عرض العناصر حسب علامة : غرامشي

ساعة الرمل الرأسمالية: جدول الأعمال البربري بين مورزا وغرامشي (2)

في المادة السابقة أشرنا إلى بعض الأفكار التي تضمنها كتاب «التلاعب بالوعي» لسيرغي قره-مورزا، وفي جوهرها قضية احتضار الحضارة الغربية الفردية وتحليل «الهيمنة الناعمة» ومواجهتها وأهمية عامل الوقت (والتوقيت) في تكتيك المعركة، مع المرور على أفكار غرامشي حول ضرورة تحويل الواقع نحو نمط حياة يتجاوز قوانين الربحية الفردية (الاستهلاكية) من أجل تأسيس «نمط الحياة السياسي» أو ما يمكن أن نسميه نمط «صناعة التاريخ». في المادة الحالية سنقوم بالتوسع في بعض أفكار مورزا وغرامشي، كعلامات لبديل عن الإنسان المتشيّئ وكقاعدة للحضارة المنهارة وبربريتها المدفوع بها.

ساعة الرمل الرأسمالية: جدول الأعمال البربري بين مورزا وغرامشي (1)

من المعروف أن جدول أعمال التدمير الإمبريالي محكوم بضرورة أن يتسارع بسبب حدة الأزمة والفاعلية التاريخية للقوى الصاعدة المتسارعين. وعامل الوقت هذا له دور كبير في فهم ديناميات الصراع، وتحديداً رد فعل القوى المعرّضة للتدمير على جدول الأعمال البربري المطروح، وبالتالي فهم هوامش الصراع وتوازن القوى المحتمل. وهنا نطل على بعض أفكار سيرغي قره-مورزا في هذا المجال مع وضعها في السياق الراهن.

غرامشي حول أهمّية تَعَـلُّم وتَعليم «فنّ التفكير»

يفتتح أنطونيو غرامشي إحدى ملاحظاته في «دفاتر السجن» (الملاحظة 44 من الدفتر 11) باقتباس من كروتشه الذي قال بدوره إنه اقتبسه من إنجلس. فيكتب غرامشي: فلنقارن بشأن موضوع التأكيد الذي ورد في التمهيد لـ«ضدّ دوهرنغ» بأنّ «فنّ العمل مع المفاهيم ليس شيئاً معطى بالولادة أو بالوعي الاعتيادي، بل هو عمل تقنيّ من أعمال الفكر والذي له تاريخ طويل، على القدر نفسه الذي للبحث التجريبي في العلوم الطبيعية». فيما يلي مقتطفات من تعليق ومناقشة غرامشي لهذه الفكرة.

غرامشي عن «المُستَضعَفين» وضرورة تنظيمهم سياسياً

لطالما كان من الصعب صياغة تعريف دقيق لمقولة «المُستَضعَفين» كما استخدمها غرامشي، وذلك لأنهم برأيه لا يشكّلون كياناً واحداً وليسوا كتلةً متجانسة، ولهذا كان يشير إليهم دوماً بصيغة الجمع، أو عندما يستعمل الكلمة كصفة فإنّ الموصوف بها حسب كتاباته ليس بالضرورة «طبقة» بل كانت أحياناً «مجموعة اجتماعية». ومن بين دفاتر سجن غرامشي يحتلّ الدفتر 25 أهمية خاصة، لأنّه جمع وطوّر فيه مجموعة ملحوظات تحت عنوانٍ عام «على هوامش التاريخ (تاريخ المجموعات الاجتماعية المُستَضعَفة)» تتناول المادة التالية أبرز ما ورد عن الموضوع في مقالٍ لأحد أهمّ الباحثين والمترجمين لإرث غرامشي، وهو البروفسور الراحل جوزيف بوتيجيغ، نُشِرَ في «مجلة غرامشي الدولية» (المجلد3، العدد1، 2018).

غرامشي في عِلم اللغة وتحرير الطبقة العاملة

لم يكن غرامشي «منظّراً صِرفاً» بل سياسيّاً و«ثورياً محترفاً» كما وصف نفسه في مناسبات عديدة. وبتنظيره حول المثقفين واللغة كان يستجيب لمشكلة سياسية عملية: في كتاباته الباكرة، مشكلة تنظيم النضالات العمالية في الجناح اليساري للحزب. وفي السجن، مشكلة تحليل هزيمة الحركة العمالية أمام الفاشية وآليات إعادة الإنتاج الاجتماعي التي ثبّتتْ الفاشية، بما في ذلك عبر الآليات المؤسساتية للنظام الفاشي المبنية على قيود النقد الاجتماعي التي تم إدراجها في أشكال اللغة المحلّية. تقدم المادة التالية تلخيصاً (بتصرّف شديد) لأبرز ما ورد تحت عنوان «غرامشي كعالِم لسانيات» من كتاب «غرامشي، اللغة والترجمة» الصادر بالإنكليزية عام 2010 عن دار Lexington Books.

