د. نزار عبد الله د. نزار عبد الله

الوصفة القاتلة لصندوق النقد الدولي إلغاء الدعم والتضخم الجامح

الحالة الراهنة للاقتصاد في سورية:
إن أبرز مظاهر الاقتصاد السوري في الفترة الراهنة مايلي:
 - كساد تضخمي
- بطالة بنيوية تصل حتى 50% من القادرين على العمل.

- تعمل الكثير من المصانع والشركات والمؤسسات بـ 25-40% من طاقاتها الإنتاجية.
- مستوى الأجور منخفض جداً، حيث لا يتجاوز الوسطي الـ 10 آلاف ل.س. إذ تتراوح الأجور بين 2000- وأكثر من 13 ألف ل.س.
- الإنتاجية منخفضة جداً بسبب تدني مستوى الأجور. وضعف حافز العمل، نجم عنه انخفاض أشد في إنتاجية العمل، وإضعاف آخر لحافز العمل.
- الحد الأدنى لمعيشة العاملين بأجر يصل إلى 25 ألف ل.س. على اعتبار أن وسطي معدل الإعالة 5.3 أشخاص.
- وصل التضخم خلال عام 2006 إلى أكثر من 20% والبعض يقدره بـ 40%.
- التضخم كلفوي بسبب انخفاض استغلال الطاقات الإنتاجية، الناجم عن الكساد الاقتصادي من جهة، وقدم التجهيزات الآلية، لارتفاع حصة مستلزمات الإنتاج المستوردة من إجمالي المستلزمات.
- مثلاً ارتفعت أسعار الخدمات الطبية بمعدل 10 أضعاف بين 1986 -2006.
- ارتفعت أسعار المساكن والإيجارات بين مطلع 2006 ومطلع 2007 بنسبة تزيد على 40%،( يعادل الطلب على المساكن قرابة 5 أضعاف العرض).
- انخفضت الضرائب على الأرباح وارتفعت الضرائب غير المباشرة، مما رفع كلفة الإنتاج.
- تهجير الأدمغة والعمال المهرة مستمر، مما يؤثر سلباً على جودة الإنتاج ويسبب خسارة فادحة للاقتصاد الوطني.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل فاحش، فوصل سعر كغم الحمص مثلاً إلى 80 ل.س. وهو ثاني مادة غذائية بعد الخبز، مع العلم أن كلفة إنتاجه كما تقدرها وزارة الزراعة وصلت 17 ل.س. عام 2006.
- خفضت نسب الجمارك كثيراً، وأغرقت الأسواق بسلع جاهزة مستوردة بدون جمارك، بشهادات منشأ مزورة. في إطار السوق العربية المشتركة الحرة، مما أضعف القدرة التنافسية للمنتجين العرب السوريين.
- بلغ وسطي دخل الفرد السنوي في ألمانيا الاتحادية 18600 يورو، عام 2001 (أكثر من مليون ل.س.)
- وبلغ في سورية 1000 دولار فقط أي 20/1 من مثيله الألماني.

الأسعار

لكل اقتصاد منظومة أسعار متكاملة مترابطة، أهمها الأجور. لنطالب بأجور عالمية أولاً، قبل رفع مبدأ الأسعار العالمية.
مهمة الإدارة الاقتصادية في دول اقتصاد السوق الاجتماعي خاصة، ودول اقتصاد السوق عامة هي:
- الحفاظ على ثبات الأسعار ومواجهة التضخم.
- الوصول إلى العمالة الكاملة.
- تحقيق توازن بين الصادرات والواردات.

الدعم

سياسة الدعم جزء من السياسة الاقتصادية بشكل عام، ولدول اقتصاد السوق بشكل خاص. لتصحيح الخلل الذي يؤثر في الاقتصاد لأسباب شتى، سواء في الأجور أو الأسعار. هنالك دعم للإنتاج وللاستثمار وللاستهلاك وللتصدير والتعليم... إلخ.
هناك دعم خاص للقطاع الزراعي في دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وشتى دول العالم.

الدعم في سورية

الدعم هو الفرق بين سعر البيع والكلفة، وليس بين السعر العالمي لسلعة ما وسعر البيع الداخلي، كما يحاول البعض إيهامنا، هنالك خداع حسابي.
-لا يوجد دعم للمشتقات النفطية المنتجة محلياً. يوجد للمشتقات النفطية المستوردة فقط، كالمازوت مثلاً، الذي تشكل الضرائب قرابة نصف سعر بيعه في الدول الأجنبية، وتختلف من دولة إلى أخرى، وحسب الاستخدام، للسيارات أم للتدفئة، تبعاً  لخصوصية كل اقتصاد على حدة.
من الرشيد أن ننطلق نحن من مصلحة اقتصادنا الوطني أيضاً، فأية أسعار عالمية نلزم أنفسنا بها؟
لقد قامت النهضة الاقتصادية والصناعية خصوصاً، من بدايتها، على أسعار طاقة رخيصة، وأقل من 10 دولار للبرميل، بالأسعار الثابتة في معظم السنوات، بين 1970 – 2005.
من الملح جداً أن تستمر نهضتنا الصناعية والاقتصادية بشكل عام، اعتماداً على أسعار طاقة رخيصة، خاصة ونحن (العرب)، نملك النفط والغاز، وعلينا توظيفه لتطوير الاقتصاد والمجتمع العربي.
لا يزال وسطي استهلاك الطاقة في وطننا العربي، وفي قطرنا خاصة، أخفض بكثير من مثيله في الدول الغربية المستوردة لنفطنا. ومن المستوى العالمي.
إذا لم نفعل ذلك، نفوت فرصة النهضة برمتها، ونفاقم المشاكل الاقتصادية البنيوية التي نعاني منها حتى الآن، منذ الفترة الاستعمارية.
هذا ما يريده صندوق النقد الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي، وقد كان رئيسه (ولفوفيتش)، أحد منظري الحرب على القطر العربي العراقي، والتي عملت منذ عام 1991 على إعادته إلى العصر الحجري، بالتدمير المبرمج للإنسان والاقتصاد، والقتل والنهب.
إن السياسات الاقتصادية التي يريد الصندوق إملاءها، تدمر الاقتصاد والمجتمع. هذا ما جرى للدول التي انصاعت لنصائحه وإملاءاته.

