السوق ترفع سعر الصرف.. والمكافأة بين 170-200 مليون دولار خلال شهر!

السوق ترفع سعر الصرف.. والمكافأة بين 170-200 مليون دولار خلال شهر!

شهد الأسبوع من 12-4-2014 وصولاً إلى تاريخ 17-4-2014 تغيرات سريعة في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، حيث ارتفع في مساء 13-4-2014 إلى سعر 180 ل.س/$، وعاد للهبوط إلى سعر 163 ل.س/$ في مساء يوم الخميس 17-4-2014.

بين ذاك الارتفاع وهذا الانخفاض حصلت سوق المضاربة على الليرة السورية على 20 مليون دولار في جلسة واحدة عقدها المصرف المركزي بتاريخ الاثنين 15-4-2014، وحصلت شركات الصرافة على ضمانة بالحصول على مبالغ يومية 1,5-2,5 مليون دولار من حوالات السوريين في الخارج إلى أهاليهم، وفق قرار (المركزي) بالسماح لها بالاحتفاظ بنسبة 20% من الحوالات، وقد سارعت البنوك الخاصة بالعودة إلى خط الحوالات كي تستطيع أن تحصل على إيرادات من (باب الرزق) الجديد الذي فتحه (المركزي) للسوق، والذي أتى بمثابة مكافأة على رفعها لسعر الصرف بعد أن أصبحت (عصمة) تحديد سعر السوق بيدها، فيكفي أن تحتكره قليلاً وتفتعل ارتفاعه ليستجيب (المركزي) بضخ الدولار، ويرتفع مع كل موجة من هذه الموجات سعر الصرف الرسمي.. 

خرج حاكم مصرف سورية المركزي من الاجتماع النوعي لمجلس النقد والتسليف بتاريخ 13-4-2014، ليعلن عن إجراءات رئيسية في مواجهة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السورية وتراجع قيمة الليرة السورية مقابله.

الاجتماع الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، نتج عنه إجراءان رئيسيان يندرجان في إطار السياسات السابقة المتعبة بشكل دائم أمام كل ارتفاع لسعر الصرف في السوق السوداء، وهي زيادة عرض الدولار في السوق، وزيادة انتقال احتياطي القطع الأجنبي السوري من المصرف المركزي إلى السوق النظامية ومنها تلقائياً إلى المتحكمين بالسوق السوداء والقادرين على شراء كميات القطع الأجنبي الرئيسية المعروضة.

ملايين دولارات جديدة يومياً للشركات!

الإجراء الأول المرتقب هو«بيع شريحة من القطع الأجنبي تقدر بـ20 مليون دولار يوم الاثنين في 21-4-2014 لشركات الصرافة لتمكينها من تمويل متطلبات السوق وسد احتياجاته من القطع الأجنبي أي سيكون هناك عرض لـ20 مليون دولار من مصرف سورية المركزي للبيع لشركات الصرافة لتتمكن من مواجهة الطلب على تمويل المستوردات وحاجة السوق»، كما ورد في التصريح الرسمي المنقول عن وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا».

أما الإجراء الثاني الجديد فقد صرّح عنه الحاكم أديب ميّالة: «سيتم السماح بترك 20 بالمئة من الحوالات الشخصية الواردة إلى سورية يومياً، وتتراوح قيمة المبالغ فيها بين 1,5- 2,5 مليون دولار يومياً ليتم طرحها في السوق بشكل فوري من شركات الصرافة كي تستطيع أن تتصرف بها وبيعها حسب احتياجات السوق».

وتأتي هذه الإجراءات في سياق الرد على ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله في السوق غير الرسمية إلى سعر 179 ل.س/$ في مساء الأحد 13-4-2014، في ارتفاع مفاجئ خلال مراحل متقاربة، من 153 ل.س/$ قبل شهر من الآن، إلى 166 ل.س/$ بتاريخ 9-4-2014 وصولاً إلى السعر الحالي المتصاعد، وذلك بعد فترة استقرار شهدتها السوق على سعر صرف دولار قريب من 150 ل.س/$ خلال الأشهر من 10-2013 إلى بداية 3-2014.

السياسات تنقل «الدفة» إلى السوق

فترة الاستقرار الطويلة لسعر صرف الدولار والتي لا تختلف عن المرحلة الراهنة من حيث مستوى التوتر الأمني، تنفي احتمال أن يكون الارتفاع المفاجئ عائداً إلى الظروف السياسية بشكل مباشر، بالمقابل فإن كل الإجراءات المتعلقة بسعر الصرف خلال المرحلة السابقة يفترض أن تؤدي منطقياً إلى انخفاض في سعر السوق!. فـ«المركزي» أكد في تصريحات متتالية زيادة تمويله للمستوردات، وبالتالي زيادة ضخ الدولار إلى التجار بحدود تصل بين 2-5 مليون دولار يومياً، بوسطي 3,5 مليون دولار باليوم، يضاف إلى هذا الضخ الحملة التي «شنّت» على مكاتب وشركات الصرافة والتي من المفترض أن تلجم حركة المضاربة على أسعار الصرف كما عملت في أوقات سابقة، إلا أن العمليتين كليهما لم تؤديا إلى تخفيض سعر صرف الدولار في السوق، بل سبقت عملية رفعه!

