الأزمة تكشف الشعار السابق «الاستثمار بالنقل لمصلحة المحتكرين..»

الأزمة تكشف الشعار السابق «الاستثمار بالنقل لمصلحة المحتكرين..»

تنكشف في المرحلة الحالية عيوب قطاع النقل في سورية، ونقاط ضعفه الكبرى، حيث أن التدارك السريع لهذه العيوب في لحظة الأزمة أصبح مهمة ضرورية وشديدة الصعوبة، إلا أنها مفصل قد يحدد إمكانية تجاوز التأزم الاقتصادي والاجتماعي اللاحق..

ويدل على هذا تصريحات عديدة تقول بأن نقل المواد هو أحد المشاكل الأساسية التي تستدرج الكثير من الأزمات، كالغاز والكهرباء وتصل اليوم إلى المواد الغذائية الأساسية،حتى بلغت الطحين والخبز وتم تداركها..

السكك الحديدية التي تنقل بضائع ومواد أساسية كالمحروقات كافة، والحبوب المختلفة، والفوسفات والإسمنت هي قطاع أساسي في سورية، ومتعلق ليس فقط باستمرار النشاط الاقتصادي وإنما أصبح يتعلق باستمرار ضروريات الحياة لدى السوريين. وبناء عليه فإن حمايتها ضرورة عسكرية واقتصادية اجتماعية، وإذا بلغت حماية السكة من الصعوبة بمكان، فإن بدائلها كان من المفترض أن تكون جاهزة، غياب الاستراتيجية لدى الحكومة السابقة وفي عقلية بيروقراط جهاز الدولة كافة، أدى إلى رفض مشاريع مقدمة منذ بداية الأزمة لتعديل خط السكك الحديدية وإخراجه خارج الريف وتأمينه، بحجة تخفيض الموازنة، بينما بلغت الخسائر الناجمة عن تعطل السكك أضعاف المبالغ الموفرة..

قطاع أساسي كالسكك الحديدية لا يفترض أن يترك لمدة 25 سنة بلا تغييرات ونقلات نوعية، حيث ما تم منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم لا يتجاوز إقامة المحطات، وتحسين سكك، وتوقيع مشاريع ودراسات.. وتمتلئ جعبات المسؤولين بإنجازات من نوع خططنا وهيأنا ووقعنا وبحثنا.. 

لا يقتصر الأمر على السكك وإنما كذلك على النقل الجوي حيث وصل حال هذا القطاع منذ عدة سنوات إلى أسطول سوري مكون من ثلاث طائرات إحداها تعمل بمحركات غير مطابقة للمواصفات الدولية، وأخرى تطير بمحرك متوقف، حسب نقابات النقل البحري والجوي، وعندما تم تطوير هذا الأسطول تم اللجوء إلى شركات أوروبية تستطيع اليوم أن تعيق تحليق الطيران السوري بتحكمها بالصيانة والقطع. بينما تقبع إحدى طائراتنا اليوم في السعودية وتجري محاولات لاستعادتها، وعلى أمل اليوم أن تتم صفقة شراء الطيارات الروسية..

وفي النقل البحري جزء من أزمة استيراد المواد الأساسية يعود إلى عدم وجود بواخر حكومية تتشارك بالمخاطرة مع الدول الصديقة، والحكومات السابقة عوضاً عن شراء بواخر حكومية والاستثمار في توسيع المرافئ، لجأت إلى مشاريع من نوع عقود الاستثمار لسماسرة محليين بغطاء أجنبي كما في الشركة الفلبينية التي تستثمر في مرفأي طرطوس واللاذقية، والتي أدت إلى خسائر بإيرادات المرافئ وتمتنع اليوم عن دفع البدلات وتسعى للمحاكم الدولية.لم تشهد سورية في النقل وفي قطاعات كثيرة نقلات استثمارية جدية في البنى التحتية، ويترافق هذا مع ميل الدولة إلى التراجع عن المهمات الاستثمارية الكبرى التي كانت تنهض بها، وتبقى المشاريع حبيسة الأدراج وقيد الدراسة تنتظر المستثمر أو الممول، بينما تحدث نقلات استثمارية سريعة، عندما يتوفر المحتكر الذي يدفع أتاوات مناسبة، كما في «تطوير» قطاع النقل الداخلي الذي ملأ الشوارع السورية «بباصات» المستثمرين، وأزاح أصحاب الميكروباصات الصغيرة، وزاد الاختناقات المرورية الكبرى. وبقي مترو دمشق مشروعاً قيد التنفيذ يدل عليه نفق كبير يقطع المدينة منذ سنوات عديدة..

والأمثلة كثيرة وكلها تدل على أن كل السياسات الاقتصادية السابقة والاستثمارية تحديداً كانت قائمة على تأريض أي استثمار حكومي نوعي وجدي وإعاقته، مقابل تسريع استثمارات الربح لمحتكرين كبار..