ثمة شعبٌ كهذا
لم تعرف الأم بماذا تجيب طفلتها ذات ثلاث السنوات العائدة من الروضة وهي تظهر لأمها «أحسنتِ» كبيرة بالأحمر نالتها من مشرفتها لأنها لوّنت علم فلسطين، عندما سألتها فجأة وبنبرة بريئة: «ماما، كل الأطفال بيموتوا ولّا بس الأطفال الفلسطينيين؟.»
لم تعرف الأم بماذا تجيب طفلتها ذات ثلاث السنوات العائدة من الروضة وهي تظهر لأمها «أحسنتِ» كبيرة بالأحمر نالتها من مشرفتها لأنها لوّنت علم فلسطين، عندما سألتها فجأة وبنبرة بريئة: «ماما، كل الأطفال بيموتوا ولّا بس الأطفال الفلسطينيين؟.»
إذا كانت الحروب تظهر الوجوه الحقيقية للبشر فإن معركة غزة اليوم أظهرت الوجوه والقلوب ومعادن الناس أيضاً، إنها مثل ورقة عباد الشمس. تعددت وجوه المعركة وعلى أكثر من محور، فهي حرب عسكرية وسياسية وإعلامية وإنسانية وأخلاقية.. إلخ. ويطول النقاش في كل محور على حده.
يسطر الفلسطينيون اليوم ملحمة تاريخية، يكتبونها بدمائهم وحجارة بيوتهم. ويؤسسون لمرحلة جديدة في الصراع، على المستوى الإقليمي، والمباشر بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.
يمكن للمرء أن يكتب صفحات عن القهر الذي يعيشه ويشعر به غالبية السوريين، لأن حزناً نما خلال فترة طويلة في عظام الناس، وأصبحت له تقاليده وكلماته الخاصة. يتفرد فيه الفقراء بالمأساة: العيش تحت خط الفقر بأمتار، خبز رديء، طوابير من الناس يهدرون يومهم للحصول على حاجتهم الأساسية من خبز وغاز ومساعدات.. العيش في العتمة والمرض، وأشكال أخرى من القهر..
يرسم غسان كنفاني في أعماله الأدبية ومقالاته صورة واضحة وجلية للمكان، ليصبح أحد أبطاله المهمين، «اللا مرئي» ولكن «لا غنى عنه» في النص، مَثله في ذلك مَثل الذاكرة، بطل آخر، يتفنن كنفاني في رسمه وتوظيفه للقضية التي يناضل من أجلها. يفعل ذلك بذكاء سياسي وطني محنك ومهارة أديب وفنان قل نظيره.
على موائد الغالبية العظمى من السوريين تتقلص الأنواع والكميات المقدمة في الوجبة الواحدة، وتنسحب بعضها شيئاً فشيئاً لتختفي قسرياً وبشكل نهائي رغم محبة أفراد العائلة لها! ورغم شهرتها الواسعة بالغنى والتنوع، فالمائدة السورية لم تشتهر بتعدد أصناف الطعام وتنوعها فحسب، بل بتقديمها مأكولات لذيذة وشهية وبنكهاتها المتنوعة والمختلفة، يشهد لها بذلك غالبية متذوقيها من غير السوريين.
يكاد لا يمر يوم لا تنقل فيه الأنباء خبراً أو أكثر عن جريمة وقعت هنا أو هناك في مختلف المحافظات السورية، وتتزايد وتيرة هذه الأخبار شيئاً فشيئاً وصلت إلى درجة لافتة ومخيفة في مجتمع عانى ما عاناه من ويلات أزمة وحرب كارثية استمرت إلى سنوات وكادت من فرط شدتها أن تكون من أسوأ الكوارث في الوقت المعاصر.
تعصر الأم ذهنها، جاهدة ومستخدمة كل ما لديها من طاقة وقدرة على التفكير «آجار البيت، مصروف الأكل، ثمن أدوية الزوج وو..»، والطفلان يجب أن يدرسا مهما كلف الأمر! ولكن حسابات الحقل والبيدر لا تكفي، تستنجد بزوجها علّه يساعدها في الإجابة على هذا السؤال المتكرر اللعين: «ماذا يجب أن نفعل؟ راتبي وراتبك من الشغلين ما بيكفوا، عصرت مخي وما طلع معي شي»، يحك الرجل المنهك من التعب رأسه: «لا أعرف..»
يعتقد كثيرون أن الصين ذلك البلد البعيد، في أقاصي الشرق مغلق على نفسه وعصي على الفهم. ومن أهم أسباب هذه الفرضية هو الموروث الثقافي الرمزي المرتبط بالمكان وبعده، فوجود الصين بأقصى الشرق هناك «حيث لا بلاد بعدها» ترك انطباعاً سجله كثير من المؤلفين والكتّاب بأن العالم ينتهي هناك، إضافة إلى الرمزية التي يحملها سور الصين العظيم، وصعوبة اللغة الصينية وبالتالي صعوبة الحصول على معرفة متكاملة عن ثقافة هذا البلد.
تكمن المسألة الأساسية في عدم فهم وإدراك الكثير من الناس لحقيقة الأزمة وأسبابها وما أنتجه انفجارها لاحقاً ووصولها إلى هذا الحد غير المسبوق، في طريقة التفكير التي يتناول بها هؤلاء المشكلة وطرق معالجتها، باعتمادهم النظرة الجزئية للتحليل ومواجهة المشكلات الجزئية اليومية بعيداً عن الوعي بأطرها الكلية. حيث باتت هذه الطرائق من التفكير تمثل أزمة فوق الأزمات وعاملاً من عوامل إنتاج المشكلات. فيكون مثلاً السياسي منقطع الصلة عن الاقتصادي الاجتماعي، وأيضاً الثقافي منقطع عن الاقتصادي والسياسي.. إلخ. ولذلك تتوه التحليلات في الجزئيات الصغيرة بعيداً عن فهم ومعرفة أبعاد الظاهرة المتنوعة والمتعددة.