الدواجن في سورية: (بتطير وبتعلي)! والقطاع مهدد بوجوده..

يتضح في قطاع تربية الدواجن كما لا يتضح في غيره، كيف تدفع السوق قطاعات إنتاجية كاملة إلى التدهور بمنتجيها كلهم مقابل (هبشات ربح) كبرى لقلة قليلة، فيربح هؤلاء ويتدهور القطاع الإنتاجي ومنتجوه وينسحب التأثير على قدرات استهلاك السوريين المتهالكة..

 

 

ارتفعت أسعار الدواجن إلى 1250 ليرة للكغ من أرض المدجنة في نهاية حزيران 2016، وسعر الذروة هذا يأتي بعد 4 أشهر من ذروة انخفاض السعر التي تم تسجيلها في شباط، عندما كانت تكلفة المزارع 525 ليرة للكغ، وسعر البيع من المدجنة 450 ليرة، وخسر المزارعون 75 ليرة في الكغ، وقرابة 750 ألف ليرة في الفوج!..

10% من المربين فقط!

النتيجة الطبيعية للخسائر الكبيرة في بداية العام الحالي هي تراجع أعداد المربين، وبالتالي كميات الإنتاج المحلي، وهذا التراجع هو المحدد الأساسي في ارتفاع السعر هذه الفترة، حيث يقدر المختصون من العاملين في القطاع بأن الإنتاج هو 10% فقط من المستويات السابقة، كما يظهر من حجم الطلب على الأدوية والعلف واللقاحات، بعد أن كان القطاع قد شهد انتكاسة في بداية الأزمة ثم عاد للاستقرار نسبياً، إلا أن تربية الدواجن قد نالت في هذا العام 2016 من الضربات ما لم تنله في غيره من أعوام الأزمة.

الاستيراد يبتلع الإنتاج

العلف المستورد لقطاع الدواجن، هو أهم مشاكل المزارعين، وأهم عناصر تغير التكلفة، وعدم استقرار المهنة، فالعلف يشكل قرابة 80% من تكلفة الكغ، ولم تستطع السياسة الاقتصادية أن تجترح بعد سنوات من الخسارات، طريقة تستطيع من خلالها أن تؤمن عنصر التكلفة الرئيسية ليستمر هذا القطاع الحيوي، الذي يشكل واحداً من صمامات الأمان القليلة المتبقية لتأمين غذاء رئيسي بإنتاج محلي!

فالسياسات الاقتصادية اعتمدت في (دعمها) للقطاع على تمويل مستوردات التجار من الذرة الصفراء، وكسبة الصويا وهي الأعلاف المستخدمة في تغذية الدواجن، بذريعة أن تمويل مستوردات التجار بالقطع الأجنبي تؤمن استقراراً في السعر وعدم تقلبه بحدة مع تقلبات السوق السوداء.

لم تفلح هذه الطريقة بطبيعة الحال، واستمر التسعير على سعر السوق السوداء، بل وكانت دائماً ارتفاعات أسعار الأعلاف أعلى من ارتفاعات أسعار صرف الدولار، حيث في بداية العام الحالي، كانت نسبة ارتفاع العلف 720%، بينما كانت نسبة ارتفاع سعر الصرف في السوق 680%، بين عام 2011 وبداية 2016، أي أن سياسة التمويل بالقطع فشلت في ضبط سعر المستوردات وجعل تغيّره أقل من تغيّر سعر الصرف، أو وفق التغيرات للسعر الرسمي!

46% ارتفاع العلف خلال 4أشهر

يضاف إلى ذك أن أسعار الأعلاف محلياً كانت دائماً أعلى من الأسعار العالمية، وفي آخر حسبة لها في شهر 2-2016، كانت الذًرة محلياً أعلى من السعر العالمي بنسبة 66%، والكسبة أعلى بنسبة 17%، أي أن قلة المستوردين كانت تتيح رفع هامش الربح عن الأسعار العالمية.

وقد وصلت أسعار أعلاف الدواجن في الشهر الحالي 6-2016 إلى وسطي 230 ليرة للكغ، بنسبة ارتفاع 46% عن وسطي السعر في شهر 2-2016، عندما كان سعر الكغ الوسطي 160 ليرة. ومقابل هذا الارتفاع فإن سعر الصرف خلال الفترتين ارتفع بنسبة 24% فقط..

وعملياً تحولت عمليات استيراد الأعلاف إلى واحدة من التجارات عالية الربح في سورية خلال الأزمة، حيث إضافة إلى الربح الاعتيادي برفع السعر عن السعر العالمي، يربح المستوردون من (الدعم الحكومي) بالقطع الأجنبي، حيث بقي المستوردون يسعرون بسعر السوق السوداء، ويحصلون على القطع الأجنبي بالسعر الرسمي، وأضيفت إلى أرباحهم أرباح أخرى من الفارق بين السعرين.

