الشعب بانتظار المازوت..  والحكومة تنهي أسطورة الدعم!

الشعب بانتظار المازوت.. والحكومة تنهي أسطورة الدعم!

في منتصف آب الماضي تقريباً رفعت الحكومة سعر المازوت من 125 إلى 130 ليرة، واليوم وبعد حوالي الشهرين بتاريخ 8/10/2015، رفعته إلى 135 ليرة سورية. ومن غير المعروف حتى اللحظة فيما إذا كانت ستنهي الحكومة عمليات الرفع المستمرة لسعر المازوت في هذا العام أم لا، وفيما ينتظر السوريون شتاء العام المقبل باستنفار، ترشح لبعضهم كميات قليلة تبيعها الجهات الرسمية لهم وتصلهم بأسعار أعلى من السعر الرسمي بحوالي 5 ليرات!

لم تزدد التكاليف على الحكومة بمستويات عالية، خاصة في ظل إدعاء الحكومة وجود دعم تاريخي للمحروقات يبلغ 338 مليار ليرة لعام 2015، إلا أن الحكومة قابلت الارتفاعات الطفيفة نسبياً برفع أسعار المحروقات على المواطن بنسبة أعلى من زيادة التكلفة عليها ما حولها إلى رابح منه لاغية الدعم عملياً، بدل أن تستغل انخفاض سعر النفط عالمياً، وتتجه لمعالجة مشكلة تدهور سعر الليرة الذي يتركه المركزي والحكومة لتحكم قوى المال في السوق.


من دعم 8 ليرات إلى ربح 27,5 ليرة!

ولتبيان ذلك سنوضح تغيرات السعر الدولي للمازوت مع أخذ تقلبات سعر الصرف الرسمي بعين الاعتبار، سواء سعر الصرف المعتمد في معاملات الحكومة، أو ذلك المعتمد رسمياً في شركات الصرافة، ونقارنها بالسعر العالمي، وسنبدأ بتوضيح تكاليف المازوت وفق احتمال استيراده على أساس سعر التدخل وهو السعر الذي يفترض أن تستورد الحكومة به، والبالغ في نشرة 8/10/2015، 250 ليرة للدولار جدول (1):
ما نلاحظه عملياً أن السعر العالمي للمازوت قد انخفض بمعدل 11% خلال عام 2015، ورغم ارتفاع سعر الدولار الذي أدى إلى رفع التكلفة عملياً على الحكومة بمعدل 22%، وبموازات ذلك رفعت الحكومة سعر مبيعها بمعدل 69%، ما خفض حجم الدعم من 8 ليرة لكل ليتر في أول العام، وحوله إلى ربح يبلغ 27,5 ليرة حالياً، علماً أن هذه الأشهر الثلاث الأخيرة المتبقية من عام 2015 هي أشهر رئيسية في استهلاك المازوت المنزلي للشتاء القادم، وهو ما سيدر أرباحاً كبيرة للحكومة من جيوب المواطنين اللاهثين وراء الدفء.


وهم الدعم المغدور!

وفق سيناريو آخر، وهو المستند إلى أن الحكومة تستورد المازوت وفق سعر الدولار المعطى لشركات الصرافة البالغ في 8/10/2015، 316 ليرة للدولار، وهذا السيناريو فيما لو صح فإنه يضع الحكومة في مطرح تساؤل كبير حول جدوى تمويل مستوردي المازوت وفق هذا السعر، في الوقت الذي يفترض أن تستورد الحكومة وفق سعر المصرف التجاري البالغ 250 ليرة للدولار، وبالتالي فإن بيانات موازنة عام 2015 التي تحدثت عن حجم دعم تاريخي للمحروقات بلغ 338 مليار ليرة فإنها قيد الشك ولتوضيح ذلك تبين الجدول(2):
عملياً لم تتجاوز نسبة دعم المازوت وفق هذا السيناريو أكثر من 12% في أحسن حالاتها خلال العام، والتي ستنخفض إلى 0,4% أي أقل من 1 بالمئة في الربع الأخير من عام 2015 أهم أشهر في استهلاك مازوت التدفئة، ويبقى السؤال الكبير برسم الحكومة هو إذا كانت باقي المواد غير مدعومة، وحجم دعم المازوت من كامل كتلة دعم المحروقات لم تتجاوز الـ12% فأين صرف باقي الدعم، وماذا سيتبقى منه لعام 2016، علماً أنه وفق السعر الآخر بيّنا تبخره إلى أقل من 1%!


ذرائع متتالية لضرب دور الدولة

تضع الحكومة استمرار رفع سعر المازوت في استراتيجية «عقلنة الدعم» التي ترفع عملياً تكاليف المعيشة على المواطنين الذين يعانون الأمرين، وتظل فجوة بين مستوى الأجور ومستوى المعيشة شاسعة في ظل زيادتين يتيمتين لما يحركا ساكناً في إطار ردم الفجوة حيث صار وسطي الأجور 26500، بينما بلغت تقديرات مستوى المعيشة لعائلة واحدة من 5 أشخاص حوالي 172 ألف، ومع ارتفاع سعر المازوت سيزداد تكلفة مستوى المعيشة بما يثبت فكرة المواطن البسيط بأن ما «زادوه سيسترجعونه» وأصلاً هو لا شيء!.
لقد تمت الزيادة الحالية بذريعة الحكومة الرئيسية، القائلة بارتفاع التكاليف عليها، هذه الذريعة التي بيّنا زيفها، والتي تضاف إلى الذرائع السابقة التي كانت تتحدث عن أن رفع سعر المازوت سيخفض التهريب أيام الدردي، والذريعة اللاحقة بأن رفع السعر سيؤدي إلى تأمينه، حيث لا زال الجميع يعاني من شح المازوت في النقل والصناعة والتدفئة، فيما يبقى الهدف المخبأ عملياً هو استمرار التراجع وضرب دور الدولة، وتحويلها إلى متربح على حساب معاناة الناس البسطاء، فيما تلوذ مليارات أصحاب الرساميل عن أعين الحكومة المستمرة بمنحها إعفاءات ضريبية، وهوامش ربح كبيرة مختلفة الأشكال.

هوامش:
تكلفة النقل والتأمين تحسب على أساس 11% من التكلفة.
سعر الصرف وفق نشرة التدخل التي من المفترض أن تستورد الحكومة وفقها على الترتيب وفق الأشهر في الجدول: 181، 226، 250. حيث أن معدل ارتفاع الدولار خلال عام وفق سعر التدخل 38%.
تم افتراض أن حجم استهلاك كامل الحاجات هو 1,7 مليار ليتر المقدر لعام 2014 وهذه الأرباح كما الدعم هي سيناريوهات افتراضية، لكنها توضح نهاية فكرة الدعم عملياً، واحتمالات أرباح العام القادم.
وفقا لأسعار شركات الصرافة في الأشهر المذكورة على الترتيب: 198، 271، 316، حيث أن معدل ارتفاع سعر الدولار وفق شركات الصرافة في عام: 60%.
حجم دعم كامل المحروقات هو 338 مليار ليرة في بيانات 2015 علماً أن المادة الوحيدة التي ظلت مدعومة في عام 2015 وفق مؤشرات كثيرة هو المازوت فقط، بينما صار كل من الفيول والبنزين والغاز مواد مربحة للحكومة.

آخر تعديل على الأحد, 11 تشرين1/أكتوير 2015 23:11