د.نزار العبدالله د.نزار العبدالله

رفع الدعم وتحرير التجارة.. وتدمير الزراعة!!

أصبح معروفاً للجميع أن وظيفة سياسة الدعم تصحيح الخلل بين الأسعار والأجور من جهة, ومواجهة الاحتكار في الداخل والخارج وتصحيح الخلل في قطاعات اقتصادية معينة كالزراعة أو التجارة أو الصناعة،

من جهة أخرى.. ومما لاشك فيه أن لكل اقتصاد منظومة أسعار متكاملة خاصة به، وبالتالي لا يمكن اجتزاء بعض الأسعار وفرضها على اقتصاد ما، فمن يريد أسعاراً عالمية, عليه أولاً أن يدفع أجوراً عالمية، قبل، أو بالتزامن مع رفع الدعم, وإلا حدث تصدع في العلاقات الاقتصادية..

 

تحرير التجارة وإلغاء الدعم!

استغرق الاتفاق بين الدول الرأسمالية على تصميم اتفاقية التجارة الدولية زهاء نصف قرن، وتضم هذه الاتفاقية الآن كماً كبيراً من الصفحات للانتقال التدريجي والمعاملة المختلفة بالنسبة لشتى القطاعات في العديد من الدول، واستثناءات وتعويضات تفصيلية كثيرة. وقعت الدول الرأسمالية هذه الاتفاقية بعد أن وصلت إلى مرحلة من الإنتاج أصبحت فيها التجارة «الحرة» تناسب مصالحها, ولم تفعل ذلك قبل ذلك. وبدأت تفرض بنود هذه الاتفاقية على الدول النامية, التي لم تتطور اقتصاداتها ولا مصالحها بحيث تكون هذه الاتفاقية مفيدة لها, لأن الاتفاقية أساساً صممت تبعاً لمصالح الدول الرأسمالية الكبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان..

وبناء على ما سبق، فقد بات من الضروري التأكيد أن اتفاقية التجارة العالمية (التي انخرطنا بها) تفوت فرص التنمية الاقتصادية في الدول النامية, وتدمر بنية الإنتاج فيها, لأن فعالياتها الإنتاجية، وخاصة مصانعها، ليست قادرة على منافسة مصانع الدول الرأسمالية الكبيرة, إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاستعمار الأوربي كان قد مزقها في مرحلة الاستعمار القديم، إلى دول صغيرة، وفتت وحدتها القومية، ومنع قيام صناعة فيها.

إذاً، فبلداننا لا تزال في مرحلة من التطور الاقتصادي، ولا يمكن لاقتصادها أن ينمو دون دعم، فإذا تم المضي قدماً في سياسة رفع الدعم كما يجري عندنا، فستنهار بنية الاقتصاد أولاً، لتنهار لاحقاً الدولة ككيان سياسي!!.

لا تزال شتى الدول تدعم القطاع الزراعي فيها حفاظاً وتحقيقاً للأمن الغذائي فيها, على عكس معظم الأقطار العربية التي لا تقدم دعماً فعلياً للقطاع الزراعي, بل تكبله بقيود كثيرة, وتترك التجار يحتفظون بفائض القيمة الذي أنتجه بكده وتعبه الفلاح والمزارع طوال العام، دون عناء.

تراوح الدعم في «منظمة التعاون الاقتصادي» خلال فترة  2000-2002 بين أقل من 5% من الدخل المزرعي في كل من أستراليا ونيوزيلندا، وبين 70% في كل من أيسلندا وسويسرا. وانخفضت نسبة الدعم المرتبط بالإنتاج أو مستلزماته من 91% من دعم الناتج 1986-1998 إلى  74% خلال 2002-2004، وكان سعر المنتج في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى بحوالي 60% من السعر العالمي  في الفترة 1986- 1998. وقد تم تقليص الفجوة في الأسعار لتصبح 30% في الفترة 2002-2004, وبقي السكر والرز والحليب أكثر السلع تلقياً للدعم. وقد زاد دعم المنتجين بنسبة 11% في كوريا، و14% في نيوزيلندا، و31% في الولايات المتحدة عما كان عليه عام 2004. أما العنصر الأساسي لإصلاحات 2003 في الاتحاد الأوروبي، فهو تقديم دفعات فردية لمزارعي الاتحاد, غير مرتبطة بالإنتاج, تسمح للمزارعين بالحصول على الدخل المضمون، وتحفزهم على الإنتاج  وفق حاجات السوق وطلبات المستهلكين. وتتدخل السياسة الزراعية في الاتحاد الأوروبي لدعم الكثير من السلع بصيغ شتى, إما دعم مرتبط بكميات الإنتاج، أو دعم للتصدير كالحبوب والألبان والقطن والتبغ وزيت الزيتون الخ. (لمزيد من التفصيل انظر: التجارة الزراعية السورية عام 2005, صفحة 98 – 101 – المركز الوطني للسياسات الزراعية- وزارة الزراعة السورية- دمشق).

