الانعكاسات الاجتماعية للسياسات الاقتصادية على الطاولة  د. ديب: لابد من إعادة توزيع الدخل لمصلحة الرواتب والأجور

الانعكاسات الاجتماعية للسياسات الاقتصادية على الطاولة د. ديب: لابد من إعادة توزيع الدخل لمصلحة الرواتب والأجور

أشار د. سنان علي ديب خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي في 10/5/2011 بعنوان «الانعكاسات الاجتماعية للسياسات الاقتصادية (2005 – 2010)» إلى الفرق الكبير بين النمو الاقتصادي الذي يمكن أن يتحقق بأساليب بدائية عن طريق بيع مواد أولية من دون إضافة، وبين التنمية التي تعني كيفية توزيع مخرجات النمو، فالنمو وسيلة للوصول إلى التنمية المستقلة المتوازنة، ولكن عندما يصبح النمو هو الغاية، فإنه سيكون على حساب التنمية بشكل أكيد..

وأوضح د. ديب أن النمو المترافق بازدياد الفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية دليل على تعثر وعلى اختلالات في مسيرة التنمية، وإن كانت المعدلات والمؤشرات التنموية بين المحافظات والمناطق غير متساوية أو متباينة فهو دليل على خلل في توازن التنمية.

وتطرق د. سنان إلى ما حصل خلال الفترة الزمنية التي تناولها في محاضرته، والذي تمثل بعدة مؤشرات، منها: رفع الدعم الذي تقدمه الحكومة عن المحروقات، وعن المواد الأولية اللازمة للزراعة بنسب كبيرة جداً، وما كان لهذين القرارين من انعكاسات خطيرة على الزراعة وعلى الصناعة.. ومنها تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب عن المستوردات إلى أقصى درجة، ما أدى لخلل في الميزان التجاري، وأدى للقضاء على الكثير من صناعات القطاع الخاص نتيجة عدم القدرة على المنافسة الفجائية، مع تناسي أن الانفتاح على الخارج دون حماية هو مقتل على جميع المستويات والقطاعات، فتناقصت نسبة الرسوم الجمركية إلى المستوردات السلعية من (11.6%) عام 2003 إلى (4.4%) عام2006، وكذلك أدت هذه السياسات إلى إثقال كاهل المواطن بضرائب ورسوم لا حصر لها، كرفع تكلفة الخدمات الأساسية بنسب كبيرة مثل الكهرباء والهاتف والمياه والنقل..

السياسات النقدية

أما بالنسبة للسياسات المصرفية والنقدية، فأشار د. ديب إلى قلة نسبة القروض مقارنة بالموجودات فبلغت النسبة عام 2009 (25.3%) في حين كانت (16.6%)، وعلى الرغم من ارتفاعها ولكن تبقى قليلة لما لها من دور كبير في التأثير بالحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال توجيهها باتجاه المشاريع الاستثمارية والخدمية التي تكون حلاً للكثير من المشاكل، وقد كانت القروض موجهة نحو تجارة الجملة والخدمات حيث شكلت عام 2009 ما نسبته (52%) من إجمالي القروض، بينما كانت حصة كل من الزراعة والعقارات (14%) والصناعة (8%) و (15%) للخدمات الأخرى، ولاحظ د. ديب تدنياً في نسب اقتراض كل من الزراعة والصناعة، وبالنسبة للتجارة والخدمات اتجهت نحو قروض السيارات والسلع المعمرة وما انعكس على حركة السوق، وقد قررت الحكومة إلزام المصارف بنسب إقراض قدرها (50%) للصناعة والزراعة والسياحة بحيث تكون 30% للمشاريع الصغيرة المتوسطة.

أما بالنسبة للإنفاق الحكومي، فبيّن د. ديب أن الإنفاق الجاري انخفض من (38.7%) من مجمل الإنفاق العام في العام 2004 إلى (32.4%) عام 2009.

القطاع العام

وأوضح د. ديب أن القطاع العام كان السبب الرئيسي لصمود سورية أمام الكثير من الهجمات والحصارات، فالقطاع العام هو أداة قوة للسلطة السياسية تستطيع من خلاله قيادة التنمية بكافة أشكالها ضمن الضرورة الحتمية دون وصاية سياسية على كيفية التطورات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وكموجه ومشرف في العموم ومتدخل عندما يكون هناك ما ينعكس على الاستقرار الوطني، وتساءل الباحث الاقتصادي: هل استحالت الحلول الواقعية لإصلاح القطاع العام؟ أم كان هناك محاولة اقصائية بحيث لا يمكن لجزء من القطاع الخاص الدخول إلى القطاعات المختلفة بحال وجود القطاع العام؟!.. لافتاً إلى تراجع الدور التدخلي للدولة في التجارة الخارجية، وتخلي الدولة عن احتكارها لاستيراد العديد من السلع..

وبيّن د. ديب أن هذه السياسات أدت إلى انعكاسات خطيرة على مختلف القطاعات الاقتصادية، حيث انخفضت قيمة الناتج لمحلي الإجمالي للزراعة بسعر السوق من (292475) مليون عام 2006 إلى (265018) عام 2009 بتناقص مقداره (27439) مليون وبنسبة 10%، وكذلك تراجعت مساحة الأراضي المروية المزروعة بنسبة (22%)، أما بالنسبة للعمالة، فقد شكلوا ما نسبته (15%) بعد أن كانوا يبلغون نسبتهم 23% في العام 2005..

