منير الحمش منير الحمش

الفريق الاقتصادي ينجح في تنفيذ وعده ووعيده

«إذا وقعت واقعة....  لا تضحك ولا تبكِ، ولكن فكّر»

اسـبينوزا

 نعم.. وقعت الواقعة. تم رفع أسعار البنزين كما وعدت (الإدارة الاقتصادية)، وكما توعد (الفريق الاقتصادي)، أما القادم فأعظم... إنه رفع أسعار المازوت، وهو وعد ووعيد ...

لن نضحك... (مع أن شر البلية ما يضحك)، ولن نبكي، فالمصيبة أعظم، دعونا، كما قال اسبينوزا، نفكر.

الفريق الاقتصادي يبرر رفع الأسعار بما يلي:

1 - ارتفاع الأسعار العالمية.

2 - انخفاض الأسعار يغري بزيادة الاستهلاك.

3 - واختلاف الأسعار عن البلدان المجاورة يغري بالتهريب.

4 - وبالتالي فإن ذلك يزيد من فاتورة (الدعم).

5 - الأمر الذي يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة العامة للدولة.

ولهذا فإن (الفريق الاقتصادي) يدق ناقوس الخطر، ويقول إنه أمام تزايد العجز في الموازنة (الذي يصل عام 2008 إلى ما يزيد عن 200 مليار ل.س)، فإن أمامكم الحلول التالية:

1 - زيادة أسعار المشتقات النفطية حيث تقدر الفروق في حال بقاء الأسعار كما هي بحوالي 350 مليار ل.س.

2 - أو أنها تهدد القيادة السياسية والرأي العام السوري بأحد الحلين التاليين:

أ - اللجوء إلى احتياطي الدولة لتغطية العجز.

ب - اللجوء إلى القروض (الداخلية والخارجية).

ويبدو أن الفريق الاقتصادي انتصر من حيث المبدأ، على أن يستكمل انتصاره برفع أسعار المازوت وإقرار ضريبة القيمة المضافة، كما يطلب صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير المقدم إلى الحكومة السورية، والذي قامت وزارة المالية بنشره في صفحتها الخاصة، مبدية فخرها بالثناء الذي أبداه الصندوق على امتثالها إلى مشورته.

ويطالب (الفريق الاقتصادي) الصحافة المحلية، وهو الخبير في تعبئة الرأي العام، والمتخصص بالإعلام، فهو يعرف أهمية الإعلام، لذا هو يطالب الصحافة المحلية (بدعم) توجهاته في زيادة الأسعار وإقناع الرأي العام بالقبول والانصياع. (كم هو استخفاف بالرأي العام!!).

كما طالب المنظمات الشعبية بالطلب نفسه، في اجتماعها مع القيادة القطرية والحكومة، مؤخراً، بأن تدعم الفريق الاقتصادي في عمله الحثيث وتوجهاته الثابتة في رفع أسعار المشتقات النفطية، وإلا الوعد والوعيد (بالويل والثبور وعظائم الأمور).

والفريق الاقتصادي في الحكومة (شاطر) في (فبركة) الأرقام، لكنه أحياناً يقع في المحظور.. فمن جهة يقدم أرقاماً لتأكيد نجاح سياساته الاقتصادية والمالية، كارتفاع الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدل النمو الاقتصادي، والأرقام (الخلبية) في الاستثمار (خاصة الخارجي منه)، ثم يقدم من جهة ثانية عجز الموازنة والخسائر التي تتكبدها الخزينة العامة نتيجة (دعم) الأسعار، فيعمل على جمع الشتاء والصيف على سطح واحد، ويحيل البلاد إلى جنة موعودة من جهة، ويظهر خزينة الدولة بمظهر العاجز (أو المفلس) من جهة ثانية.

هل هي شطارة، أم مشاطرة، واستخفاف بعقولنا وقلوبنا، أم أن ذلك يأتي في سياق سياسة الجهل والتجهيل؟

فمع تصاعد الهجمة الإمبريالية الأميركية – الصهيونية على سورية، ومع تزايد التآمر على سورية من (فئران) العولمة وممثليها في الداخل والخارج، يصدر الفريق الاقتصادي قراره برفع أسعار البنزين كمقدمة إلى زيادة أسعار مواد أخرى، في الوقت الذي تشد أحداث المنطقة وتهديدات الولايات المتحدة وإسرائيل الشعب في سورية. رغم أن الفريق الاقتصادي طرح فكرة رفع أسعار المشتقات النفطية للمناقشة العامة، وكانت الحصيلة، مخيبة لآمال ذلك الفريق، فقد كان هناك توجه عام بعدم الموافقة على رفع الأسعار، مما يفسر لجوء الفريق الاقتصادي إلى الصحافة والمنظمات الشعبية.

والفريق الاقتصادي، يعمل وفق سياسات اقتصادية ومالية ثابتة بهدف جر البلاد إلى اقتصاد السوق الحر، وإعمال آليات السوق وإطلاق قوى السوق العاتية لتتحكم في مسيرة البلاد الاقتصادية وفقاً لبرنامج (توافق واشنطن) الذي تحكمه مبادئ وقيم الليبرالية الاقتصادية الجديدة.

