سحب النجاح.. من (فم السبع)! معمل الكابلات نموذجا!..

سحب النجاح.. من (فم السبع)! معمل الكابلات نموذجا!..

بين الخسائر والأرقام السالبة ونسب التنفيذ التي لا تتعدى الـ 10% للأغلبية العظمى من معامل القطاع العام الصناعي، تبرز نتائج شركة كابلات دمشق محققة نسب تنفيذ 174% من خطة البيع لعام 2015،  (قاسيون) ترصد أرقام ووقائع من عمل الشركة التي تقدم نموذجاً يضحض المقولة  المكررة: (بأن الملكية العامة للصناعة تنتج فساداً وخسائر!).

نفذ القطاع العام الصناعي نسبة 1% من خطته في النصف الأول من هذا العام، وهذا بعد أن خصصت الحكومة لنفقات الصناعة التحويلية إجمالاً 3 مليار ليرة في موازنة عام 2015.

يعمل القطاع العام الصناعي تحت رحى الحرب التي تعيق تأمين المستلزمات وتعيق الإنتاج بانقطاعات الكهرباء، وتقلص من العمالة والتزويد بالكوادر المطلوبة، مجمل هذه الظروف تفاقم العوامل والسياسات التي أدت وتؤدي إلى استمرار غرق معامل القطاع الصناعي بالخسائر واحدة تلو الأخرى دون أي انتشال منذ 15 عاماً على الأقل..


83% من الإنتاج 171% من المبيعات

لغاية 30- 11-2015 أنتج معمل الكابلات 5369 طناً من أنواع منتجاته الـ 8 المختلفة، قيمتها 10,3 مليار ليرة، بفارق قليل نسبياً عن خطة بداية العام التي وضعت هدفاً 6054 طناً قيمتها المقدرة في حينه 5,9 مليار ليرة، أي أن معدلات التنفيذ بلغت 83% بالكمية، و174% بالقيمة.
أما بالنسبة لخطة المبيعات فكان المخطط بيع 6457 طناً بسعر 5,93 مليار ليرة، وتم بيع 5049 طناً من الإنتاج بمقدار 10,12 مليار بمعدلات تنفيذ 78% من كمية البيع، و171% من قيمة المبيعات. وذلك بحسب تصريحات مدير معمل الكابلات محمد بكر للإعلام المحلي.


الطن من 920 ألف إلى 2 مليون ليرة

تعود نسب المبيعات العالية إلى رفع أسعار المنتجات، القائمة على ارتفاع الكلف بشكل كبير على المعمل، فعلى الرغم من انخفاض الأسعار العالمية لمستلزم الإنتاج الرئيسي وهو النحاس بنسبة  28% (من 6,7 $ كغ في 11-2014، إلى 4,8 $ كغ في 11-2015)، إلا أن تراجع قيمة الليرة أمام الدولار بمقدار -72% كان عاملاً حاسماً في ارتفاع كلفة النحاس المستورد بالكامل. (ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة من 198 ل.س/$ وفق النشرة  الأولى للمركزي في عام 2015، لأسعار مكاتب الصرافة، إلى 342 ل.س/$ بتاريخ 16-12-2015).
حيث أن سعر مبيع الطن من الكابلات في بداية العام المقدر وفق الخطة هو قرابة 920 ألف ل.س، بينما سعر مبيع الطن الفعلي في نهاية العام هو 2 مليون ليرة سورية تقريباً بنسبة ارتفاع 171%.


