أزمة الغاز.. فساد في حلقات التوزيع والمتهم «القطاع الخاص»

أزمة الغاز.. فساد في حلقات التوزيع والمتهم «القطاع الخاص»

يعيش المواطن السوري يومياً ومنذ عدة أشهر معاناة تأمين عدد من المواد الأساسية من مازوت وغاز وفي بعض الأحيان الخبز، دون نسيان الساعات الطويلة دون كهرباء، ما يعني إما البرد أو الحر الشديدين في ظل قلة أو صعوبة توفير البدائل..

الاختناق في أحد القطاعات الهامة فتح الباب لسلسلة من الأزمات التي تتالت نتائجها على معيشة المواطن السوري مؤدية لارتفاع الأسعار في وقت خسر فيه الكثيرون وظائفهم ومصدر دخلهم.

الحديث عن الأزمة يقودنا للبحث عن الفساد المغذي للظروف المسببة لها، وما لا شك فيه أن قطاع المازوت والغاز (النفط عموماً) بقي قلعة حصينة لزمن طويل، إلا أن الظروف الأخيرة فرضت على المعنيين تقديم المبررات والوعود على أمل تهدئة الغضب الشعبي على فلتان زمام الأمور أمام أعينهم والذي تجلى بالكميات الكبيرة التي ضبطت أثناء تهريبها خارج الأراضي السورية، والسعر المرتفع مقابل الحصول على المادة، وبالتالي استنتاج بسيط جداً مفاده توفر المادة لكن بشروط واعتبارات !!!.

أزمة رقابة وليس إنتاج

وعند هذه النقطة يبين رئيس نقابة اتحاد عمال النفط في دمشق علي مرعي أن «الفساد متركز في حلقة التوزيع وخاصة بالقطاع الخاص، حيث يتمتع الموزعون الخاصون بهامش كبير من الحرية لبيع جزء من الاسطوانات للمواطنين، ومن ثم احتكار الكميات المتبقية لبيعها بالسوق السوداء، طبعاً في ظل غياب الرقابة الملقاة على عاتق وزارة التموين التي ألغيت سابقاً لتضم إلى وزارة الاقتصاد، وأعيدت الآن.

مرعي يوضح أن «كمية الإنتاج في السنوات السابقة كانت حوالي 40 ألف اسطوانة غاز يومياً لدمشق وريفها، وعند ازدياد الطلب يرتفع الإنتاج ليصبح حوالي 67 ألف اسطوانة يومياً، وفي الوقت الراهن يصل الإنتاج اليومي إلى 37 ألف اسطوانة، أي أن الفارق ليس بكبير حتى تكون الأزمة بهذا الشكل».

ويتابع مرعي قوله «إلا أن كافة الدلائل تقود إلى فساد القطاع الخاص بمعظمه فضلاً عن تساهل وزير النفط السابق (سفيان العلاو) معهم، وعدم سحب تراخيص المراكز الخاصة عند إساءة الأداء، وهذا وضع قطاع المازوت وسبب الأزمة فيه أيضاً»، مشيراً إلى أنه «لا شك أن العقوبات والحصار الاقتصادي على سورية لها دورها في صعوبة تأمين السائل اللازم لإنتاج الغاز، وبالتالي انخفاض عدد الأسطوانات المنتجة، إلا أن الثغرة الأكبر تكمن في حلقة التوزيع وجشع القطاع الخاص».

أما عن عدم وجود إستراتيجية أو آلية لتعويض النقص في الإنتاج، بين مرعي إنه «كان من الممكن الاستغناء عن الاستيراد لو تم بناء مصاف للنفط، لكن مثل هذا المشروع بحاجة لموافقة وزير النفط الذي لعب دوراً في إعاقة هذه المشاريع، ولم يقدم أية تسهيلات في هذا الاتجاه،  ولم يضع إستراتيجية لمواجهة مواسم الطلب المتزايد على المادة سواء الغاز أو المازوت».

وأوضح خبراء حول الاستمرار عشرات السنين بتصدير النفط كمادة خام بأسعار زهيدة، ثم شراء مشتقاته المصنعة بمليارات الليرات، أن الحل يكون ببناء مصفاة نفط ثالثة، لتصنيع ما كميته 150 ألف برميل نفط يومياً كانت تصدر قبل العقوبات الحالية.

وكان مبرر رفض إنشاء مصفاة ثالثة، ارتفاع الكلفة الاقتصادية، فقد قدرت بعض الدراسات كلفة إنشاء مصفاة نفط بنحو 1.5 مليار دولار، في حين تشير بعض الإحصاءات إلى أن قيمة المستوردات السنوية بمليارات الليرات (تبلغ قيمة المستوردات من المازوت نحو 60 مليار ليرة، ومن الغاز نحو 15 مليار ليرة، ومن الكيروسين وقود الطائرات ما قيمته نحو 10 مليارات ليرة).