الصناعة

أما بالنسبة للصناعة، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصناعة التحويلية وفقاً لما أورده د. ديب (70.3) مليار عام 2005، ووصل إلى (150) مليار عام 2008، وبمعدل نمو وسطي (14.3%) وشهد معدل النمو انخفاضاً ملموساً في عام 2009 حيث بلغ الناتج (109) مليار وبمعدل نمو سلبي (3.8%) عن عام 2008.

وشهد الميزان التجاري تحولاً خطيراً من فائض قدره (43) مليار عام 2004 إلى عجز خطير قدره (509) عام 2009، وبالتالي انخفضت نسبة التغطية من (126%عام 2004 إلى 21.8%عام 2010، وهنا لا بد من التذكير إن التنمية لا تتم في ظل بيئة مفتوحة بل تتطلب درجة عالية من الحماية والرعاية للإنتاج الوطني وللصادرات وإلى سياسة مصرفية تؤدي إلى تمكين الاقتصاد قبل تحريره..

المستوى المعيشي

كما انعكست السياسات السابقة سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين، وأدت إلى غلاء الأسعار، حيث تطور الرقم القياسي للأسعار من 100عام 2005 إلى 136% عام 2009، وتطورت نسبة الإنفاق على الغذاء في سلة الغذاء التي يعدها المكتب المركزي للإحصاء من 40% عام 2004 إلى 45.75 عام 2009، وبالتالي، فإن الخطوط العامة للسياسات كانت تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية من خلال إضعاف القطاع العام، والتحيز لفئة من القطاع الخاص، وتقليل الإنفاق العام، تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، إلى جانب سحب الدعم عن السلع والخدمات.

وبالنسبة لموضوع الفقر، أدت السياسات الاقتصادية السابقة إلى ازدياد نسبة الفقراء في سورية عام 2010 إلى 12% والحد الأعلى إلى 34%، وقد بينت الإحصاءات التي استند إليها د. ديب أنها كانت (12%) و(30%) عام 2009 على الرغم مما كان مخطط له بتخفيض الحد الأدنى إلى 8% والحد الأعلى إلى 24%.. وكذلك كانت نسبة الإنفاق على الصحة في 2005 (4.2%) من الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم أصبحت (3.6%) عام 2007 و(3.2%) عام 2008، وبلغت (30) مليار عام 2010. 

حلول

ورأى د. ديب أن هذه السياسات أنتجت شبه انهيار للطبقة الوسطى التي تعد أساس التوازن والتطور الاجتماعي، والتي أصبحت في الطريق إلى الزوال وفق المعيارين المالي والأخلاقي، وهذا تحول خطير ينبأ عن فوضى وعدم استقرار في حال عدم إحياء هذه الطبقة، وبالتالي لابد من الإسراع في اتخاذ الحلول الكفيلة بالإحاطة بهذه المشاكل، وذلك عن طريق:

- إصلاح القطاع العام كركيزة مهمة للإصلاح ولإعادة الدور المهم للدولة في قيادة وتوجيه الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

- تثبيت المتعاقدين حيث يقدر عددهم بـ(120) ألف عامل..

- إعادة الاهتمام بقطاع الزراعة من خلال حل مشاكل سعر المازوت وسعر الأسمدة، العمل على إيجاد صناديق تقاعد للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية تجنبهم الخوف من المستقبل، وتقديم المساعدات والإعانات في فترة إعادة الانطلاق من خلال زيادة ثمن المحاصيل الإستراتيجية.

- إعادة النظر برفع سعر الفيول نحو المحافظة على السعر الحالي أو تخفيضه، وكذلك تخفيض الرسوم المفروضة على المنتجات الصناعية المحلية، والتي تقل بأضعاف عن رسوم الاستيراد وإعادة النظر بتعرفة الكهرباء.

- العمل على تخطيط وتنفيذ المؤشرات التنموية على أساس المحافظات والقطاعات بدلاً من أن تكون على مستوى القطر.

- ردم الفجوة بين الرواتب والأجور من جهة، وتكاليف المعيشة من جهة أخرى، لأن ذلك يؤدي إلى ردم الهوة بين العرض والطلب، ويؤدي إلى زيادة الاستهلاك والاستثمار، فلابد من إعادة توزيع الدخل القومي لمصلحة الرواتب والأجور بإلغاء سياسة تثبيت الرواتب والأجور، وسياسة تمويل الرواتب والأجور عن طريق فروق الأسعار..

– زيادة الموازنة الخاصة للتعليم بكافة مراحله، ويجب أن لا يكون إشراك القطاع الخاص بالتعليم على حساب جودة العملية التعليمية من جهة، ولا على حساب المؤسسات التعليمية العامة التي تعد الملجأ لذوي الدخل المحدود وللطبقات الفقيرة من اجل استمرار ديمقراطية التعليم من جهة ثانية.

- العمل على ردم فجوة انعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات المدنية والمسؤولين فيها، حيث أن هناك أزمة ثقة نشأت بين أغلب الشعب والمسؤولين لما تحمل المواطن من انعكاسات سلبية ناجمة عن طريق فرض أغلب السياسات بطريقة الصدمة، وعن طريق الخطاب الفوقي الذي كان يتميز به اغلبهم.