الكهرباء زبون رئيسي و(عبء) كبير

وزارة الكهرباء هي (الزبون) الرئيسي لمنتجات معمل كابلات النحاس، يليها وزارة الدفاع، ثم جهات عامة أخرى مثل الاتصالات وغيرها، بالإضافة إلى التسويق للسوق، حيث تنتج الشركة  الأسلاك الكهربائية للتمديدات المنزلية.
المفارقة أن الزبون الرئيسي لمنتجات الشركة، يشكل أحد أهم عوائق عملها، فعدم وصول الكهرباء بشكل مستمر، والانقطاعات المتتالية وعدم انتظام التوتر الواصل، يؤدي إلى تقطع في وتيرة العمل، التي تؤثر على أطوال الكابلات التي تطلبها وزارة الكهرباء، كما أن تشغيل المولدات الاحتياطية الأربعة الموجودة لدى المعمل تكلفه سنوياً حوالي 600 ألف ليتر مازوت!، وهي مجتمعة تولد 8 ميغا من أصل 10 يحتاجها المعمل، ولكن لا يمكن بطبيعة الحال تشغيلها مجتمعة أو الاعتماد عليها كلياً!
وبحسب معلومات لقاسيون فإن وزارة الكهرباء تفرض على المعمل (فواتير) بمبالغ مقطوعة ثابتة تقريباً يدفعها المعمل سنوياً، أياً كان وضع الكهرباء ومستوى تزويد الشركة بها، على الرغم من أن ديون الكهرباء على كابلات دمشق تتجاوز 3 مليار ليرة! كما أن الكهرباء تطالب المعمل بمواصفات عالمية، مرتبطة بترقيم الكابلات على سبيل المثال لا يمكن تحقيقها بظروف انقطاع التيار عن الآلات وفق التقنين الذي لا يستثني حتى المعامل الرابحة!.
يضاف إلى ذلك أن مديرية كهرباء ريف دمشق، اقترحت على المعمل مع بدايات الأزمة تزويده بخط ساخن من محطة توليد الميدان، يؤمن استمرار الكهرباء دون تقنين أو تقطع، وبعد أن تم دفع 18 مليون ليرة نقداً، وفق شرط الكهرباء تم توصيل الخط، ولكن الكهرباء المستمرة لم تصل حتى اليوم!.

الشركة تحتاج 100 عامل إنتاجي!
يبلغ نقص الكادر العمالي في المعمل حوالي 100 عامل إنتاجي، لا يستطيع تأمينها نتيجة سياسة توقف التعيين في القطاع العام الصناعي منذ التسعينيات، ولم تستطع عقود تشغيل الشباب أن تغطي النقص، وتحديداً بعد أن حولتها رئاسة مجلس الوزراء إلى نظام عقود 3 أشهر، تؤدي إلى تزويد المعمل بعمالة غير مستقرة، ولا تستطيع الإنجاز والارتباط جدياً بالمعمل خلال هذا الوقت القصير، لتكون عمالة شكلية (لا تقدم ولا تؤخر)!، تحديداً مع المحسوبيات في تعيين أغلب هؤلاء المتعاقدين!.
تم تزويد المعمل بعمال من الشركات الصناعية المتوقفة عن العمل، إلا أن هذه السياسة الحكومية المتبعة لتخفيف التكاليف، وتشغيل العمال المدفوعة أجورهم، لم تجدِ نفعاً في الكابلات كما في غيره من المعامل التي لا تزال قيد العمل، فوسطي أعمار عمال القطاع العام الصناعي كبير، ولا يستطيع عامل خمسيني عمل عقوداً في النسيج على سبيل المثال، أن يعمل بشكل فعال في عمل من نوع جديد وعلى آلات مشغلة الكترونياً بشكل شبه كامل في معمل الكابلات!.
تعتبر سياسة التعيين وصلاحيات الإدارة المحدودة في مسألة تأمين حاجاتها من الكوادر والخبرات، من أهم العوائق في وجه المعمل، حيث أن وسطي أعمار عماله 45-48 سنة، 30% منهم أعمارهم تزيد عن 55 عاماً، و30% من العمالة القديمة من غير المتعلمين!.
ورغم هذا فإن المعمل بعماله الـ 400 حالياً يعمل ثلاث ورديات وينفذ خطته الإنتاجية بنسب مرتفعة..