وهنا لا بد من التساؤل ما الجدوى والحكمة من الاستجابة السريعة والواسعة من «المركزي» إلى رفع السوق السوداء لسعر الصرف، بزيادة الضخ طالما أن السوق تمتلك القدرة على التحكم بالسعر ورفعه دون أسباب مرتبطة مباشرة؟!، ألا يؤدي ذلك إلى زيادة قدرتها على التحكم بالسعر في السوق عن طريق انتقال المزيد من الدولارات من المصرف المركزي إليها، وتحديداً مع فتح بوابة جديدة لضخ الدولار عن طريق حصة الشركات من الحوالات؟!.

ملاحظات ونتائج

• ينبغي الإشارة إلى أن «المركزي» كان «سخياً» في سماحه لشركات الصرافة بالاحتفاظ بنسبة 20% من الحوالات (وهو مبلغ يتراوح بين 45-75 مليون دولار شهرياً)، حيث يأتي قراره استجابة إلى اقتراح قدمته الشركات للمصرف بالاحتفاظ بنسبة 10% من الحوالات وبيعها بسعر السوق!.

• مجموع ما سيتم ضخه خلال شهر قادم سواء من البيع المباشر( 20 مليون دولار)، بالإضافة إلى وسطي تمويل المستوردات (3,5 مليون $ يومياً×30 = 105 مليون دولار)، مع حصة شركات الصرافة من الحوالات وفق القرار الجديد (45-75 مليون دولار) سيبلغ: 170 مليون دولار بالحد الأدنى و200 مليون دولار بالحدود العليا المتوقعة!!

وهذا قد يؤدي إلى «استقرار» في سعر صرف الدولار مقابل الليرة ولكن دائماً عند مستوى أعلى جديد لمصلحة الأول..! وبالمقابل فإن «العلاج بالضخ» تؤدي دائماً إلى زيادة قدرة السوق السوداء على التحكم بسعر الصرف مع انتقال المزيد من احتياطي القطع الأجنبي لدى «المركزي» إليها، على نحو مباشر أو غير مباشر، أي المضي في هذا الاستنزاف والتناقص المطرد، وخطورة ذلك وتداعياته في ظل مختلف الظروف التي تعيشها البلاد.

مفارقات على الهامش

تحفيز المضاربة.. بالاستجابة لها!

• يؤكد حاكم مصرف سورية المركزي أديب ميالة على "عدم وجود طلب حقيقي على الدولار في السوق السورية"  وكذلك أكدت شركات الصرافة أن "الطلب الحقيقي على الدولار غير موجود بتاتاً، بل هي فقاعات كلامية وطلب مضاربة". المصرف المركزي يتجاوب إذاً مع المضاربة ليضخ بالمقابل عشرات ملايين الدولارات إلى السوق المضاربة، محفزاً إياها على معاودة الكرّة، وذلك بتزويدها بالأداة الرئيسية التي تتيح لها إعادة المضاربة ورفع سعر الصرف أي بإعطائها الدولار! ورفع لاحق للسعر الرسمي، أي أن سياسة الاستجابة للمضاربة تؤدي إلى تخفيض فعلي لقيمة الليرة السورية! حيث أدت موجة خلال شهر مضى إلى ارتفاع سعر الصرف الرسمي من 145إلى 148 ل.س/$.

إشارة مسبقة برفع السعر!

• "المركزي" أعلن أن تمويل مستوردات التجار يومياً يتراوح بين 2-5 مليون دولار، حيث كان يقدم للتجار سعر تمييزي أعلى من سعر الصرف الرسمي، وأخفض من سعر السوق السوداء، وقد بلغ بحسب تصريح للتجار خلال الأسابيع التي سبقت الارتفاع السابق بين 150-152 ل.س/$، وقد رفع المركزي سعر بيع القطع الأجنبي للتجار قبل تاريخ 12-4-2014 إلى 162 ل.س/$ مقترباً من سعر السوق الذي كان خلال الأسبوع السابق في حدود 165 ل.س/$ ما أعطى إشارة بارتفاع السعر!!

• كيف سيعيد حاكم مصرف سورية المركزي سعر السوق إلى 150 ل.س/$ كما صرح، وهو يبيع القطع للتجار بسعر 162 ل.س/$ وهو سعر من المفترض أن يكون أقل من سعر السوق؟! ما يعطي الإشارة إلى أن "المركزي" موافق على سعر أعلى للسوق.