- ماذا سيحصل إذا رفعنا أسعار المشتقات النفطية بدءاً بالمازوت؟

1 - سترتفع أسعار قطاع النقل، الذي يستهلك قرابة 2 مليون طن سنوياً، بنسبة أعلى من زيادة سعره. وسوف تتأثر بذلك جميع القطاعات الاقتصادية فوراً، مع العلم أن كلفة النقل تشكل أكثر من 15% من كلفة الإنتاج في قطرنا، وحوالي 6% في الدول الصناعية.
2 - سترتفع كلفة الإنتاج الزراعي في القطاع الزراعي، الذي يستهلك قرابة 1 مليون طن سنوياً.
3 - سترتفع كلفة التدفئة وتسخين المياه للاستخدامات المنزلية والتي تستهلك 2 مليون طن سنوياَ، ستتفاقم المشاكل الصحية عند 90% من الجمهور فلا يستطيع تأمين التدفئة شتاءً وربما الاكتفاء بالاستحمام مرة واحدة في الشهر.
4 - سيتفاقم الوضع ونهرول بخطى سريعة إلى التضخم الجامح، الذي يدمر الاقتصاد وقيمة العملة والمدخرات كما حصل 1929 في الاقتصاد العالمي.
5 - ستنخفض القدرة الشرائية لأصحاب الأجور المحدودة بنسبة مرتفعة جداً، وسيصبحون جميعاً تحت خط الفقر.

- إن أسعار الطاقة المعتدلة هي مزية نسبية لاقتصادنا، ليس من الرشيد التفريط بها.
- من الضروري ترشيد الدعم وليس إلغاؤه. نحن ندعم استيراد (الرز والسكر والشاي) وهذا تبديد للموارد. المفروض دعم سلع الاستهلاك الشعبي المنتجة محلياً مثل (البرغل وزيت الزيتون والحليب والبيض...الخ).
-نحن نصدر القمح والقطن المرويين بخسارة، هذا تبديد للموارد ونحن بذلك نصدر المياه، المادة النادرة في بلادنا.
حلول بديلة لرفع أسعار
المشتقات النفطية

● على المدى القصير والمتوسط:

-تحويل معظم وسائل النقل للعمل على الغاز، حيث يستهلك قطاع النقل 2 مليون طن مازوت عام 2005.
- تحويل التدفئة المنزلية وتسخين المياه للعمل على الطاقة الشمسية المدعومة والكهرباء، عوضاً عن المازوت، حيث يبلغ استهلاك القطاع المنزلي 2 مليون طن مازوت عام 2005.
- التوسع في الاعتماد على الغاز والطاقات المتجددة في توليد الكهرباء، عوضاً عن الفيول. فيتراجع الطلب على المشتقات النفطية كثيراً ولا نعود بحاجة إلى استيراد المازوت والفيول، وتنخفض كلفة النقل وكلفة الدعم.
الغاز متوفر بغزارة في الوطن العربي، وسيحصل القطر على مليار متر مكعب، رسوم عبور الغاز من مصر، ومن المنتظر تشييد خطوط غاز أخرى عبر سورية من دول الخليج وغيرها، والعراق بعد تحرره من الاستعمار الأمريكي، بالإضافة إلى الإنتاج المحلي السوري.

● على المدى المتوسط والبعيد:

اعتماد الخطوط الحديدية، واسطة النقل الرئيسية، سواء بالنسبة للنقل الداخلي والقريب والبعيد، مكهربة وسريعة، بسرعات تصل إلى 500 كم/ساعة للركاب ولنقل البضائع، كما في الدول المتطورة نقلياً.
للحصول على موارد للخزينة العامة، يجب وقف التفريط بمواردها، والحد من تجفيفها، الذي نجم عن:
- تخفيض التصاعد الضريبي من 63% إلى 28% فقط، وإلى 14% للشركات المساهمة.
- يجب أن يصل التصاعد الضريبي إلى 63% انطلاقاً من نظام ضريبي جديد، يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإلغاء العديد من الإعفاءات الضريبية الممنوحة بدون حق لـلشركات الأجنبية النفطية والفندقية والمشافي الخاصة.
- إعادة الواردات الجمركية كمصدر هام للإيرادات.حيث أننا لسنا مؤهلين بعد للدخول في اتفاقية التجارة الدولية أو غيرها. علينا أن نطور اقتصادنا أولاً، كي يصبح قادراً على المنافسة، ونقرر انطلاقاً من دراسة الأكلاف والمنافع، متى يصبح ذلك من مصلحتنا.

خاتمة

تساعد هذه البدائل على تنمية الاقتصاد الوطني وتطويره، والحفاظ على البيئة من التلوث، الناجم عن استهلاك المشتقات النفطية المختلفة، الذي يكلفنا سنويا حوالي 4% من الناتج المحلي. وتتحسن جودة الحياة وتنخفض كلفة النقل وتنخفض معدلات التضخم.
لنحذُ حذو فنزويلا التي انسحبت من عضوية صندوق النقد الدولي، والتي تسير، بخطى ثابتة، على طريق التحرر من ربقة الاستعمار الحديث، الأمريكي خاصة، والغربي عامة.