صناعة الاسمنت السوري.. على طاولة النقاش: الطاقة ـ الاستثمار ـ الشراكة

صناعة الاسمنت السوري.. على طاولة النقاش: الطاقة ـ الاستثمار ـ الشراكة

عقدت نقابات العمال مؤتمراً لصناعة الاسمنت بتاريخ 15-8-2015، اجتمعت فيه إدارات الشركات والمعامل العامة التابعة لهذه الصناعة جميعها، وعددها ثمانية: اثنتان منها في حلب توقفتا نهائياً عن العمل، وإحداها في الرستن يحميها عمال الشركة وإدارتها وعائلاتهم، أما معملي طرطوس وعدرا فيعملان جزئياً، ويتم صيانة الخطوط بعقود التشاركية مع شركة فرعون. بينما البورسلان متوقفة تنتظر عروض الشركاء الآن، لتبقى الشركة السورية في حماة لإنتاج الإسمنت مستمرة بالعمل مع توقفات من فترة لأخرى، مرتبطة بحل المشاكل الكبرى: الكهرباء والوقود ورفع الطاقة الإنتاجية..

-50%
تبلغ الطاقة التصميمية لمعامل الاسمنت العامة 10 مليون، بينما تبلغ طاقة الذروة للمعامل العاملة اليوم 5 مليون طن، بتراجع 50%.

76٫5
تبلغ تكلفة صيانة خطوط الإنتاج في عدرا لرفع طاقتها الإنتاجية بنسبة 50-60% مقدار 25 مليون يورو للخط، وبالتالي فإن زيادة إنتاجية 9 خطوط بالنسبة ذاتها، في ثلاثة معامل (عدرا-طرطوس- حماة) 76,5 مليار ل.س.

340 ألف
يتوفر لدى شركة عدرا 340 ألف طن كلينكر،  و 20 ألف إسمنت جاهز، يصعب تسويقها من قبل مؤسسة عمران. في واحدة من مفارقات قطاع الإسمنت السوري تراجع الطاقة الإنتاجية، مقابل صعوبة تسويق المنتج في عدرا وحماة تحديداً.

حضر وزير الصناعة المؤتمر، وافتتحه بمداخلته متنقلاً بين العناوين العريضة: أهمية الإسمنت والتركيز الحكومي عليه، مواده الأولية المتوفرة، التشاركية كحل استثنائي يجب عدم إعاقته، كما دعا لبحث مسائل مثل بدائل الطاقة، وتسويق الإسمنت والعلاقة مع مؤسسة عمران والتعاون بين الشركات، ليغادر بعدها القاعة..
قاسيون التي تابعت  أعمال المؤتمر، تستعرض أهم النقاط المفصلية برأينا في واقع وعمل هذه الشركات، والتي عرضت بالتفاصيل في هذا المؤتمر الذي نتجت عنه لجان تقنية وعمالية مشتركة بين الشركات، لمتابعة التوصيات.


حلول عملية للكهرباء..وجذرية للوقود.!

