الموارد متناقصة.. والحكومة لن نرفع الأجور وسنرفع المازوت..

الموارد متناقصة.. والحكومة لن نرفع الأجور وسنرفع المازوت..

صرح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد ظافر المحبك بأنه « لا يمكن في هذه الظروف التي تمر بها سورية تطبيق ما طرحه النائب الاقتصادي، حول رفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 ألفاً، مؤكداً أن الحكومة لا تستطيع رفع الأجور اليوم ولو بنسبة %5.».. تلا هذا التصريح خلال الأسبوع الماضي، إعلان الحكومة عن رفع أسعار مادة المازوت..

كل هذا يأتي في سياق يقول بأن موارد الدولة شديدة التناقص وهناك حاجة ملحة للبحث عن الموارد..

الموارد المتناقصة:

لابد أن موارد الدولة تناقصت بشكل كبير مع المستوى العالي من الضغوط الاقتصادية والسياسية على سورية وعلى شعبها.

فمن التباطؤ التلقائي الذي تسببه الأزمات السياسية والأوضاع الأمنية السيئة، إلى العقوبات، إلى السياسات غير المسؤولة، كل هذا لايترك مجالاً للشك بأن دولة تعتمد على موارد من الزراعة والصناعة والمعادن والتجارة ستتردى مواردها جدياً..

ولا يختلف أحد بأن الضرورة تقتضي البحث عن الموارد بشكل جدي، حيث لايمانع السوريون بأن يكون هذا على حساب بعض مكتسباتهم.. ولكنهم لن يستطيعوا أن يتحملوا بعد اليوم أن يتحول كل ما يضحون به إلى مكاسب لدى الطفيليين الكبار الذين يركبون على مفاصل جهاز الدولة الرئيسية ويمدون أذرعهم الطويلة لتطال كل منافذ التوزيع وتعيق وصول موارد الدولة التي ينتجها السوريون إلى أيدي منتجيها..فما نفع البحث عن الموارد إذا كانت لن تعود بالنفع على حياة السوريين!!

 الإعلان بأشكال متعددة عن نقص الموارد يخبئ المزيد من الخوف على ما تبقى من توزيع لها سواء على الأجور أو بقايا الدعم أو مؤسسات الدولة الإنتاجية...فلابد أن تأتي الموارد من مكان ما، وهي مهمة يجب أن يطالب السوريون من جهاز الدولة التنفيذي تحقيقها، وقبل أن يتحملوا هم عبء تكديس الموارد، يقول المنطق بأنه يجب أن تغلق منافذ الهدر الكبيرة التي تسببها العشوائية والتساهل مع الفساد وأدواته المتنوعة..  

الأجور

هل رفع الأجور ضرورة في هذه الظروف المتردية؟

رفع الأجور في سورية ليس مطلباً ترفياً أو مرتبطاً بحالة الأمان والاستقرار كما يظن البعض، لأن الفجوة عميقة بين مستوى الأجور في سورية وبين الحد الأدنى لمستوى المعيشي، فبحساب سابق لحاجة الأسرة السورية من وجبات الغذاء الصحية والاقتصادية فقط، بلغ الرقم 30 ألف ليرة وهذا لأسرة مكونة من خمسة أشخاص..وليقدّر كل منا مستوى ابتعاد أجورنا عن تأمين الحاجات الأساسية التي لا تقتصر على الوجبات الغذائية، لذلك فإن رفع الأجور ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحة، وليست حالة ترفية..

رفع الأجور

لم نقل يوماً بأن الأجور من المفترض أن تُطبع أو تُسحب من الخزائن أومن الدعم لتصبح 30 ألف، أو أقل..

ولكننا أكدنا دائماً أن الأجور خسرت الكثير من قيمتها، مع كل ارتفاع للأسعار، وخسرت مما ربحه الآخرون أي أصحاب الربح، إلى الحد الذي أصبح به الدخل الوطني للسوريين موزعاً بنسبة شديدة «الرسملة» تبلغ %75 للربح، مقابل %25 للأجور، هذه النسبة التي لابد من إعادة حسابها الآن بعد التردي الكبير لمستوى المعيشة خلال الأزمة، هذا التردي الذي تحول بكل  ضغوطاته ونتائجه ومآسيه، إلى أموال مكدسة في خزائن ازدهار الناهبين وسطوتهم..

لم نقل يومأ أن الأجور تُخلق، ولكننا قلنا دائماً أنها يجب أن تُستعاد، سرقت بشكل غير مباشر ويجب أن تستعاد بكل الطرق الممكنة.. أهمها وأكثرها جذرية هو استعادتها بشكل مباشر أي من سارقيها، وذلك بالمحاسبة والمصادرة وفتح ملفات الفساد الموجودة، والمغلقة، وإعادة التوزيع. وهذا أولاً..