الموقع المتقدم.. يتيح تحصيل الحقوق

ققت الشركة أرباحاً بمقدار 1.1 مليار ل.س خلال 11 شهراً من عام 2015، وهذه النتائج تتيح  للكابلات سيولة وملاءة مالية تعطيها مرونة عمل غير محققة في الشركات الصناعية العامة الأخرى، وتحررها من ضعف التمويل الحكومي المتمثل بالإنفاق الاستثماري الضعيف على القطاع العام الصناعي.
حيث تلعب المبادرة الإدارية العالية دوراً هاماً في هذه العملية، تتيح تجاوز مشاكل تأمين المستلزمات، والإعاقات والتأخير الناتج عن تأمين عقود تأمين المستلزمات التي تنتظر تمويل الجهات العامة فالسيولة المرتفعة للشركة تتيح لها التعاقد لتأمين مستلزماتها بسرعة، مستفيدة للحد الأقصى من قانون العقود رقم 51، ومتجاوزة الحدود التي يضعها في التعاقد.
حيث استطاعت الشركة أن تؤمن مستلزماتها المستوردة رغم الصعوبات المصرفية الناتجة عن العقوبات، عبر التعامل مع مصارف خاصة سورية، كما أنها لا تجد صعوبات في تأمين مخصصات من القطع الأجنبي، بسبب الإنتاجية العالية والعوائد المتوقعة من القطع المستخدم.
مرت الكابلات بمرحلة مؤقتة انخفضت فيها نسب التنفيذ إلى 5% في عام 2011، إلا أنها عادت إلى نسب التنفيذ العالية خلال الأزمة بعد تغيير إداري فيها، أتاح تفعيل طاقاتها، حيث أن أهمية المنتج، وتوفر استقرار نسبي في تصريف المنتجات لدى جهاز الدولة أو في السوق بالإضافة إلى السيولة المتراكمة تتيح جميعها نقاط قوة، تستثمرها بشكل جيد إدارة المعمل، متجاوزة العوائق التي تقف في وجه المنشآت الصناعية العامة الأخرى، وتمنعها من تجاوز الخسائر، بغياب الدعم الحكومي، والمشروع الجدي للتجاوز!.
حيث تحرص الكابلات على توفير مخزون من مستلزمات الإنتاج، من النحاس والألمنيوم يكفيها لستة أشهر تقريباً، وتحرص على عدم إيقاف الآلات القديمة عن العمل، بناء على وعود استبدالها بالجديدة، بل تستمر بالعمل حتى تشغيل الآلات الجديدة، تجنباً للخطأ الذي وقعت به منشآت صناعية عامة أخرى، كالزجاج، وحديد حماة، التي أوقفت القديم، ولم تحصل على الجديد وكانت النتيجة توقفها عن العمل، أدخلت الكابلات آلة جديدة في العام الحالي إنتاجيتها 3 طن، تعمل إلى جانب الآلات القديمة التي تبلغ إنتاجيتها 200 كيلو فقط!.
استطاعت الكابلات أن تثبت بأن القطاع العام قادر ليس فقط على المنافسة بل وعلى التحكم بالسوق، حيث إنه على الرغم من وجود منافسين أقوياء في صناعة الكابلات في السوق السورية قبل الأزمة، إلا أن الشركة استطاعت أن تتجاوز المنافسة لتحدد السعر في السوق وتتحكم به..

تجربة معمل كابلات دمشق تثبت قدرة الملكية العامة للصناعة على التطور وتلبية حاجات هامة، وتنفي التهمة المتكررة بأن (القطاع العام مصيره الخسارة) فإن الانتقال بالمعمل من الإنتاج والربح، إلى مستوى أعلى من الإنتاج عبر توسيع إمكانياته لإنتاج كابلات التوتر العالي، وكافة الأنواع غير المنتجة حالياً هو ضرورة تتطلب تخصيص إنفاق حكومي واستثمار أعلى، وتتطلب التفكير بمصادر تأمين المادة الأولية بأرخص الكلف، ودون وكلاء وعمولات، وإتاحة تزويد الشركة بالكوارد الشابة المطلوبة، وتجاوز سياسة (التقشف في العمالة) في القطاع العام الصناعي، والأهم أنها  يجب أن تشكل رافعة لانتشال منشآت القطاع العام الأخرى التي تمتلك القدرة على الانتقال من التوقف إلى الإنتاج، ومن الخسارة إلى الربح، عوضاً عن استجداء القطاع الخاص لتشغيلها، بداعي (التشاركية)!.

 

10,1 مليار مبيعات
بلغت مبيعات شركة الكابلات 10,1 مليار ل.س هذا العام، بوسطي سعر بيع للطن 2 مليون ل.س، وبارتفاع 171% عن سعر الطن المخطط بداية العام 920 ألف ل.س تقريباً.

1,1 مليار أرباح
بلغت أرباح شركة الكابلات 1,1 مليار ل.س في 2015، وهو معادل لأرباح العام الماضي تقريباً، حيث أن نسبة الربح إلى المبيعات ثابتة تقريباً بعدل 10%، أي أن كتلة التكاليف السنوية تبلغ: 9 مليار ل.س تقريباً!.

374 مليون أجور
تبلغ كتلة الأجور الشهرية لعمال الكابلات 22 مليون ل.س بين الرواتب والحوافز والتعويضات، أي حوالي 264 مليون سنوياً، يضاف إليها حصة العمال من الأرباح السنوية 10%: 110 مليون ل.س، لتكون كتلة الأجور السنوية 374 مليون ل.س.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 كانون1/ديسمبر 2015 16:33