يعتبر عدم توفر الفيول كوقود رئيسي في معامل الإسمنت، بالإضافة إلى عدم تأمين تغذية كهربائية مستقرة للمعامل، من أهم العوائق للشركات، والسبب الأول للتوقف والتعطل في شركات المناطق الآمنة كحماة وطرطوس، والثاني في المناطق المتوترة نسبياً كشركة عدرا التي تعتمد الغاز المتوقف حالياً أيضاً، والوحدة الاقتصادية في حلب التي عانت من تأخر إيصال الكهرباء إليها.
الملفت أن حلولاً عملية لمسألة التغذية الكهربائية ممكنة، فعلى سبيل المثال سيتم تأمين استقرار نسبي للإنتاج في الخط رقم 2 في معمل حماة بعد تنفيذ خط كهرباء مستقل بين المعمل ومحطة الزارة الكهربائية يحقق تغذية مستمرة، وبتكلفة 18,5 مليون ل.س، ولكن هذا لم يتم إلا في الشهر السابع من عام 2015، وقد ينجز بشكل نهائي خلال الأسبوع القادم بحسب بيانات الشركة للمؤتمر. كان لوضع الكهرباء تأثير كبير على إنتاجية الشركة حيث نفذت 30% من خطتها فقط في هذا العام، وهي التي حققت أرباحاً في عام 2014 وصلت إلى 3 مليار ل.س، وأنجزت 89% من خطتها في العام الماضي، حيث قدرت الشركة إنتاجها المفقود بسبب نقص الإنتاجية والتوقف بمقدار 225 ألف طن.
أما بالنسبة للطاقة، وتحديداً الفيول، فيبدو أن الحكومة لا تتوقع إمكانية تأمينه بسهولة بسبب ارتفاع التكلفة، وقد تم في هذا المؤتمر دعوة المختصين لبحث الفحم الحجري كبديل أقل تكلفة، مقابل التنويه إلى دراسة جدوى تجهيزاته التي ستتطلب (إنفاق أموال)، يقترح مدير المؤسسة أنها قد تكون عبر شريك إذا ما تم التوصل إلى أن الفحم أجدى!
شركات تؤمن مستلزماتها وأخرى تتوقف بسببها!
استطاعت بعض شركات الإسمنت أن تؤمن مستلزماتها وأن تتجاوز العقوبات، وتفتح اعتمادات مستندية من خلال بنوك محلية، كحماة، وحتى عدرا، اللتان أعلنت إدارتيهما أن مسألة تأمين القطع والمستلزمات لم تكن مشكلة جدية أو تم تجاوزها، أما شركات أخرى فإنها تضع عقبة تأمين المستلزمات وقطع التبديل نتيجة العقوبات، كمعرقل رئيسي.
إلا أن الأهم أن تأمين المواد الأولية عبر الوكلاء والتجار والمتعهدين ، أدى إلى وصول معمل البورسلان إلى التوقف، بعد أن أعلن لمرات متتالية عن حاجته للمواد الأولية ولم يتقدم التجار، وكان من الصعب أن يقوم بعملية الاستيراد المباشر، بسبب عدم تخصيص القطع من جهة، وشروط وزارة الاقتصاد المتمثلة بضرورة الاستيراد عبر وكيل وبمقاييس دقيقة، أما إسمنت طرطوس فقد احتاجت لاستيراد مستلزمات بالطائرات بحسب وزير الصناعة، وأخّر متعهدو الاستيراد عمليات الصيانة لمدة 6 أشهر، بحسب مديرها..


رفع الطاقات الإنتاجية لتعويض الخسارات

اتفقت أغلب الشركات على ضرورة زيادة الطاقة الإنتاجية للخطوط عن طريق الاستثمار، أي الإنفاق على تطوير الآلات وتأهيل الخطوط، وعلى الرغم من أن عمال شركة عدرا قدموا نموذجاً في إمكانية الاستفادة من الخبرات المحلية في صناعة الإسمنت التي يعود عمرها في سورية إلى سنة 1933، حيث استطاعوا بعد مغادرة الشركة المصرية إعادة التأهيل في ظل الأحداث الحالية، وأن يرفعوا طاقة الخطوط الإنتاجية إلى 750 طن، بينما طاقتها الإنتاجية التصميمية كانت 800 طن وعمرها من 37 سنة.
كما أن شركة حماة وضعت دراسات جدوى متكاملة لحاجات رفع الطاقة الإنتاجية إلى 1400 طن، أو إلى 2000 طن ومتطلباتها، وأعلنت أن الاستثمار في عمليات التأهيل أصبح ضرورة، لتعويض الخسائر من التوقف بسبب الكهرباء أو الوقود، بزيادة إنتاجية ساعات التشغيل.
طاقة إنتاج المعامل العاملة اليوم في الذروة تبلغ 5 مليون طن سنوياً،  بينما طاقات إنتاج الإسمنت قبل الأزمة كانت تبلغ 10 مليون طن، لذلك فإن زيادة الطاقة الإنتاجية للخطوط العاملة في المناطق الآمنة أصبح ضرورة لتعويض خسارات التوقف الناجمة عن نقص الوقود والكهرباء.


الاستثمار ضرورة.. فهل الشركاء كذلك.؟!