تمويل كل المستوردات! بلا طائل

• معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية حيان سليمان برر ارتفاع سعر الصرف بازدياد الطلب على القطع الأجنبي لتمويل المستوردات، وفي حديث له مع صحيفة الوطن بتاريخ 12-4-2014 صّرح: " جميع المستوردات يتم تمويلها من مصرف سورية المركزي، وبالتالي هناك دعم من الدولة بشكل مباشر لسعر الدولار" هل يعني هذا التصريح أن الحكومة تراجعت عن قرار ترشيد الاستيراد؟! ويذكر هنا أنه في الشهر التاسع من عام 2013 قدم «المركزي» قوائم تضم حوالي 400 شركة تجارية ومستورد ممن قدموا بيانات وهمية للحصول على القطع الأجنبي، وبحسب صحيفة تشرين فإن 225 تاجراً منهم حصلوا على 78 مليون يورو تقريباً! وينبغي الإشارة إلى أن الإجراءات ضد هؤلاء كانت مخففة وارتأت وزارة الاقتصاد أن منعهم من الحصول على إجازات استيراد هو معاقبة لأنفسنا!! بحسب معلومات نشرتها صحيفة تشرين بتاريخ 10/9/2013.

نعومة حكومية مع المضاربين!

كان حاكم مصرف سورية قد صرح سابقاً بان أغلب مخالفات مكاتب وشركات الصرافة هي مخالفات إدارية، كأن يتم بيع القطع لشخص دون تسجيل هويته!! وبناء على هذه المخالفات البسيطة التي "قد تؤدي إلى تجاوزات" بحسب الحاكم، فإن المخالفين يتم البت بأوضاعهم ويدفعون ما ترتب عليهم جراء المخالفات (قيم بلغت 15 مليون ل.س فقط) ويعودون إلى مزاولة أعمالهم!. وهذا في واحدة من أكثر الإجراءات الحكومية نعومة مع مضاربين تكيل إليهم تهمة التلاعب بقيمة الليرة السورية. حيث تشير المعلومات أن دعاوى الصرافة في دمشق وريفها 115 دعوى فقط، حيث قالت مصادر "أن عدد الأحكام التي صدرت عن القضاء السوري بمنع محاكمة الصراف المتلاعب تجاوزت أرقاماً غير مقبولة!"، ومصادر قضائية أشارت أن وجود النيابة العامة غير كاف، ويجب تمثيل إدارة قضايا الدولة، علها تمنع تغيير مسار الدعاوى!.

بدائل (لصرف) حصة التجار والصرّافة من الدولارات خلال عام!

• تمويل المستوردات بالحد الوسطي 3,5 مليون دولار باليوم خلال عام 2014: 1,2 مليار دولار 

• حصة شركات الصرافة والمصارف المتوقعة من الحوالات (بناء على قرار 20%): 360 مليون دولار بالحد الأدنى- 600 مليون دولار بالحد الأعلى.

• بتجاهل عمليات الضخ التي يتوعد المركزي أنها ستتكرر بعد الضخ الأخير 20 مليون دولار.

فإن حصة شركات الصرافة من الحوالات وحصة التجار من تمويل المستوردات ستفوق 1,5 مليار دولار بالتأكيد في عام 2014، وقد تبلغ 1,8 مليار دولار!

• إن كل تغير في أسعار المحروقات يغير في المستوى العام للأسعار بالتالي تخفيض أسعارها يؤدي إلى تخفيض المستوى العام للأسعار، وهو الوسيلة الأجدى من تمويل مستوردات التجار لتخفيض المستوى العام للأسعار.

• إن تأمين سلة غذائية مدعومة يؤدي إلى زيادة قيمة الليرة السورية وحمايتها، فهو يزيد من قدرة أجور السوريين على تأمين الحاجات والسلع، عن طريق تغطية جزء هام من الحاجات الغذائية الرئيسية بالسلة الغذائية المدعومة. وهي الوسيلة الأجدى من هدر دولارات الاحتياطي السوري على شركات ومكاتب الصرافة التي تنقلها إلى السوق السوداء وتزيد قدرتها من التحكم بقيمة الليرة السورية، أما تفرج الحكومة وتجاوبها!

لن تقدم الحكومة على طرق صرف الاحتياطي البديلة، لأنها تقلص موارد الفساد والمفسدين، وتؤمن المصلحة العامة! فالحكومة كما القرارات الاقتصادية كافة يستمر في قيادتها الليبراليون اقتصادياً، وشعارهم "الأغنياء قاطرة النمو"، والفاسدون عمادها!

خلال ٣ سنوات أكثر من ٧.٠٠٠.٠٠٠.٠٠٠ $

قدرت قاسيون في عددها رقم 644 في مادة بعنوان (الاحتياطي النقدي السوري خلال الأزمة: سياسة «وهب» القطع الأجنبي.. بجانبيها) أن كلاً من سياسة تمويل المستوردات وبيع القطع الأجنبي للأغراض غير التجارية عن طريق الصرافة قد هدرت خلال سنوات الأزمة الثلاث ما يزيد عن 7 مليار دولار بالحدود الدنيا، وهو يفوق ثلث الاحتياطي من العملات الأجنبية بمليار دولار، ويبلغ تحديداً 36% من احتياطي العملات الأجنبية السوري 19 مليار دولار في عام 2010 وفق بيانات البنك الدولي.

آخر تعديل على الخميس, 24 نيسان/أبريل 2014 14:39