التسويق «لوجه الليبرالية».. القديم الجديد

التسويق «لوجه الليبرالية».. القديم الجديد

بعد أن وجد الحل السياسي طريقه إلى سورية، في معركة «كسر العظم» التي أنتجت التوافق الدولي، بدأت الأجندات الأخرى طويلة الأمد، بالظهور والعمل..

ونقصد هنا أجندات تؤسس لأرضية هشة للدولة السورية والتي تعتبر الحل السياسي فترة تمهيدية للتأسيس لمقدمات ولادة مستوى أعلى من التوتر الاجتماعي والسياسي والوطني، الذي يزيد من إمكانيات التفتيت بالحد الأقصى والبرلمانات الطائفية بالحد الأدنى، والمزيد المزيد من التوتر االاقتصادي الاجتماعي السياسي.

أصحاب الأجندات في الظل..

 يترفع وجوه هذه الأجندات ظاهرياً عن الدخول في «لجّة» العمل السياسي وأخذ مواقف في الأزمة السورية ويلاحظ ذلك لدى كبار الفعاليات الاقتصادية السورية التجارية والمالية، التي تلتزم «الصمت السياسي» بينما تمتلك مواقف في السياسة الاقتصادية غير معلنة وشديدة الوضوح و»الأدلجة» تجعلها تنتظر لحظة الحل السياسي لتمارس تأثيرها الرئيسي على التوجهات الاقتصادية مستغلة لحظة الفراغ والفوضى، ولحظة تحاصص القوى المتصارعة التي تتوافق مصالحها تماماً مع أجندات تهميش جهاز الدولة وبناء الاقتصاد الوطني وفقاً للمصلحة العامة.

العنوان العريض لهذه الأجندات هو الليبرالية الاقتصادية، ويساعدنا اعتماد الوجوه الليبرالية ذاتها ما قبل الأزمة ومن داخل جهاز الدولة، وما بعد الأزمة وتمهيداً لما بعد الحل السياسي ومن المنظمات الدولية على توضيح أهداف ونتائج هذا التوجه..

 «الدردري» النائب الاقتصادي السابق وراعي الليبرالية الاقتصادية خلال عقد مضى ما قبل الأزمة، هو اليوم قائد فريق من الاقتصاديين السوريين تابع للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا( التي يشغل الدردري منصب «كبير الخبراء الاقتصاديين» فيها.. حيث يعكف هؤلاء على صياغة «الأجندة الوطنية من أجل مستقبل سورية» والتي تركز على إعادة إعمار سورية ما بعد الحرب.

وعلينا أن «نتعوذ ونتبسمل» من هذا الاعتكاف الذي نستطيع أن ندرك اتجاهاته ومنطقه من خلال كبير خبرائه نائبنا الاقتصادي السابق، الذي يُجمع فقراء السوريين ومنتجوها وفعالياتها الاقتصادية والصناعية تحديداً على الآثار الكارثية لحقبة «العمل الليبرالي الجاد» الذي أثمر نتائج اقتصادية واجتماعية على مستوى الأزمة السورية..

خمسة أعوام وأكثر من «Dardarism»..

شكلت عقود الخطة الخمسية العاشرة التي قادها الدردري مع شعار «اقتصاد السوق الاجتماعي الليبرالي» لحظة «تثمير» كبرى لقوى الفساد متنت فيه أدواتها وأسست لأرضية من المهمشين والتراجع الاقتصادي وهيمنة قوى المال داخل جهاز الدولة وخارجه كانت الحد الفاصل لانفجار الاحتقان الشعبي المتراكم أولاً ولتشويهه ونقل الصراع إلى دائرة العنف والدمار ثانياً..

فالخطة والنهج الذي استهدف في أوقات «السلم والازدهار»نمو 7% حقق تراجعاً إلى 3% عام 2010، مع تراجع مساهمة الزراعة في الناتج بمعدل 6%، والصناعة 2%..

والدردي الذي أعلن هدف تراجع الفقر بنسبة 20 إلى 30% حققت حصيلة نموذجه فقراً بنسبة 44% من السوريين وفق الحد الاعلى للفقر، وتراجعت قدرة الاقتصاد السوري على خلق فرص العمل ليبلغ معدل 0,3% نمو فرص العمل السنوي فقط. بينما توقف نمو الأجور الحقيقية في عام 2006 عند مستوى 8000 ل.س ليتراجع بعدها في عام 2010 بينما وصل الإنفاق الضروري للأسرة 25 ألف ل.س. لتصل نسبة 20% من الأسر السورية تنفق أقل من الحد الضروري من الإنفاق على الغذاء بالسعرات الحرارية الضرورية، أي لا تستطيع تأمين الغذاء بالحد الضروري الأدنى.. ورافقت هذه المرحلة تغيرات نوعية في المجتمع السوري شهد أعنفها الريف حيث تشير الأرقام إلى أن العمالة في الريف شهدت ثلاث صدمات سريعة وكبرى خلال تسع سنوات أدت إلى تراجع نسبة مشاركة الريف في العمالة من 58% إلى 41%، وكان آخرها بين 2007-2009 بتراجع بنسبة 5 نقاط مئوية، مع ما يعنيه هذا من تغير كبير وأشبه بالصدمة في طبيعة الاستقرار الريفي وموجات من الهجرة والبطالة والتهميش كانت نتائجها النهائية في مهمشي الأزمة السورية ممن شكل اضطهادهم السابق بوابة العنف اللاحق...

دمار «إعادة الإعمار»

هذه المراجعة ضرورية لمعرفة حجم الضرر والفشل الليبرالي الذي كان الدردري أحد عناوينه ومسوقيه، وضرورية في اللحظة الراهنة عندما يعود هؤلاء على دماء السوريين التي بذلوها للوصول إلى الحل السياسي ليضعوا أجنداتهم لإعادة الإعمار.. التي لخصها الدردري خلال مقابلة أجراها من مدة قريبة بقروض البنك الدولي وبقبول شروطه (مع العلم أن شروط الإقراض كانت بشكل دائم مرافقة لنشر النيوليبرالية الاقتصادية) التي يقول الدردري بأن السوريين أصبحوا ملزمين بقبولها، بعد أن فقد اقتصادهم عناصر قوته..

أجندات «العنف الاقتصادي» على طاولة الحل السياسي تحضر فعلاً لليوم الأول لما بعد الأزمة، والمطلوب من القوى والفعاليات الاقتصادية الوطنية أن تحضر أجنداتها المقابلة، وتحديداً في ملف إعادة الإعمار الذي يفترض أن تكون أولى معالمه الواضحة تشكيل هيئة سياسية وطنية تضم تمثيل سياسي شامل لتكبح تلقائياً أحادية الأجندات والجهات الداعمة و»تفلتر» المساعدات والقروض من الأطراف التي تهيء قواها بالداخل بشكل جيد للتكيف مع الشروط.. لتتحول عملية إعادة الإعمار إلى إعادة إنتاج مسببات الدمار..