إلا أن عمليات التأهيل والصيانة في شركتي عدرا وطرطوس أقرتا عبر التشاركية، حيث لإسمنت طرطوس شريك قديم جديد هو شركة فرعون، المستثمر الذي يقوم بعمليات الصيانة في معملي طرطوس وعدرا بمبلغ 75 مليون يورو، أي حوالي 25 مليار ل.س، تبين خلال المؤتمر بأن عمليات الصيانة في طرطوس لم تبدأ بشكل كامل، وتم تمديد فترة عقد الصيانة لمدة ستة أشهر لتنتهي في الشهر التاسع من العام الحالي.
عقود الصيانة لا تلزم شركة فرعون بتأمين قطع التبديل، وتبقي هذه الصعوبة على الشركة العامة التي اعتمدت بطبيعة الحال على التجار، الذين تأخروا بدورهم عن الاستيراد، وأخّروا عمليات الصيانة وفق ما ذكر مدير إسمنت طرطوس، كما أن عمليات الصيانة التي تقوم بها شركة فرعون،  تقوم بفريق مشترك من عمال الشركة العامة وعمالها.!
نقابيون من طرطوس أشاروا إلى أن فرعون قد أصبح في العقد الحالي يتمتع بصفة شريك، وليس مستثمر كما في العقد السابق، ورأوا بأن ملحق العقد الحالي يتطلب إعادة نظر باتجاه موازنته، معتبرين بأن المستثمر المذكور، والذي ترك العقد السابق مع بداية الأزمة، لديه ميزات جديدة فعلى سبيل المثال: الفترة كانت 4,5 سنة، أصبحت 10 سنوات، الكلفة الوسطية كانت تقدر بالكلفة المعيارية ويتحمل الشريك الخاص مسؤولية زيادة التكاليف، بملحق العقد أصبحت حالة زيادة التكلفة ليست مسؤولية المستثمر، بل يجتمع الطرفان ليجدا حلاً لزيادة التكلفة!.
أتت ردود قيادات نقابية وقانونيين من الوزارة بأن (التشاركية قد أُقرت)، و(أصبحنا نتقاسم المسؤوليات، والمستثمر أصبح شريكاً في الإنتاج)، وكان تساؤل نقابيو طرطوس الأخير: (ما هي ضماناتنا في حال أعاد الشريك الكرّة وغادر!؟)، فأتت الردود عامة بين من يقول: (أنتم ضمانتنا!)، وبين من يقول بأن (العقد يتضمن ضمانات)، رغم أن التجربة تقول أن التحكيم مع الشريك القديم لم يوصل إلى نتيجة إلا إعادة العلاقة على أسس جديدة أو ما يشبه: (طوي صفحة الماضي!).

أهمية الاسمنت لدى الحكومة بمقدار: 0,3 بالألف!

ارتفعت حصة الإسمنت من الإنفاق الاستثماري العام من 167 مليون ل.س في عام 2014، إلى  357 مليون ل.س في 2015 وهي بعد الارتفاع لا تتعدى نسبة 0,3 بالألف من الإنفاق الحكومي لعام 2015، مؤمنة من فوائض الشركات فقط، وما من جانب دعم حكومي إضافي، وهذه السياسة الاستثمارية التقشفية لا تتناسب مع مؤتمرات وخطابات تعقد عن أهمية القطاع والتركيز الحكومي عليه!.


مبلغ ضئيل مقابل الخسارة القادمة!

زيادة إنتاجية خط الإسمنت بنسبة 50-60% تتطلب استثمار 25 مليون يورو تقريباً بحسب فرعون، وبالتالي فإن زيادة الطاقات بهذه النسبة لـ 9 خطوط إنتاج في عدرا وطرطوس وحماة تتطلب: 76.5 مليار ل.س تقريباً، وهي تعادل خسارة الحكومة من المال العام خلال أربع سنوات من حصول فرعون على حصة في معمل عدرا فقط بمقدار مليون طن سنوياً، أي إذا ما دفعتها الحكومة فإنها تعوضها خلال أربع سنوات، من مبيعات مليون طن سنوياً.


الشريك في عدرا..  حصص مجانية بعد عام!

