د.أسامة دليقان
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أعلنت حكومة الاحتلال الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو وبن غفير ذات التركيبة الأشدّ تهوّراً وإجراماً، توسيعَ الاستيطان في رأس أولوياتها، بما في ذلك عودة المستوطنين لمستعمرات أخليت منذ 2005، وخاصةً شمالي الضفة. فإذا كانت مقاومة الشعب الفلسطيني بكل أشكالها وخاصةً العمليات الفدائية، قد تصاعدت عام 2022 لمستويات نوعية وغير مسبوقة منذ سنوات، وإذا كان الاحتلال يواصل تخبّطه من فشل أمني إلى آخر في حماية مستوطنيه وثكناته من عمليات المقاومة، لدرجة ظهور دعوات «الهجرة العكسية» لمستوطنين يريدون الهرب من «إسرائيل» بالآلاف، وإذا كان الاحتلال لا ينجح سوى بارتكاب مزيد من الجرائم وقتل الأطفال والعزّل، ويفشل في إنهاء «أمواج» المقاومة بعمليته «كاسر الأمواج» التي طالت إخفاقاتها وباتت محلّ سخرية في الأوساط «الإسرائيلية» نفسها – فهل يتوقّع نتنياهو وحلفاؤه نتيجةً مختلفةً عن «انقلاب السحر على الساحر» إذا هم رفعوا مستوى استفزاز الفلسطينيين باستيطان أوسع وهروب إلى «الأمام»؟
في 13 من كانون الأول الجاري 2022 عقد فريق حكومي من 5 مسؤولين من وزارتَي الطاقة والحرب الأمريكيَّتين مؤتمراً صحفياً لإعلان «خرق علمي تاريخي» في مجال طاقة الاندماج النووي، لخّصه مارف آدم نائب مدير البرامج الدفاعية في البنتاغون، وهو يحمل بيده أسطوانة صغيرة بشكلٍ احتفالي، بالقول: إنّ تجربة في 5 ديسمبر الجاري في مختبر «لورانس ليفرمور الوطني» على كبسولة كهذه تحوي وقوداً اندماجياً أجريت؛ بإدخال حوالي 2 ميغاجول من طاقة الليزر لإنتاج حوالي 3 ميغاجول من طاقة «اشتعال الاندماج النووي» ممّا يعني «لأول مرة بالتاريخ الحصول على طاقة ناتجة أكثر من الداخلة». لكن في المؤتمر نفسه كشفت الفيزيائية الأمريكية كيمبرلي سوزان بوديل (Kim Budil)، وهي مديرة المختبر نفسه الذي تمّت فيه التجربة، عن كمية الطاقة الكهربائية المستهلكة لتشغيل التجربة كلّها: «يحتاج الليزر حوالي 300 ميغاجول من الطاقة من الحائط (كهرباء) لتقود إلى 2 ميغاجول من طاقة الليزر، والتي قادت إلى 3 ميغاجول من حاصل الاندماج». وهذا يعني اعترفاً بأنّ «التجربة التاريخية» خسرت 99% من الطاقة المصروفة عليها، والكفاءة الحقيقية لهذه التجربة 1% فقط!
سيكون تضييقاً لحدود وأهمّية الحرب المتصاعدة على الجبهة الإعلامية اليوم بين «المعسكرين» لو تم اختزالها بأنها تعبير فقط عن الاستقطاب بين «قوّتين عظميين» أو «دولتين» هما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتصويرها كمجرّد صراع إيديولوجي لـ«تحاصص نفوذ بين متنافِسَين متماثلَي الأهداف» سينتهي بـ«صفقة» تعيد الأمور إلى «مجاريها السابقة»، فوجهة نظرٍ كهذه تتجاهل المنعطف التاريخي الحادّ والهائل الذي تشهده البشرية جمعاء اليوم وانقلاب العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية و«الزلزال» المرافق له في الوعي الجماعي، وهو ما يتكثف توصيفه المرحلي بالانتقال من عالَم «الأحادية القطبية» الآفل إلى عالَم «التعددية القطبية» الجديد أو حتى «اللا-قطبية». فالمسألة تتعلّق بالعمق باستنفاد ذروة المنظومة الإمبريالية الرأسمالية عالمياً لآخر مبرّرات وجودها بعد تلك العقود القليلة التي كان ما يسمح لها بالاستمرار هو فقط بقايا عطالتها غير المكبوحة بمقاومة كافية بعد تراجع وتفكك الاتحاد السوفييتي، وهو ما بدأ يتغيّر جذرياً منذ سنوات. دون هذا الأساس المادّي للصراع العالمي المحتدم حالياً لا يمكن إدراك مغزى معاركه وأدواته على مستوى البنيان الفوقي أيضاً؛ ومنها الحرب الإعلامية والفكرية والنفسية بين «المعسكرَين» الرئيسيَّين اليوم.
