ليس التجار فقط ...«الكل» مدان بهدر القطع

ليس التجار فقط ...«الكل» مدان بهدر القطع

أصدر المصرف المركزي في سورية تعميماً لجميع المصارف المسموح لها التعامل بالقطع الأجنبي بالتريث حالياً بمنح أي قروض أو تسهيلات ائتمانية مباشرة جديدة بالليرات السورية لأغراض تمويل المستوردات (باستثناء السقوف الائتمانية غير المستغلة وغير القابلة للإلغاء) بدءا من تاريخ إصدار التعميم (الصادر في 6/8/2013) وحتى إشعار آخر.. ..

وذلك بناء على توسع المخالفات التي يرتكبها بعض المستوردين الوهميين الذين يستخدمون عملية تمويل مستورداتهم بالقطع الأجنبي من البنك المركزي للمضاربة على الليرة السورية

التخبط سيد الموقف
يقوم البنك المركزي بتمويل المستوردات عن طريق منفذين أولهما المصارف العاملة في سورية، أما المنفذ الثاني فيتمثل بشركات ومكاتب الصرافة، وبكلتا الحالتين فإن الاحتياطي من القطع الأجنبي الذي يزود البنك المركزي الجهتين به هو مصدر عملية التمويل.
منذ بداية بدأت سلسلة قرارات غير واضحة للمركزي تقيد تمويل المستوردات ولا توضح آلية التقييد أو منهجه، ليعلن مرة عن استمرار تمويل المستوردات الأساسية (الغذائية والأدوية فقط)، ويضاف إليها لاحقاً مستلزمات الإنتاج، ليعود المركزي ويصرح عن تقييد كمي للمستوردات، في جملة من القرارات غير الواضحة التي أنمت عن عمليات تمويل انتقائية للمستوردات والمستوردين..
التمويل باب تهريب القطع
لم تخف وزارة الاقتصاد سابقاً أو البنك المركزي الآن السبب من وراء تقييد تمويل المستوردات، بل ربطته بوضوح بحقيقة استغلال عملية التمويل من بعض التجار الوهميين للحصول على القطع والمضاربة به بالسوق أو تحويله إلى الحسابات الخارجية..
وفي هذا الكثير من الحقيقة فعملية حصول التجار على القطع من المنفذين (الصرافة والمصارف) هي المنفذ الرئيسي لتحويل كميات كبيرة من القطع الاجنبي إلى السوق، حيث يحصل التجار على تمويل لمستورداتهم بالقطع الأجنبي من المركزي عبر المنفذين، وذلك مقابل تقديم بيانات جمركية تفيد باستيراد هذه المواد بالكميات والقيمة ذاتها خلال مدد محددة، وقد يقوم التجار الوهميون بتزوير البيانات وعدم استيراد سلع بكميات تكافئ المبلغ المأخوذ من القطع ليقوموا باستخدام القطع الأجنبي بشكل آخر.
إلا أن العملية التي تتم عبر المنفذين وتمر بالبنك المركزي بشكل مؤكد تختلف إجراءاتها من حيث مرونة الحركة للتجار المستوردين بين مكاتب وشركات الصرافة من جهة، وبين المصارف العاملة من جهة أخرى.. وتفاصيل الإجراءات تخفي شيئاً..
بين المكاتب والمصارف ..                 أوقفوا المصارف!!
وفق القرار رقم (1515) الصادر بتاريخ 16/10/2011 والذي يصدر تعليمات تمويل المستوردات من المصارف العاملة يتضح بأن كل عمليات التمويل يفترض أن تتم وفق بيانات وكشوفات جمركية يجب أن تصل بكمية وقيمة المواد المخلصة لمصلحة التاجر الممول، وعلى قسم الاستيراد في مصرف سورية المركزي أن يقوم بتدقيق المبالغ المحولة ويطالب المصرف المعني بالقيمة المطلوبة.
أما بالنسبة لشركات ومكاتب الصرافة فبموجب القرار رقم (1352/ل.أ) الصادر بتاريخ  10/10/2012 عن مصرف سورية المركزي والذي يتضمن تعليمات بيع القطع من مكاتب وشركات الصرافة يظهر أن شركة الصرافة هي الملزمة بمراقبة العملية أي بطلب الوثائق كافة من التاجر وتدقيقها حيث يفترض أن يقدم لها صاحب السجل التجاري نسخة عن فاتورة شراء المواد المستوردة، وصورة عن البوالص الواردة الخاصة بعملية الاستيراد، ولديه مدة شهرين من تاريخ البيع ليقدم الشهادة الجمركية الأصلية التي تثبت تخليص البضاعة لدى الجمارك والمدة قابلة للتمديد باستثناء من المركزي، وتحصل شركة الصرافة على تأمين فقط بنسبة 5% لضمان تقديم البيانات الجمركية إلى الشركة وعليها أن تقدم كشف إلى المصرف المركزي وعلى الشركة أو المكتب أن يقوم بتدقيق البيانات المدونة في الشهادة الجمركية بعد وصولها، ومطابقة بياناتها (أي كميات المواد المستوردة ونوعيتها بالمقارنة بالمعلومات التي حصل المستورد على القطع بموجبها). اما في حال عدم قيام المستورد بتقديم البيانات الجمركية خلال مدة شهرين وبعد التمديد فإن الإجراءات تكون إلزام المخالف بإعادة القطع الأجنبي دون عقوبة أو مخالفة.