ما هو حجم الدعم؟

على مدى عقود، لم تعلن وزارة المالية في سورية بشكل شفاف ودقيق عن حجم الدعم المخطط والفعلي عن السنوات السابقة، وعن مبرراته.. ليبقى حجم الدعم، والجهات الحاصلة عليه أمراً مبهماً.. وعليه ينبغي طرح عدد من الأسئلة:

لماذا تعفى المشافي الخاصة من ضريبة الدخل, مقابل أن تقدم هذه المشافي 10% من أسرتها مجاناً للفقراء! فهل يتم تقديم هذا العشر الصحي للفقراء فعلياً؟ ومن يراقب هذا الدعم؟ ومن يقيّم كم تخسر خزينة الدولة من ضرائب؟ وكم عدد الفقراء الذين استفادوا من خدمات هذه المشافي، ويعد ميزان الأرباح والخسائر كل عام للتأكد من جدوى هذا الدعم؟

كم بلغ حجم الدعم للعديد من الشركات الأجنبية, بإعفائها من الضرائب والرسوم، خاصة شركات النفط والاستثمار السياحي؟ كم بددنا بهذا الدعم غير المنطقي من موارد للخزينة سنوياً، وخلال فترة إنشاء هذه الشركات، وحتى الآن؟ ألا  يصل هذا الرقم إلى مئات مليارات الليرات السورية؟! والغريب أن هذا الدعم لا يزال مستمراً, فلماذا لا نوقفه؟ ألسنا بحاجة إلى هذه الموارد لرفع الأجور المتدنية لعمالنا، وإلى تجديد الكثير من التجهيزات والمعدات في مصانع القطاع العام؟

يجب أن تخضع جميع الشركات المحلية والأجنبية للقانون، وعليها أن تدفع الضرائب والرسوم للخزينة ولم يكن، ولم يعد مقبولاًَ محاباتها.

الضرائب على المشتقات النفطية

تصل حصة الضرائب في العديد من الدول الرأسمالية إلى نسب عالية من سعر بيع المشتقات النفطية, وتختلف من بلد لآخر، ومن نوع من المشتقات النفطية لآخر، وتبعاً لنوع استخدامه..

ويتبين لنا من القراءة في (Intenational Energy  Agency 2007 /2 /22 ) أن نسب هذه الضرائب التي تضاف إلى أسعار المشتقات النفطية تختلف اختلافاً بيناً من دولة لأخرى، ومن مادة لأخرى حسب استخدامها, انطلاقاً من منظومة الأسعار والسياسة الضريبية لكل اقتصاد على حدة. فعلى الرغم من أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلا أن ثمة تبايناً واضحاً في سياسات كل منها انطلاقاً من ظروفها الخاصة، ففي إيطاليا تصل الضريبة على المازوت المعد للتدفئة 3,74 ضعفاً لمثيلتها في فرنسا مثلاً، حيث تصل في فرنسا إلى 0,155 يورو/لتر، وفي إيطاليا إلى 0,583 يورو/لتر. إذاً، لا يوجد سعر عالمي موحد.. فرضت معظم الدول الغربية المستوردة للنفط ضرائب على المشتقات النفطية, تستطيع رفعها أو خفضها حسب حاجة الاقتصاد, وتستطيع عندما تريد تحييد أسعار النفط الخام وتفادي تقلباتها الظرفية.

كما نلاحظ أن الضرائب على المشتقات النفطية في الولايات المتحدة الأمريكية أقل بكثير من مثيلاتها في دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى، حتى أنها لا تفرض ضرائب على المازوت المعد للتدفئة.

إن رفع سعر المازوت بنسبة تجاوزت 350 % خطأ كبير يجب التراجع عنه، لأن هذا أجج التضخم المرتفع أصلاً، وأضعف القدرة التنافسية لمصانعنا في القطاع العام والخاص والمشترك، وحمّل المواطن أعباء إضافية على كاهله المثقل بالأعباء.

على الحكومة عوضاً عن ذلك، أن ترفع الأجور بشكل كبير, لأن هذا سرعان ما سيرفع إنتاجية العمل بصورة متزايدة، ما سيجعل المواطن المنتج يعيش بأمن من مخاطر ارتفاع الأسعار، ويصبح أكثر قدرة على مواجهة الخطوب والعدوان الذي يتهدد وطننا كل يوم.

آخر تعديل على الأربعاء, 17 آب/أغسطس 2016 01:42