أكملت الصين منذ فترة وجيزة بنجاح إرسال ودمج آخر الوحدات المكونة لمحطتها الفضائية، وصرّحت رئيسة هيئة أركان القوى الفضائية الأمريكية بأن التقدم السريع في القدرات العسكرية الصينية يشكّل مخاطر متزايدة على التفوق الأمريكي في الفضاء الخارجي. يزداد فهمنا للخوف الأمريكي إذا علمنا أن العمر الافتراضي لمحطة الفضاء الدولية الحالية التي تشارك فيها الولايات المتحدة مع روسيا وبلدان أخرى على وشك الانتهاء عام 2024، وسط التوتر الهائل مع روسيا واحتمالات العجز الأمريكي عن مواصلة مشاركتها بها، وقد تتفاقم عزلة أمريكا فضائياً إذا واصلت سياستها الحالية بحظر التعاون بين وكالة ناسا والصين.
أعادت جريمة الاحتلال الجديدة بإعدام شاب جريح أعزل في حوارة قرب نابلس، تبديد الوهم بوجود معسكر «للمعتدلين» وآخر «للمتطرّفين» في كيان الاحتلال، واضطرّ حتى داعمو «إسرائيل» الغربيون، كواشنطن والاتحاد الأوروبي، للتعبير عن قلقهم – عليها بالطبع – من عواقب جرائمها، حيث قتلت 10 فلسطينيين، 7 منهم مدنيون خلال أقل من 80 ساعة. وأعادت جريمة إعدام الشاب عمّار مفلح التأكيد على أن هذا الكيان تجاه الدم الفلسطيني ينحّي خلافاته الثانوية جانباً ويشجّع الممارسات الفاشية لقواته ومستوطنيه، فليس «بن غبير» وحده الذي تفاخر بالجريمة الشنيعة الموثقة بالصوت والصورة الجمعة، بل واصطف معه وزير حرب الاحتلال بيني غانتس رغم خلافات سابقة بينهما فضلاً عن قائد شرطته. أما المطبّعون والمنسّقون أمنياً مع الاحتلال، فيوغلون في سقوطهم؛ ففي مطلع الشهر تم استقبال بن غبير بحفاوة وعناق في سفارة الإمارات لدى الاحتلال، ووسط نزيف دماء الشهداء، استقبل ملك البحرين الأحد رئيس كيان الاحتلال، أما أجهزة سلطة أوسلو الأمنية فتواصل اعتقال وتعذيب مقاومين مطارَدين رغم قرار قضائي بالإفراج عنهم مما دفع ثمانية منهم للإضراب عن الطعام.
كتب إنجلس عام 1885 أنّ «تقدّم العلوم الطبيعية النظرية» والثورة التي تشهدها تدفع «حتى أكثر التجريبيين تشدداً للإدراك المتزايد للطابع الديالكتيكي لعمليات الطبيعة». ومن الأمثلة العديدة على ذلك، ذكر: «التوصل إلى تحويل آخر الغازات «الحقيقية» إلى سوائل»، وإمكانية تحويل المادة إلى وضع «لا يمكن فيه التمييز بين الشكل السائل والشكل الغازي» بحيث فقدت حالات تجميع المادة «البقية الباقية من طبيعتها المطلقة السابقة». وبالفعل يشهد على ذلك تاريخ تحويل الغازات إلى سوائل منذ فاراداي وحتى إسالة الغاز الطبيعي، واستخدام الهيدروجين والأوكسجين السائلَين وقوداً لصواريخ الفضاء.