غرامشي: تنظيم الثقافة أم تركُها لـ«العمل الخيري»؟

كتب غرامشي المقال التالي دون توقيع، ونُشِرَ في صحيفة «إلى الأمام» (Avanti!) اليومية، لسان حال الحزب الاشتراكي الإيطالي، في 24 كانون الأول 1917. وعنوانه الأصلي «الخيريّة، النيّة الحسنة، والتنظيم». و«الأكثر تواضعاً» الذي ينتقده غرامشي هنا هو ماريو غوارنييري (1886–1974)، أحد الأمناء الثلاثة لاتحاد عمال المعادن الإيطالي، والذين ساهموا بمقال في الصحيفة نفسها في 20 كانون الأول 1917 في معارضة منهم لمقترحٍ كان غرامشي قد تقدّم به من أجل إنشاء جمعية ثقافية لتنظيم التربية الثقافية وفق الخطّ البروليتاري.

غرامشي عن العلم كإيديولوجيا وتحويله إلى «أفيونٍ جديد»

شَهِد تطورُ العلوم في القرن العشرين ظاهرةً فريدة: «تقديس العِلم» و«عبادة شخصية» العلماء، لدرجة تحويل العِلم لدى غالبية الناس إلى «دينٍ جديد» بكلّ ما يرافقه من «جمود عقائدي»، كتطرِّفٍ لا يقلّ خطراً وضرراً عن قطبه الآخر «العَدمية» وإنكار أيّة ثوابت علمية، وهو أمرٌ مرفوضٌ كالأول بالطبع. لكن ما لا يُعطَى حقّه بالنقاش هو: أنّ التعصُّب «العِلميّ»، بمعنى الجمود، يبلغ أحياناً حدّ «التكفير» لمَن يتجرّأ على انتقاد «أنبيائه»، ملحقاً الضرر حتى بإنجازاتهم، ومعرقلاً تصحيح الأخطاء، وخاصةً في ظلّ محاربة الديالكتيك المادي، وسيادة المثالية.

الصدمة التاريخية.. انهيار العقل.. وغرامشي

إن ترابط المهام التاريخية يعطي المرحلة تميّزها النوعي، حتى نكاد نقول: إن الصراع من أجل التغيير، عليه أن يدمج في مسيرته مختلف هذه المهام، بمعزل عن التقدم التكتيكي لإحداها عن الأخرى. ومن هذه المهام: التقاط الانهيار الحاصل على مستوى العقل الإنساني تاريخياً. فالقوى التقدمية بالمعنى التاريخي عليها أن تفتح أفق العالم الجديد، تبني ملامحه، وتلوّن المشهد القادم، فتلك عملية لا تتم بعفوية. ومع غرامشي نقول: إن البناء الفوقي المرتبط بقضية تشكيل الوعي لم يتم، ولن يتم دون الدور الفاعل للجهاز السياسي القابض، فكيف إذا كان هذا التشكيل هو مقدمة مسبقة في وقف الانهيار وتحصين عملية التغيير.

غرامشي: حضور الأب الغائب

يقترن اسم الفيلسوف والمناضل الإيطالي أنطونيو غرامشي بكتابه الأشهر «دفاتر السجن» وأفكاره المتعلقة بأساليب الهيمنة الثقافية ضمن المجتمع الرأسمالي. وعلى الرغم من شهرة اسمه، كثيراً ما يتعرف القراء على أفكاره بعد أن تم تداولها دون اللجوء إلى مصادرها الأصلية.

حماية اللغات المحلية

عارض غرامشي المنهج التربوي المسيطر من قبل الحكومة الفاشية، المنهج المبني على مفهوم شعبوي يعتمد التلقائية المثالية، ويؤكد على منهجية تعتمد تدريس النحو في إطار التخطيط لسياسة ثقافية وطنية تحقق هدف التوحيد اللغوي، وليس فرض اللغة المهيمنة قسرياً.