يومان استثنائيان... وحزن عميق

كان وسيبقى يوما الثلاثاء والأربعاء من هذا الشهر الأخير لعام /2007/ يومين غير عاديين، بل واستثنائيين في حياتي كإنسان، وكصحافي مايزال الطريق أمامه طويلاً وصعباً ومليئاً بالمفاجآت في مهنة المتاعب هذه، لأنني قضيت فيهما أكثر من ست ساعات في صحبة ولقاء رجل عظيم، لم يكن قد تبقى لوجوده الفيزيائي بيننا وقت طويل، وإن كانت أفكاره وعقله الرزين وأبحاثه العلمية التي تناول فيها مجموعة من المواضيع الملحّة الاقتصادية – الاجتماعية، ستبقى تخلّد اسمه كرجل علم وطني معتز بوطنيته حتى العظم.

ستبقى لشخصية الراحل الدكتور عصام الزعيم الفذة أثرها البالغ في نفوس كل من قرأ له أو استمع إليه، فكيف بمن التقى معه أكثر من مرة وآخرها قبل وفاته بساعات، ففي يوم الثلاثاء 11/12/2007/ كان لنا نحن في جريدة قاسيون لقاءً مطول معه دام أكثر من ساعتين طال نقاطاً وقضايا اقتصادية متنوعة، وعلى رأسها الموازنة العامة والاستثمار والنمو، ومناقشة بعض مشاريع وأطروحات وخطط الفريق الاقتصادي وتوجهاته الليبرالية المنحازة للأغنياء وغيرها.

وفي اليوم الثاني أي يوم الأربعاء 12/12/2007/ يوم إغلاق العدد 335، ونزولاً عند رغبة الزعيم، وبناءً على طلبه في قراءة الحوار قبل نشره، كانت لي جلسة أخرى مع الراحل الكبير امتدت إلى ما بعد منتصف الليل لتصحيح المادة ووضع الملاحظات والتعديلات النهائية عليها، وأحب أن أنوه في هذا الإطار أن المادة الورقية التي صححها الدكتور عصام بالقلم الأخضر بخط يده موجودة لدينا مع التسجيل الصوتي للقاء» وهو ما أعتبره، كواحد من أسرة تحرير قاسيون كنزا ثميناً، باعتباره آخر لقاء له مع الوسائل الإعلامية المختلفة.

في تلك الجلسة التي امتدت لأكثر من ثلاث ساعات لن أنساها أبداً، كنا بين الفينة والأخرى نأخذ استراحة قصيرة فنقوم باحتساء بعض أنواع العصير، ونحن نتبادل أطراف الحديث حول قضايا عامة مختلفة، وكان من جملة ما تحدثنا به، «إعلان دمشق» وما انتهت إليه جلسته الأخيرة والتي نجم عنها خروج بعض المؤسسين من إطاره..

كما حدثني الزعيم عن أيام الدراسة في فرنسا، وذكر لي أسماء بعض أصدقائه ومعارفه هناك، ولا أدري كيف وصل بنا التداعي للحديث عن الإحصاء الاستثنائي لعام 1962، فأبدى استغرابه للتأخر في إلغاء نتائجه الجائرة حتى هذه (تلك) اللحظة..

حدثني عن الرهان الخاطئ لبعض قيادات الأحزاب الكردية على بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية..

 وأيضاً، سألني عن انتخابات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للاجتماع السابع، فاقترحنا عليه حضور الجلسة الافتتاحية وإلقاء كلمة في هذه المناسبة، والحقيقة أنني لم أتفاجأ حين أبدى استعداده وترحيبه بالفكرة، وقد وعدني أن نبحث في التفاصيل بعد عودته من السفر..

وكان آخر ما حدثني به، وقد آلمني كثيرا، كيف أن أحد المسؤولين الكبار في الحكومة عاد من جديد ليحرك الدعوى المقامة ضده من عهد الحكومة السابقة، والتي أكدت الوقائع لاحقاً بطلانها، وأظهرت حقد الفاسدين عليه كونه أنزل بهم ضرراً كبيراً، وكأن التلويح بتحريك الدعوى ضده جاءت رداً من هؤلاء الفاسدين ومن يؤازرهم عليه، ومحاولة النيل منه، خاصة بعد مشاركته الشخصيات الوطنية بالتوقيع على نداء «لا لرفع الدعم»، واتخاذه موقفاً مبدئياً حاسماً وواضحاً من توجهات الفريق الاقتصادي وسياسات الحكومة بشكل عام!!

الغريب أن كل ذلك جرى وهو يتهيأ بمساعدة معاونته في المكتب للسفر إلى محافظة دير الزور من أجل إلقاء محاضرة، سيداهمه الموت بعد أن يلقيها بوقت قصير..

 عندما انتهيت أوصلني إلى الباب بكل لطفه المعتاد، ومن دون أن أشعر أن كلامه مجرد مجاملة قال لي: «أتمنى لك مستقبلاً جيداً في العمل، خصوصاً وأنك تمتلك هذا الصبر و«طولة البال» وسعة الصدر حيث تمكنت من تحملي»!

فقلت له: بالعكس يا دكتور، الحديث معك يغنيني، ويشرفني أن تكون دائماً معنا في الفكر والعمل والسياسة. فقال: جزاك الله خيرا..

الكلمة الأخيرة تلك، رنت في إذني بشدة عندما أبلغني الرفاق بنبأ رحيله.. لقد صعقني الخبر.. فلم أستطع أن ألجم حزني..

وداعاً عصام الزعيم.. لقد عشت عظيماً حتى آخر لحظات حياتك..

■ ali @kassioun.org

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 15:27