ولا يريد الفريق الاقتصادي مناقشة هذا الأمر، لا بل إنه ينفي خضوعه (للوصفات الجاهزة)، فهو يدرك تماماً أنه لن ينجح في إقناع أحد بالتوجهات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، (اللهم ما عدا بضعة أشخاص من فئران العولمة ومروجيها المستفيدين من إطلاق حرية السوق).

ومن أجل (تمرير) سياسات حرية السوق، يعمد الفريق الاقتصادي إلى تجزئة تلك السياسات وطرحها لكل قطاع على حدة.

- إن إطلاق مقولة (تحرير التجارة الخارجية قاطرة للنمو) وفتح الأسواق الوطنية للمنتجات الأجنبية، يتم بمعزل عن البحث في تأثير ذلك على المنتجات الوطنية.

- وتحرير الأسعار المحلية يتم بمعزل عن تأثير ذلك على مستوى معيشة السكان، وخاصة في إحداث (التضخم) آفة الاقتصاد.

- وتخفيض الضرائب على الفئات الميسورة، يتم بمعزل عن تأثير ذلك على إيرادات الخزينة.

- ورفع أسعار المشتقات النفطية يتم بمعزل عن تأثير ذلك على مستويات الأسعار ومستويات المعيشة، وكذلك عن انعكاس ذلك على أسعار الخدمات وتكاليف الإنتاج وإشعال فتيل التضخم.

- وفتح باب استيراد السيارات على مصراعيه، وتخفيض رسومها الجمركية يتم بمعزل عن مدى قدرة شوارعنا على الاستيعاب، ودون حساب لما تكون حالة ميزاننا التجاري بعد أن تبدأ حاجة هذه السيارات إلى قطع التبديل، أو إلى ما تستهلكه من محروقات.

والأمثلة عديدة لقرارات الفريق الاقتصادي فهو يسير وفق خطة يعتبرها (ذكية)، وهي:

جر البلاد إلى الالتحاق بالاقتصاد العالمي والاندماج بالعولمة، تدريجياً وبغفلة من أصحاب المصلحة الحقيقية (أي الشعب) و(قضم) الاقتصاد السوري (بالتسلل) بقطاعيه لحساب الليبرالية الاقتصادية الجديدة.

ولا أدل على ذلك من تخفيض حجم الحكومة (يقاس حجم الحكومة بنسبة إجمالي الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي).

وتخفيض حجم الحكومة في برنامج (توافق واشنطن) يشكل بؤرة هذا البرنامج، فهو يعني تخفيض الإنفاق العام (الجاري وخاصة الاستثماري)، وكذلك تخفيض الإيرادات الضريبية (بما يساعد على تراكم رأس المال).

وتخفيض حجم الحكومة، يعني إضعافها وإضعاف تأثيرها على المجتمع وتخفيض مستوى قدرتها التفاوضية تجاه الخارج. فتصبح الدولة أكثر تجاوباً مع ما يطرح من الخارج من مشاريع، وتصبح بالتالي السياسة الاقتصادية رهناً بإملاءات (مشورة) المؤسسات الدولية التي تأتمر بالإيحاءات الأميركية.

وكي لا يظل كلامنا مجرد كلام، فإن الأرقام (تكذب الغطاس) وهي مأخوذة من تقرير صندوق النقد الدولي الذي سبق الإشارة إليه، فقد كان حجم الحكومة في بداية الثمانينات من القرن الماضي 48%، والنسبة مأخوذة من الإحصاءات الرسمية المنشورة. أما تقرير الصندوق فيبين في الجدول رقم /1/ ص40 من التقرير، أن نسبة النفقات (الجارية والإنمائية) إلى الناتج المحلي هي:

علماً أن آخر إحصاءات منشورة عن فرنسا (وهي بلد اقتصاد حر) تشير إلى أن هذه النسبة 54%.

لا نريد الاستطراد في ذلك أكثر، بل نريد أن نشير إلى أننا اليوم بأشد الحاجة إلى (الدولة القوية) في مواجهة الضغوط والمؤامرات الخارجية، والدولة القوية قوية بمجتمعها، بوحدتها الوطنية، باقتصادها القوي، بجيشها القوي، بإرادتها الحرة القوية، وأن أي مساس بعناصر هذه القوة يُعّد في أحسن الحالات تجنياً وافتئاتاً وإضعافاً للتوجهات التنموية.

لهذا فإن ما يحكم نظرتنا إلى أي إجراء حكومي، هو الإجابة على الأسئلة التالية:

هل هذا الإجراء يصب في صالح الاقتصاد الوطني؟ هل هذا الإجراء يتم لصالح الغالبية من أفراد الشعب، أم أنه لصالح فئة قليلة؟ هل هذا الإجراء يمس قوة الاقتصاد؟ هل هذا الإجراء يزيد الاقتصاد الوطني قوة؟ هل هذا الإجراء يزيد من تماسك المجتمع أم يضعفه؟ فهل خطر ببال الفريق الاقتصادي مثل هذه الأسئلة؟؟؟