغاثة السوريين أو لم يشكل مساهمة جدية في تحسين دخلهم الحقيقي. والسبب يعود إلى أن تراجع الناتج الذي يحمل في طياته تراجع الإنتاج، وزيادة البطالة والفقر، وزيادة عدد السوريين المحتاجين إلى إغاثة، فحسب بيانات الأمم المتحدة فإن عدد السوريين الذين تم إيصال المساعدات الغذائية لهم سنوياً ارتفع من 3.9 مليون شخص داخل سورية عام 2013  إلى 6.5 مليون شخص في عام 2015 في حين تستهدف خطة الاستجابة لعام 2016 إيصال المساعدات الغذائية إلى 7.5 مليون سوري، أما تعداد السوريين المحتاجين إلى إغاثة بأنواعها المختلفة وليس الغذائية فقط، فقد ارتفع من 4 مليون شخص خلال عام 2013 وصولاً إلى 13.5 مليون في عام 2015!

إلا أن السبب الآخر في تراجع قدرة المساعدات على التأثير الإيجابي على واقع ومعيشة السوريين، هو حجم الفساد الداخل في عملية إدارة أموال المساعدات الدولية، حيث أن المساعدات الغذائية تحديداً، تتحول النسبة الكبرى منها إلى بضائع للتداول في السوق السورية الداخلية، مسعرة بأسعار قريبة من المستوردات الغذائية السورية، التي تشهد أسعار احتكارية، وهو ما يعني حصة كبيرة من دخل السوريين تذهب للإنفاق على الغذاء الذي استولت عليه مجموعات ومنظمات إدارة توزيع المساعدات مجاناً!

ولا أدل على هذا سوى أنه ما من أثر إيجابي على تضخم أسعار الغذاء، حتى مع توسع حجم المساعدات لتشكل نسبة هامة من الناتج! فوجود عرض سلعي مجاني بمقدار ثلث الناتج في عام 2015، ومن ثم بمقدار أكثر من نصف الناتج في عام 2016، كان لا بد أن ينعكس انخفاضاً جدياً في أسعار السلع الغذائية، لتكون على الأقل أسعاراً تنافسية وليست احتكارية كما هو الحال اليوم، عندما تكون نسب الأرباح في المواد الغذائية مثل الزيت النباتي تبلغ 90% تقريباً، رغم أن الزيت النباتي مكون أساسي من مكونات المعونات الغذائية الداخلة دورياً إلى سورية.

بناء على أرقام المكتب المركزي للإحصاء، حول التضخم، الواردة في الجدول، فإن أسعار الغذاء في سورية ارتفعت بمعدل سنوي وسطي حوالي 60% خلال الفترة 2013-2015، ما يدل على أن جزءاً هاماً من المساعدات الغذائية، يتم إدخالها إلى السوق، وتسعيرها وفق الأسعار الاحتكارية للغذاء في سورية خلال الأزمة، لتحقق معدلات ربح قياسية غير مسبوقة، من خلال عملية (سرقة) أموال إغاثة السوريين وتحويلها لربح.

 من يستفيد من 1,2 مليار دولار مساعدات غذائية؟!

 على الرغم من أن المساعدات الغذائية قد توسعت بمقدار 9 أضعاف خلال السنوات الأخيرة من الأزمة السورية، إلا أن هذا لم يحمل أثراً على أسعار الغذاء في سورية، فالمساعدات التي أصبحت تشكل نسبة 31,5% من الناتج في عام 2015، وقد تصل إلى نسبة 63% من الناتج في عام 2016، ورقم قد يبلغ 1,2 مليار دولار، لم تساهم في تخفيض أسعار الغذاء، الذي بقيت أسعاره من أكثر الأسعار تقلباً، وارتهاناً لسعر الصرف، وللأسعار الاحتكارية لقلة من المستوردين. ما يدل على أن النسبة الأهم من هذه المساعدات، تدخل في دوامة منظومة السوق السورية، وتتحول ربحاً قياسياً يتوزع معظمه على المنظمات والجهات المتاجرة بالمعونات الغذائية للسوريين، والجزء اليسير منه سلل غذاء مجانية للسوريين! هؤلاء المتاجرين يعيقون زيادة الناتج في ظل الاعتماد على المساعدات المتوفرة، ويرفعون نسبة اعتماد السوريين على الإعانات التي يربحون منها أرباحاً استثنائية، ويُنَحون جهاز الدولة عن القيام بدوره، سواء في إدارة المساعدات، أو في التصدي لمهمات الإغاثة، ويحولون الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تشكل المساعدات أكثر من نصف ناتجه..

آخر تعديل على الأحد, 18 أيلول/سبتمبر 2016 13:37