هل المصرفيين أفضل من الصرافين؟!

هل المصرفيين أفضل من الصرافين؟!

حل أزمة سعر الصرف.. تحقيق تحسن كبير في قيمة الليرة واستقرار أسعار الصرف، وجملة نتائج إيجابية يتم تداولها في التسويق (لوصفة المصرف المركزي) بنقل عمليات التدخل في سوق الصرف من شركات الصرافة إلى المصارف! في حملة تهليل وترحيب تسوقها الأوساط التجارية والأكاديميين وصولاً للقائمين على السياسة النقدية..

فما هي الأدوات السحرية التي يحتويها القرار لحل مجموع هذه المشكلات التي عجزت السياسات الحكومية خلال سنوات الأزمة عن إنجازها؟!..

أصدر مجلس النقد والتسليف القرار رقم 1409 بتاريخ 24\7\2016 الذي ينص على السماح للمصارف المرخصة بتمويل العمليات التجارية وغير التجارية بالقطع الأجنبي، وذلك من خلال مراكز القطع لديها،  المكونة من الحوالات الخارجية وشراء القطع من الأفراد وشركات الصرافة وغيرها من المؤسسات المالية، بالإضافة لاستعداد المركزي  للتدخل من خلال تمويل احتياجات المصارف كلها من القطع الأجنبي. حيث يسمح القرار للمصارف بالاحتفاظ بمراكز قطع بنسبة 1% من مجموع الأموال الخاصة المحددة.

ما الذي قد يغيره هذا الإجراء؟! 

يعتبر البعض بأن حصر السوق الرسمية للعملات الأجنبية بشركات ومؤسسات الصرافة، هو واحدة من أسوأ إجراءات إدارة المصرف المركزي السابقة، ووسيط غير ضروري، وبوابة للسوق السوداء، ومجمل هذا يصح على جزء هام من هذه المكاتب والشركات. ولكن كيف تساهم شركات ومكاتب الصرافة، باضطراب سعر الصرف؟!

المسألة تتعلق بحصولها على القطع الأجنبي بالسعر الرسمي، وبيعها للمواطنين، بسعر أعلى من السعر المحدد للبيع، أو بيعها بسعر السوق السوداء، أو تزوير بيانات استيراد للحصول على تمويل بالدولار لصالح قوى السوق وغيرها..

ولكن علينا أن نسأل، هل هذا السلوك يتعلق (بأخلاقيات أصحاب مكاتب وشركات الصرافة)؟! وهل هناك ما يضمن بأن أخلاقيات القائمين على المصارف الخاصة على سبيل المثال أفضل.!

إن وجود طلب عالي على الدولار، وتقلبات في سعره، وعدة أسعار رسمية بفوارق ذات قيمة، وسعر سوق بعيد عن السعر الرسمي، مع استمرار عملية الضخ من المركزي للسوق، سواء لتمويل المستوردات أو للبيع المباشر.. مجمل هذا يحفز الحلقات الوسيطة لتقوم بتحصيل ربح يفوق ما تحدده لها الجهات الرسمية التي تكلفها بالتعامل مع السوق..

قد تكون تعاملات المصارف تتسم بمستوى وضوح، وإمكانيات ضبط أعلى، إلا أن تغيير قناة الوساطة، لا يغير من طبيعة الأمر شيئاً.

هل المصارف بريئة من المضاربة؟

إن سلوك مكاتب الصرافة ناجم عن اتساع النشاط المضاربي لأصحاب قوى المال، وهو النشاط الذي ينشأ حكماً عندما يدخل الاقتصاد في أزمة، فيصبح الربح المضاربي السريع، هو ملجأ لأصحاب الأموال والسيولة.

وبيانات المصارف لا تدل على أنها كانت خارج لعبة المضاربة، حيث أن مراكز القطع الأجنبي التي سمح بتكوينها في مرحلة سابقة، وسمح بتداولها وتعويضها خلال فترة سنة، كانت تعني أن المصارف قادرة على بيع وشراء احتياطي القطع الأجنبي الذي تشكله، شريطة أن يعاد تشكيله في نهاية العام، وقد يكون هذا ما يفسر أن المصارف مستمرة دون أن تقوم بأي نشاط إقراضي فعّال، أي دون أن تقوم بنشاطها الرئيسي، بعد أن تم إيقاف الإقراض منذ عام 2012.. حيث حققت  المصارف الخاصة 92 مليار ل.س أرباحاً من تغير أسعار الصرف خلال عام 2015، وتشكل هذه الأرباح أكثر من 95% من أرباحها.

ما فائدة توسيع سوق الوساطة؟

وفق حاكم المصرف (إن جوهر القرار هو توسيع مروحة تمويل المستوردات عن طريق المصارف العاملة في سورية وضبط استقرار سعر الصرف عند مستويات توازنية مقبولة)، أما مفوض الحكومة لدى المصارف أشار إلى أن: (إجمالي قيمة إجازات الاستيراد الممولة يومياً في تصاعد مستمر بعد صدور القرار ويفوق ما تم تمويله في فترات سابقة، وفي حال زيادة الطلب على المستوردات يمكن زيادة نسبة الـ 1% المسموح بها للمصارف لتغطية عمليات التمويل إلى 2-3% من خلال المركزي وفقاً للقرار).

وهو ما يدل على أن المسببات الجوهرية لنشوء النشاط المضاربي، لم يتم التطرق إليها، فعملية توسيع ضخ الدولار في السوق، وتوسيع إطار تداوله والتعامل به، كأن يسمح للمصارف بالشراء من الأشخاص، والمؤسسات المالية والمصارف الأخرى، والإشارة بإتاحة توسيع قدرات الشراء سيؤدي عملياً، إلى توسع سوق وساطة الدولار وبالتالي يسهل الحصول عليه، ويجعل تداوله أوسع..

عوضاً عن تحفيز المصارف لاستخدام مواردها، باتجاه تحفيز الطلب على الليرة، أي باتجاه إقراض المنتجين والمستهلكين المحليين، يتم توجيه المصارف إلى عملية تحصيل عوائدها، من الوساطة في تداول العملات الأجنبية.. وإن كانت المصارف أكثر قابلية للضبط والمراقبة، بالقياس إلى شركات ومكاتب الصرافة، إلا أن الجزء الأهم من تسيب عملية الضبط هو في إجراءات متابعة مسار القطع الأجنبي المنتقل من المركزي للسوق، وهي مسؤولية مصرف سورية المركزي، وجهات حكومية أخرى كوزراة الاقتصاد والجمارك في حالة متابعة مصير أموال تمويل المستوردات..