تأتي عملية المقاومة الفلسطينية بالتفجير المزدوج في القدس، الأربعاء 23 تشرين الثاني الجاري، الذي قتل فيه «إسرائيلي» على الأقل مع جرح قرابة عشرين آخرين، بشكل زلزال غير مسبوق منذ سنوات طويلة، لتشكل تحوّلاً نوعيّاً جديداً لن يكون ما يليه كما سبقه. وما زال الاحتلال عاجزاً حتى عن الإمساك بطرف خيط ذي جدوى للوصول للمنفّذين، يحفظ به ماء وجه منظومته الأمنية التي مُرِّغَ أنفها مجدداً، كما جاءت العملية عبر عبوات يتم تفجيرها عن بعد وفي مكانين بشكلٍ منسّق، وباعتراف الاحتلال، ليدلّ على تنظيمٍ عالٍ في التصميم والتحكم والتنفيذ، ما جعل العدو ومستوطنيه حتى الآن بحالة ذعر متواصلة على طول الأيام الثلاثة الماضية؛ التي شهدت على سبيل المثال قيام مستوطن بقتل مستوطن آخراً رمياً بالرصاص شرق القدس يوم الخميس، بسبب ما قيل في البداية إنّه رعبه من أن يكون فلسطينياً يريد تنفيذ عملية، قبل أن يغيّر الاحتلال رواية السبب، كما وردت مئات الإنذارات حول «أجسام غريبة» في القدس لوحدها، مع هروب جماعي للمستوطنين من مركز تسوّق يوم الجمعة، للاشتباه بوجود «عبوة»، ليتبين أنّه «إبلاغ كاذب»، ليبقى الصادق والحقيقي والمؤكّد هو نجاح المقاومة ببث الذعر في فرائص الاحتلال.
اهتمّ فريدريك إنجلس بفرضيتين شهيرتين لعالِم الطبيعة والفيلسوف إيمانويل كانط (الفرضية السديميّة، و«الاحتكاك المدّي» tidal friction)، نظراً لأهميتهما في زمانه بتعزيز استنتاج النظرة الديالكتيكية لتطوّر الطبيعة، على عكس النظرة الميتافيزيقية حول «استقرار أبدي» لمنظوماتها. فيما يلي نتناول أبرز ما كتبه كانط وإنجلس عن الاحتكاك المدّي الذي يبطِّئ دوران الأرض حول مركزها، مع المقارنة بالمعلومات الحديثة اليوم.
توسّعت خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة عمليات التسريح الجماعي للعمال في كبرى شركات التكنولوجيا المرتبطة بـ«وادي السيليكون»، وبـ«وول ستريت» (أي بالدولار)، وبرز بشكل خاص تسريح ميتا/فيسبوك لـ11,000 عامل، وتويتر لـ 4,400 عامل، إلى الحديث عن تسريح أمازون لـ 10,000 عامل، وإلغاء بنوك مثل «سيتي جروب» و«باركليز» لوظائف الاستشاريين والموظفين التجاريين، وليس انتهاءً بإفلاس أضخم منصّة أمريكية/عالمية للعملات المشفّرة (FTX). وهكذا تنفجر الفقاعة التكنولوجية بقيادة أضخم منصات «التواصل/التحكم» الاجتماعي، والدَّولَرة الرقمية المتاجِرة بالبيانات والأفكار والأشياء والبشر، والتي تمثّل ذروة ما وصلت إليه الأموَلَة المتمركزة حول الجغرافيا نفسها التي تملك أكثف مرور لكابلات الإنترنت والتحكم به في العالَم (الولايات المتحدة الأمريكية). ولذلك فإنّ أزمة هذه الشركات، ولو أنها أزمة رأسمالية العَولَمة الإمبريالية أحادية القُطب عموماً لكنها كذلك أزمة أمريكية/دولارية على وجه الخصوص، وليست سوى شرارة لتوسّع الانهيارات والإفلاسات المالية والصناعية لبقية قطاعات الاقتصاد في كلّ مكانٍ بالعالَم يبقى متمسّكاً بالعبودية للدولار المتضخّم وهرم ديونه ونهبه.
كتب فريدريك إنجلس في «المقدّمة القديمة» لكتابه «ضدّ دوهرِنغ» (1878): «غالباً ما نصادف في علم الطبيعة نفسه نظريات تقلب العلاقات الفعلية على رأسها؛ فتَعتَبر الانعكاسَ بمثابة الشيء العاكِس. ولذلك فهي تحتاجُ إلى إيقافِها أيضاً على قدَمَيها. ولا يندر أنْ تُسيطِرَ مثلُ هذه النظريات طويلاً. والمثالُ على ذلك هو التعاليمُ الخاصّة بالحرارة: ففي غضون قرنين تقريباً لم تكن الحرارة تُعتَبَر شكلاً لحركة المادة العاديّة، بل مادةً سحريّةً خاصّة. ولم يُحقِّق التحوُّلَ اللازمَ هنا إلا النظريةُ الميكانيكيةُ للحرارة. ومع ذلك فإنّ الفيزياء التي سيطرت عليها نظريةُ السيّال الحراري (الكالوريك) قد اكتشَفَتْ طائفةً من قوانين الحرارة ذات أهمّية بالغة...».