أسطوانات غاز وماء بـ1500 ل.س

وردت إلى قاسيون شكاوى من حالات تضررت نتيجة التعامل مع القطاع الخاص في ذات سياق الإشكالية التي تطرق إليها رئيس نقابة اتحاد عمال النفط في دمشق (فساد القطاع الخاص في حلقة التوزيع)، إلا أن ما وصلنا تعدى حدود الاحتكار والبيع بسعر زائد، إلى إنشاء مراكز خاصة لغش اسطوانات الغاز وتعبئتها بالماء إلى حد النصف تقريباً...

حيث تحدث محمود.خ أحد المواطنين القاطنين في منطقة دف الشوك عن تجربته مع أحد الموزعين غير المرخصين في ذات المنطقة، قائلاً «قمت بشراء اسطوانة غاز من شخص معروف بامتلاكه مستودع لاسطوانات الغاز، ودفعت 1500 ليرة ثمناً لها، إلا أنها لم تكفني لأكثر من 15 يوماً، بعد أن كانت تكفي شهراً ونصف الشهر فيما مضى، واكتشفت لاحقاً أن الاسطوانة مغشوشة بالماء».

محمود لم يكن الوحيد الذي وقع ضحية الجشع، فقد دفعت أم سمير، من ذات المنطقة، 1700 ليرة سورية ثمناً لاسطوانة الغاز، بعد عدم قدرتها على تأمينها من مركز معتمد وبالسعر الرسمي، إلا أن الحال لم تختلف والاسطوانة توقفت عن العمل بعد 15 يوماً.

خلدون.خ بدوره واجه موقفاً مشابهاً لما ذكرناه، وكان ضحية أخرى تضاف إلى شريحة واسعة من المواطنين الذين قبلوا بالتكلفة المرتفعة في سبيل تأمين حاجتهم من مادة الغاز لكن الجشع كان أكبر من أن يؤمن حاجتهم ويكتفي بما يربحه...

مستودع الغاز الذي قصده المواطنون في منطقة دف الشوك، وحسب معلومات وردت إلى قاسيون من سكان المنطقة الذين يعانون من رائحة الغاز على مدار اليوم ومن قبل بدء الأزمة، يقع في حارة مسدودة، ويقوم بتشغيله اثنان أحدهما يملك المستودع.

وتتم آلية العمل حسب وصف الأهالي، بأن سيارة مغطاة بشادر تأتي يومياً وتفرغ حمولة كبيرة تصل إلى أكثر من 500 اسطوانة، نصفها فارغ والآخر مليء، تفرغ الاسطوانات الممتلئة داخل المستودع بأجهزة خاصة وينقل الغاز إلى الاسطوانات الفارغة، بينما يتم تعديل الوزن بإضافة الماء، ثم تحمّل الاسطوانات وترسل إلى وجهات عدة، تمكنا من معرفة أحدها وهو مركز خاص مرخص لتوزيع الغاز في ذات المنطقة ويبعد حوالي 200م عن المستودع المذكور.

ويوجد في دف الشوك أربعة مراكز مرخصة، اثنان منهما صغيران مخصصاتهما حسب الترخيص  40 اسطوانة يومياً، يوزعون بعضها على الدور والقسم الأكبر بـ 1500 ليرة، والمركزان الآخران كبيران مخصصاتهما 100 – 120 اسطوانة يومياً ويعملون بنفس الطريقة، حسب ما ذكره الأهالي في تلك المنطقة.

وحسب الأهالي، فإن بعض الزبائن يأتون بشكل متكرر ومنتظم للحصول على الاسطوانات، حيث يتراوح سعر الاسطوانة بالجملة من 1200 إلى 1400 ليرة، وبالمفرق من 1500 إلى1800 ليرة حسب الزبون.

ومن المعلوم أن عدد مراكز توزيع الغاز الحكومي المباشر في المحافظات يبلغ 53 مركزاً، دون حساب مراكز الجمعيات التعاونية والمؤسسة الاستهلاكية والخزن والتسويق، في حين يبلغ عدد المرخصين الخاصين في سورية 11 ألف موزع، كما يوجد في سورية 12 مركزاً لتعبئة الغاز المنزلي.

كما يبلغ استهلاك سورية اليومي من الغاز المنزلي ما بين 3 آلاف و3500 طن، ووصل إجمالي الاستهلاك السنوي إلى 900 ألف طن، تستورد سورية منها 500 ألف طن، بعد توفير 400 ألف طن من المصادر المحلية.