سيساهم الشريك فرعون بمبلغ حوالي 25 مليار ل.س للصيانة والتجديد في عدرا، ليرفع الطاقة الإنتاجية إلى 2,2 مليون طن سنوياً، ومقابلها ستحصل الشركة العامة على 730 ألف طن سنوياً، تزداد بنسب مئوية 15%، ثم 21% لاحقاً.
في السنوات الأولى، إذا ما نجحت الشركة في رفع الطاقة الإنتاجية في عدرا إلى  1,7 مليون طن، فإن حصة فرعون ستكون قرابة مليون طن، ومبيعاته 93,5 مليون دولار وفق أسعار الإسمنت الحالية (16500 بدولار 300). أي أنه من مبيعات سنة يعوض قيمة استثماراته في الصيانة، ويحصل بعدها على إسمنت مجاني تقريباً، تدفع تكلفة مستلزماته الحكومة طيلة مدة العقد التي تزيد عن عشرين عاماً بحسب ما تناقلته الصحف الرسمية!

 

-63%
سيتم رفع طاقة الخطوط الإنتاجية في عدرا إلى 2,2 مليون طن سنوياً، بتكلفة 25 مليار ل.س تقريباً لثلاثة خطوط، تحصل الشركة على 730 ألف طن، ويحصل الشريك على الباقي أي 1,4 مليون طن إذا ما وصل للطاقة المستهدفة، أي تخسر الشركة العامة 63% من الطاقة المتاحة.

 

تساؤلات مفتوحة للجان مؤتمر الإسمنت

1 الطاقة
والمسؤوليات
طالما أن الطاقة هي واحدة من أهم مشكلات العملية الإنتاجية في صناعة الإسمنت، لماذا لم يتم استدعاء كل من وزيري الكهرباء والنفط، للسؤال حول عدم حل مشكلة الطاقة والكهرباء للمعامل الآمنة، خلال أربعة أعوام، أو المطالبة بمعرفة حجم الإنفاق المطلوب على الطاقة، ووضعه في ميزان الإنفاق الحكومي عموماً، وعوائد الشركات، وتحديداً بعد أن تم رفع أسعار الإسمنت لمرات متتالية.؟


2 الحصة
من المال العام
لماذا لم يسأل مدير المؤسسة ومجمل إدارات المعامل والنقابيين وزير الصناعة، والحكومة عموماً السؤال التالي: بأن هذا القطاع الإنتاجي الهام، لا يحصل إلا على نسبة 0.3 بالألف من مجمل موازنة الحكومة، ليقوم بالاستثمار في صيانة خطوط إنتاجه، وشراء خطوط جديدة؟! ألا يستحق هذا القطاع زيادة المخصصات المالية له بحجم مبيعاته على الأقل!؟


3 الجدوى الاقتصادية للتشاركية
لماذا لم تبحث النقابات أو الإدارات المهتمة بإنتاج المعامل العامة، مسألة التشاركية من موقع جدواها الاقتصادية، وتحديداً في شراكة الصيانة وزيادة طاقة الخطط الإنتاجية.
فالشريك لن يقدم حلاً لأية مشكلة جدية تواجه القطاع، ولن يقدم الوقود أو يدفع كلفه، ولن يؤمن القطع التبديلية من الخارج، وسيقوم بعمليات الصيانة بفريق مشترك مع عمال الشركات العامة؟! ألا ينبغي أن نفكر بالتشاركية على أنها رهن جزء هام من إنتاجنا مقابل فقد المبالغ التي سيدفعها الشريك، والتي سيستردها خلال فترة عامين من المبيعات بالحد الأقصى، بينما تقدم له الشركات العامة حصة مجانية خلال عقد أو عقدين؟!


4 التسليم بالـ (التقشف الحكومي)
لماذا يتم التوافق مع منطق التقشف الحكومي، عوضاً عن دعوة صانعي السياسات إلى استخدام المال العام بشكل أوسع على المنشآت الإنتاجية العامة، التي تستحق في هذه الظروف أن تسترد جزءاً من الإيرادات التي قدمتها للمال العام السوري خلال مراحل نشاطها، لتعود وترفده من جديد عوضاً عن الاستعانة برؤوس أموال تأخذ الحصة الأكبر من الإنتاج، وتقوم بنشاطات تستطيع الخبرات المحلية القيام بها؟! ألم يكن من الأولى دعوة هؤلاء المستثمرين لينشؤوا صناعات جديدة مستقلة عوضاً عن الحصول على الإنتاج العام لعقود بشكل شبه مجاني!؟.