القرارات قلّصت المستوردين وأطلقت ربحهم

لا يمكن القول بأن السياسات الاقتصادية في المرحلة الحالية، والقرارات التي تنجم عنها، غير داعمة لقطاع الدواجن، ولا يمكن القول حتى بأنها محايدة في التأثير على إنتاج الفروج والبيض محلياً، بل متابعة سير القرارات يشير إلى أن السياسات فاعلة وبقوة في إعاقة استمرار الإنتاج المحلي، فعدا عن استخدام القطع الأجنبي في تمويل المستوردين مع اتضاح عدم الجدوى، فإن القرارات الاقتصادية (وجهت ضربات) متتالية للمنتجين الزراعيين في الدواجن أكثر من غيرها: فعندما عدلت التعرفة الجمركية، تم رفع ضريبة استيراد الأعلاف من 1% إلى 5%، ومع رسم الإنفاق الاستهلاكي أصبحت التكلفة 8%، ليؤدي هذا إلى رفع المستوردين للسعر، لتحصيل ضريبتهم من المنتجين والمستهلكين.

إضافة إلى ذلك يأتي القرار 703 الصادر في النصف الثاني من العام الماضي عن وزارة الاقتصاد، والذي لا ينفك المربون يذكرونه في حديثهم عن ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث فرض القرار الشهير على المستوردين وضع مبالغ مؤونة كبيرة قبل التمويل بالقطع الأجنبي، بغية تثبيت سعر القطع، وكانت النتيجة الوحيدة على قطاع الدواجن كما غيره، بأن انحصرت عمليات الاستيراد في قلة قليلة من التجار ممن يستطيعون أن يضعوا مبلغاً يعادل نصف تكاليف استيراد الذرة الصفراء كمؤونة، ومبلغاً يعادل 100% من تكاليف استيراد فول الصويا، وأصبح هؤلاء يحملون المنتجين تكاليف تجميد أموالهم لحين إتمام عملية الاستيراد.

فالقرارات التي لا تتعامل مع الإنتاج المحلي، بل تحصر اهتمامها في متابعة شؤون المستوردين، تتجاهل كلياً أن كل تكلفة إضافية يدفعها هؤلاء، تتيح لهم أن يزيدوا هامش السعر والربح في السوق المحلية، وتحديداً مع تقلص عددهم، حيث لم يتبقّ في سورية سوى تاجرين يقومان بعمليات الاستيراد، والتجفيف والتجهيز البسيط للأعلاف، كما أشار الاتحاد العام للفلاحين.

القرارات الاقتصادية التي صدرت بخصوص (ضبط الاستيراد)، أدت عملياً إلى نتيجة واحدة: تقليص حاد لأعداد المستوردين، وحصر استيراد الأساسيات في (قلة منتقاة) من أصحاب القدرات المالية العالية، وهذا الحصر يتيح لهم أرباحاً استثنائيةً وأسعاراً احتكاريةً، ويربط مصير قطاعات كاملة بنشاط هؤلاء!.

التهريب يستفيد 

من ارتفاع التكلفة

نوع آخر من الاستيراد يواجه المنتجين المحلين، وهو الاستيراد غير الشرعي، أي تهريب الفروج المجمد من تركيا بالدرجة الأولى، وهي ظاهرة مرتبطة بالأزمة، بعد أن أصبحت التكاليف المحلية أعلى بكثير من كلف تركيا. حيث يشير المربون بأن مدينة حماة تعتبر مركزاً لتجميع هذه المنتجات المهربة عبر الحدود، والتي يوزع منها إلى أنحاء البلاد كافة وجزء هام منها غير صالح للاستهلاك، وفي جولة واحدة لمحافظ حماة تم الكشف عن طن ومئة كغ من الفروج المبرد في مدينة حماة، غير صالحة للاستهلاك..

إن عمليات التهريب هذه تنشط بشكل كبير، لتشكل ضغطاً عالياً على المنتجين المحليين، بسبب تكاليفها المنخفضة والناجمة عن الزراعة المحلية للمنتجات العلفية وتصنيعها، بالإضافة إلى تقنيات التربية ومعدات المداجن الأعلى، وأخيراً هذه المواد المهربة تدخل دون جمارك، أو ضرائب إنفاق استهلاكي، وتنافس الإنتاج المحلي..

الـ 10% المتبقية من الإنتاج 

إما دعم أو زوال

ما تبقى من منتجي دواجن في سورية يواجهون سياسات اقتصادية داعمة للتجارة غير الشرعية بأشكالها، سواء الاحتكار التجاري الذي يرهن مصيرهم لدولار السوق السوداء ولمصلحة قلة أصبحت اليوم شخصين أو ثلاثة في القطاع، أو فوضى التهريب التي تدعم مقولة الليبرالية القائلة بإيقاف الإنتاج المحلي لعدم جدواه، واعتماد استيراد الفروج من الخارج بعد أن أصبحت (التكلفة أقل)!..

أما حلول أزمة القطاع فعديدة ولكنها بجوهرها قائمة على إلغاء أرباح استيراد العلف الاحتكارية، بل ودعم أسعار العلف، ودون خطوة قائمة على تخصيص إنفاق عام لتمويل مباشر لأعلاف الدواجن لتخفيض سعرها، لن يستقر القطاع، وسيتوقف الـ 10% المتبقيين عن التربية ويصبح استيراد المبرد أمراً واقعاً بل وضرورة!