تتحمل الشركة مسؤولية  أن تقدم المبلغ أو ما يعادله بالقطع إلى المصرف المركزي إلى أن يقدم المستورد البيانات الجمركية المطلوبة، لتحرر بعدها أموال شركة الصرافة من المصرف المركزي مع مبلغ خصم. بينما يفرض على العميل المتأخر غرامة (5% + libor).
إذاً مجمل الإجراءات القانونية تشير إلى أمرين :
مستوى التشديد في حالات التمويل من المصارف أكبر نظراً لارتباطها بشكل مباشر بالجمارك السورية والمصرف المركزي، بينما في شركات الصرافة فإن الشركات والمكاتب تتحمل جزءاً هاماً من عملية مراقبة المستورد الممول وبياناته، وتقدم تسهيلات أكبر لحركة المستورد وآجال زمنية أطول البيانات الجمركية تأتي لاحقة لعملية بيع القطع الأجنبي والغرامات المترتبة غير عالية.
في كلتا الحالتين فإن المصرف المركزي يتحمل مسؤولية هامة في تدقيق البيانات ومتابعة المستوردين الممولين من القطع الأجنبي لأنه وقانونياً يفترض أن تصل الكشوفات والبيانات إلى المصرف ليقوم  بعملية التدقيق النهائية في كلتا الحالتين.
التعميم المتحيز
تعميم المصرف المركزي الأخير يقيد قيام المصارف العامة بعمليات تمويل المستوردات بينما لا يقيد قيام شركات الصرافة بهذه العملية، ولا بد أن أغلب التجار المستوردين والمخالفين منهم تحديداً يحصلون على قطعهم الأجنبي لتمويل المستوردات من شركات الصرافة نظراً لسهولة الإجراءات ومرونة التعامل المحددة قانوني.. ليتضح أن الهدف من عملية التعميم لا يحقق بالحد الأدنى إلغاء عمليات تمويل المستوردات التي يهرب القطع بموجبها، وهو تراجع عن الخطوة الضرورية التي كانت مطلوبة وهي قيام المركزي بتقييد تمويل المستوردات والتدخل بالقطع الأجنبي في السوق بالمصارف نظراً لكونها أكثر ضبطاً وأعمالها أكثر وضوحاً.
أوقفوا التساهل المفضوح
يحمل المركزي اليوم مسؤولية ما يعلن عنه من مخالفات كبيرة وحالات تمويل مستوردات وهمية من تجار وهميين، نزراً لكونه يسهل الإجراءات من خلال الاستمرار بتمويل المستوردات من شركات ومكاتب الصرافة من جهة، ولكونه لا يدقق بما يكفي في البيانات التي يفترض أن توضح وصول البضائع المستوردة بالكمية والنوعية والقيمة نفسها التي حصل التاجر على القطع الاجنبي لاستيرادها.. فإما أن المركزي لا يدقق في كون هذه البيانات مزورة أو أنه يتساهل في تمديد فترات الحصول على البيانات، لانه قانونياً يفترض أن يحصل من الشركات أو من المصارف قيمة التمويل التي قدمه في حال الامتناع عن السداد..
يفترض اليوم أن تصدر تعمليات دقيقة بالعمليات التجارية التي من الممكن تمويل مستورداتها وحصر العملية بالمصارف عوضاً عن التعميم المذكور، هذا إذا ما كانت عملية تمويل المستوردات ضرورية بحد ذاتها، حيث تثبت المعلومات بأن أغلب المواد الممولة لا تخفض أسعارها جدياً في السوق وتبقى خاضعة لتقلبات سعر الصرف، وإذا ما قورنت كميات كميات القطع الأجنبي «المهدورة» على تمويل مستوردات تجار قادرين على الحصول على القطع الأجنبي من حساباتهم الخارجية وغير ملتزمين بتخفيض جدي للأسعار في حال تمويلهم، فإن المبالغ المهدورة كان من الممكن أن تؤمن مستوردات حكومية أو دعم لمواد رئيسية يغطي عامي الأزمة وما يليها.
بلغ إجمالي تمويل المصرف المركزي لمستوردين وشركات استيراد رئيسية مبلغ 96,604 مليون يورو موزعة على 34 مستورداً فقط ومن ضمنها شركات مختلفة لمجموعات تجارية وصناعية كبرى تعود ملكيتها لأشخاص محددين.