 أما لاحقاً فمن الضروري أيضاً إعاقة جميع وسائل الفساد الذي يهدر الموارد، أي قطع منافذه.. والبدء بالتعويض السريع هو الخطوة الأهم، لإعادة الوزن الحقيقي للأجور، و إذا أردنا أن نكون مقصرين بحق السوريين ومنحازين لمنطق الحكومات، فنقول يجب على الأقل منع المزيد من التدهور للأجور، وهذا من الممكن أن يتم بكل الطرق التي تخفف الضغط عن المواطن، وفي مقدمتها ارتفاعات الأسعار، كبح لجام الأسعار العالية هو خطوة أولى لمنع الرشح المستمر نحو أصحاب الربح.

الأسعار وخنق الأجور:

ارتفاعات الاسعار تخنق الأجور، ويجب إيقافها، وهو الأمر الذي لايمكن أن يتم إلا بمواجهة قوى السوق أو منافستها على الأقل، وهي مسألة لا تحل بدعوة التجار إلى الالتزام الأخلاقي، أو تحريك الضمائر، وإنما تتم فقط بجهاز دولة مسؤول ومنحاز للشعب، وقوى الفساد سحبت وتسحب تدريجياً مقدرات جهاز الدولة السوري على المنافسة وعلى القيام بهذا الدور المهم..

 استطاع جهاز الدولة سابقاً أن يكبح السوق، ويحافظ على ثبات نسبي للأسعار أو وتيرة ارتفاع بطيئة في مراحل سابقة، وهذا مرتبط بشكل أساسي بجهاز الدولة الإنتاجي ووجودها كمنتج أساسي في السوق، وكموزع أساسي أيضاً، لاحقاً توقفت الكثير من المنشآت الإنتاجية وتحولت الدولة تدريجياً إلى منتج بدرجة متدنية لكثير من المنتجات، أما في التوزيع فقد تآكلت مؤسسات التوزيع العامة، أو لم تتطور بحيث تستطيع أن تواكب التوزيع الخاص في السوق، والمنتجات الخاصة والمستوردة، فأصبحت مؤسسات هامشية ويدل على ذلك المستوى الضعيف لقدرتها على التحكم..

بالتالي مهما أصدرت الدولة من تشريعات وقوانين لتحديد أسعار السلع أو أرسلت وفود المدققين التموينيين إلى السوق، أو أصدرت نشرات للأسعار، فإن هذا كله إجرائي وغير موضوعي، لأنها خسرت الكثير من وزنها الإنتاجي والتوزيعي..

المازوت وغيره:

لايختلف أحد أن رفع الدعم عن المازوت كان أحد المسببات الرئيسية في تدهور قيمة الأجور السورية، واليوم المازوت مأزوم أي مفقود وسعره يرتفع، تأمين المازوت ضرورة ومنع تهريبه وهدره ضرورة، ومن الممكن أن يحقق رفعه إلى السعر العالمي كما يقال إلغاء السبب الموضوعي للتهريب، ولكن في المقابل ما الذي سيحصل.. ؟

المحروقات في سورية عصب أساسي يدخل في كافة الفروع، ورفعها هو رفع لجميع التكاليف وما يستتبعه من رفع للمستوى العام للأسعار.. لذلك أي رفع يتطلب أعلى مستوى من الدقة والحذر، ويفترض أن يكون حلاً أخيراً، إن لزم الأمر..

لذلك الرفع مرفوض في هذه المرحلة بالذات، والتي من المفترض أن يعلن الاستنفار فيها لمواجهة الطقس التقليدي لتجار الأزمات، برفع الأسعار خلال شهر رمضان.. فالرفع إذا ما تم وأصبح أمراً واقعاً يفترض أن يرتبط بضرب حقيقي لمافيات التوزيع الموجودة في مفاصل جهاز الدولة، وأن يُلحق بتعويض حقيقي وليس تسولي كما حصل في تجاربنا السابقة، وأن يرتبط بتوفير المادة بشكل حقيقي أيضاً، وتحديداً في « كازيات» الدولة، ولو بسعر 23 ليرة، لأن السعر السوقي للمازوت اليوم هو وسطياً 30 ليرة ويصل إلى 40 في أغلب الحالات..

الفساد مصدر الموارد

إشارات الحكومة التي تقول بأن زيادة الموارد تقتضي أن لانرفع الأجور وأن نرفع عوضاً عنها سعر المازوت، تعني انحيازاً أو على الأقل عدم قدرة على مواجهة الفساد، فمن يريد أن يزيد موارد الدولة المتناقصة، عن طريق سحب بقايا الدعم الوهمية فهو يتعامى عن تلال الموارد المكدسة ونهب الفاسدين المعلن ترفاً أمام أعين السوريين، ويلجأ إلى استنفاد كل صبرهم..