خمس الدخل الوطني للأجور..  ثلث الضرائب منها!

خمس الدخل الوطني للأجور.. ثلث الضرائب منها!

 يستطيع المرء أن يستخرج من أرقام الموازنة الحكومية الكثير من التفاصيل التي تشي بوضوح بـ (الهوى الحكومي) أي توضح موقف السياسات الاقتصادية ومصلحة من تمثل! هل تمثل أصحاب الدخل القليل، من الأجور تحديداً، ممن لا يملكون سوى قوة عملهم ويحصلون على (الراتب) كدخل في نهاية الشهر، أم أنها تميل لمن يملكون الأموال والاستثمارات ويحصلون على الأرباح من تشغيل قوة عمل الآخرين؟!


 إذا ما أخذنا توقعات الحكومة لحصيلة الضرائب على الأرباح والأجور، كمؤشر نجد أن ضريبة الأرباح التي تريد الحكومة تحصيلها تبلغ 57 مليار ليرة فقط، بينما ضريبة الأجور ستبلغ 25 مليار ليرة، من المفترض أن نتساءل: كيف تحصل الحكومة على ثلث عائدات ضرائب دخل الأجور والأرباح من أصحاب الاجور، بينما هم يحصلون على خمس الدخل الوطني فقط ؟!
  من الربع إلى الخمس أو أقل؟!
 توزع الدخل الوطني في سورية في المرحلة التي سبقت الأزمة، بمقدار ربع لأصحاب الأجور، مقابل ثلاثة أرباع لأصحاب الربح بمستوياتهم، وكانت النسبة الشهيرة: أجور/أرباح- 25/75% هي النسبة المقاسة أكاديمياً، وبناء على أرقام الحكومة وبياناتها المعلنة.
في ذلك الحين لم تكن قيمة الليرة قد انخفضت إلى الحد الحالي، مخفضة معها القيمة الحقيقية للأجور أي قدرتها على الشراء، ولم تكن مستويات البطالة كما هي الآن، وكانت كتلة الدعم الحكومي لا تزال مساهماً في زيادة الأجور وإعادة التوزيع لمصلحتها ولو بحدود منخفضة..
 أما بعد الأزمة، وتدهور قيمة الليرة، وزوال الدعم الحكومي، وتحرير الأسعار بشكل شبه كامل، فإن الأجور أصبحت تخسر من قيمتها الحقيقية نسبة كبيرة لمصلحة الأرباح، ما أدى ويؤدي بشكل مستمر إلى زيادة الفجوة في هذه النسبة، التي لم تعد قابلة للقياس الدقيق، بسبب إخفاء الإحصاءات الحكومية! إلا أن حسبة أولية (لقاسيون) في عام 2012 قدرت تجاوز النسبة لحدود 20/80%- أجور/أرباح. أي أن أصحاب الأجر أصبحوا يحصلون على خمس الدخل الوطني، بينما يحصل أصحاب الربح على أربعة أخماس!..
43% تهرب ضريبي (رسمي) !
بناء عليه يجب أن تكون حصيلة الحكومة من ضرائب الأرباح والأجور، منطلقة من هذه النسبة، وأن تحصل على ضرائب بنسبة قريبة، لتكون موافقة على هذا التوزيع وتريد المحافظة عليه، أو أن تحصل على ضرائب أعلى من الأرباح لتعيد توزيعها لأصحاب الأجور، لتعبر بذلك عن انحيازها نسبياً لأصحاب الاجور، أما أن تضع الحكومة هدفاً لنسبة تحصيل ضرائب الأرباح هو أقل من نسبة توزيع الدخل بين الأرباح والأجور، فهذا يعني أن الحكومة تعيد التوزيع لمصلحة الأقوى لتأخذ من الأجور، وتبقي للأرباح!؟ فيما يمكن أن نسميه تهرباً ضريبياً (رسمياً)!
  وبالانطلاق من توزيع الدخل الوطني في سورية خلال الأزمة بين 20% للأجور، و 80% للأرباح، وباعتبار أن تقديرات ضرائب الأجور أقرب للدقة من تقديرات ضريبة الأرباح، نستطيع أن نقدر حجم التهرب الضريبي (الرسمي)!.
  حيث الحصيلة الحكومية المتوقعة من ضرائب الأجور والرواتب في 2016: 25 مليار ل.س، وبناء على طريقة توزيع الدخل، يجب أن تحصل الحكومة على 4 أضعافها على الأقل، أي على 100 مليار ل.س من ضرائب الأرباح، بينما الحكومة تضع رقماً متواضعاً لحصيلة ضريبة الأرباح المتوقعة في عام 2016 وهو 57 مليار ل.س، أي بفارق 43 مليار ل.س ضرائب أرباح (معفاة)!..
ما نسميه الآن مجازاً بالتهرب الضريبي (الرسمي)، هو طريقة إحصائية مبسطة للدلالة على عدم سعي أصحاب القرار إلى إعادة التوزيع لمصلحة الأجور، بل سعيهم لتوسيع التحصيل منهم، وهذا يقابله في الظرف الحالي (ترك) أرباح الكبار وهي بأغلبها غير مشروعة في ظروف الحرب لتزداد وتتوسع.

 فساد الليبرالية.. وغياب (الحسم)!
لا يخفى على واضعي السياسات أن دخل أصحاب الأرباح والكبيرة منها تحديداً، أصبح يشكل النسبة الأكبر من الدخل الوطني، إلا أن الذريعة الحكومية هي توقف المشاريع والإنتاج وصعوبات التحصيل خلال الحرب! ظروف الأزمة ذاتها تخلق الفرصة المناسبة لتوسع كبير في الربح غير المشروع، من المضاربة على قيمة الليرة، إلى احتكار السلع، إلى السوق السوداء لكافة المواد الرئيسية، وصولاً إلى طرق نهب المال العام المتنوعة والمتوسعة، ومختلف الوسائل الأخرى حتى أكثرها عنفاً..
 الجور في التحصيل الضريبي على أصحاب الأجور، ولمصلحة أصحاب الربح، هو مثال بسيط، بينما أبلغ تعبير عن فساد السياسة الليبرالية، هو عدم وضع سياسة اقتصادية تستهدف الربح عموماً وغير المشروع تحديداً، تستهدف الفساد، و(المافيات) وسماسرة الأزمات، وكبار المحتكرين، للسحب من مواردهم المسروقة واستعادته لمصلحة المال العام مقابل اعتماد سياسة تستسهل التحصيل من أصحاب الاجر، وحتى من صغار أصحاب الربح، أو المنتجين منهم!.
(الحسم) كسياسة وشعار لا ينسحب على أصحاب الربح الكبير غير الشرعي بأغلبه في ظروف الحرب، بل تبدو (حرية) الليبرالية الاقتصادية، في ترك لنشاطهم الاقتصادي لينهش ما تبقى من اقتصاد البلاد وقدرات سكانها.

 

يجب أن يتضاعف تحصيل ضرائب الأرباح على الأقل، أو أن ينخفض التحصيل  من ضرائب الأجور إلى النصف! لتكون الحكومة لا تعيد التوزيع عبر الضرائب لمصلحة الأرباح..

آخر تعديل على الأحد, 22 تشرين2/نوفمبر 2015 14:33