من أحوج منّا لضرائب مرتفعة على الأغنياء؟

من أحوج منّا لضرائب مرتفعة على الأغنياء؟

في أعقاب الأزمة العالمية التي هزت أركان الاقتصاد في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا على حدٍ سواء، تعالت أصوات بعض الداعين لفرض ضرائب إضافية على الأغنياء، على نقيض السعي الحكومي لإقرار خطط تقشفية سيدفع ثمنها شرائح واسعة من محدودي الدخل في تلك المجتمعات، وعلى الرغم من أن خطط التقشف كانت الأكثر تطبيقاً، إلا أن خيار زيادة الضرائب على الأغنياء لاقى بعض الصدى هناك ودفعت الضغوط بعض الحكومات إلى فرض ضرائب مباشرة على الثروات.

أخذ مخططو ومنفذو ومنظرو السياسات الاقتصادية لدينا بمنطق (خطط التقشف) التي تعتبر الحل النموذجي الذي تقدمه المؤسسات المالية الدولية لمشاكل الدين والأزمات المالية التي تشهدها دول الاتحاد الأوروبي وغيرها اليوم، والتي تندرج تحت إطار ضغط النفقات الحكومية، فقلص أصحاب القرار في سورية من نفقات الحكومة على دعم المحروقات أو الكهرباء أو المواد التموينية تحت يافطة انخفاض الموارد الحكومية، إلا أن التقشف الإجباري الذي يعيشه المواطن السوري يفترض ألا يسمح منطقياً للحكومة بمزيد من التقشف، فالمعطى الموثق بأن الغالبية الساحقة من الأسر السورية بالكاد تؤمن احتياجاتها الغذائية والأساسية للاستمرار على قيد الحياة في الظروف الحالية، يجب أن يضع زيادة الإنفاق الحكومي والذي يصب في إطار (الإغاثة الاقتصادية الاجتماعية) أولوية تدفع الحكومة للبحث عن موارد بديلة لتأمين عدم انتقال أغلب السوريين إلى الفقر المدقع، وهذه الموارد تظهر جلية لدى من يربح من تراجع معيشة السوريين للحد الأدنى وهم (أثرياء ما قبل الحرب وبعدها).

لنسّتعيِدَ جزءاً مما نُهب!

الضرائب التصاعدية على الدخل وعلى الثروات مطبقة في العديد من دول العالم، حيث على سبيل المثال معدل الضريبة على الدخل في السويد يصل إلى 56.60% لكل من يزيد دخله السنوي عن 64 ألف دولار (ما يقارب 91 مليون ل.س)، كما تفرض ضريبة بنسبة 50% على كل من يزيد دخله السنوي عن 50 ألف دولار (75 مليون ل.س) في كل من الدنمارك، وبلجيكا، بريطانيا، النمسا، كما تفرض اليابان هي الأخرى ضريبة بنسبة 50% على كل من يزيد دخله السنوي عن 52 ألف دولار، إلا أن هذه الضريبة المرتفعة لم تمنع فرنسا على سبيل المثال من فرض ضريبة بنسبة 75 % على الدخل الذي يتجاوز مليون يورو سنويا، على الرغم من إلغاء المجلس الدستوري تلك الضريبة على دخل الأغنياء في عام 2012،  وإعادة إقرارها من جانب المجلس الدستوري في موازنة عام 2014 على الشركات التي تحقق دخولاً مرتفعة..

فلماذا الانتقائية في (التمثل) بالنموذج الأوروبي بحيث يتم الالتزام بالمسار التقشفي للحكومات، مقابل تجاهل الفوارق في مستويات ضرائب الدخل على الشرائح المرتفعة! ولماذا لا يتم البحث عن موارد ضريبية لدى كبار أصحاب الدخول في سورية، ألسنا بأمس الحاجة لضرائب نوعية!!؟ 

نحن أحوج لتلك الضرائب

إذا ما كانت الضرائب بحالتها الاعتيادية على أصحاب الدخول العالية في الاتحاد الاوروبي واليابان لا تقل عن الـ 50%، ورغم ذلك، فإنهم يفكرون بزيادتها في أزماتهم الاقتصادية، فماذا يمكن أن نقول نحن؟! فالضرائب على المكلفين الكبار والمتوسطين تتراوح نسبتها بالشكل النظري بين 14 – 28%، أما الشركات القابضة (وهي شركات كبرى تعمل في مجالات متعددة) فضريبتها صفر، يضاف إلى ذلك جملة الإعفاءات وتمديدات آجال الدفع، بالإضافة إلى ضريبة الدخل المقطوع التي تعتمد (التقدير) وسيلة لبيانات دخل العديد من الأنشطة الاقتصادية، والتي تسمح بخلل كبير كأن تتساوى الضريبة التي يدفعها تاجر في أكبر أسواق دمشق، ومحل بيع تجزئة في ريف محافظة ما!، إشكالات المنظومة الضريبية في الحالة العادية تجعل نسب التحصيل الضريبي شديدة الانخفاض في سورية، وبالتالي التهرب الضريبي في أعلى مستوياته، حيث يصل إلى 200 مليار ل.س سنوياً في عام 2010 على حسابات وزير المالية الأسبق محمد الحسين، أما تقديرات خبراء خلال الأزمة قد وصلت إلى 400 مليار ل.س! مدعوماً بالحجم الكبير للقطاع غير المنظم في سورية!

حلول من نوع آخر

أقرت الحكومة منذ أشهر خلت زيادة الرسوم والضرائب بنسبة 5% بهدف إعادة الإعمار، وهذا عبء سيحمله أصحاب الدخول المحدودة وأصحاب الأجور الأكثر التزاما بتسديد ضرائبهم ورسومهم المقتطعة من أصل الراتب، إلا أن أحداً من "جهابذة" الاقتصاد لم يقدموا على مستوى الاقتراح فقط حلاً بديلاً، كفرض ضرائب على الأغنياء أو على الثروات!