الغرب ينعي نفسه!

الغرب ينعي نفسه!

حمل التقرير الأمني الصادر عن مؤتمر ميونخ في دورته الـ 56 محاولة لتوصيف ما يشهده «محور الغرب» في الفترة الأخيرة، ويحاول التقرير تحديد العقبات التي باتت تشكل خطراً على الغرب كمفهوم سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي، لكن الأهم أن هذا التقرير حمل أيضاً مصطلحاً جديداً، فقد رأى العاملون على التقرير ضرورة ابتداع مصطلح جديد ليعبر عن واقع «الغرب» المتراجع اليوم وكان المصطلح «Westlessness» عنواناً لهذا التقرير.

ترجمت وسائل الإعلام المصطلح الجديد بشكل مختلف، منها أفول الغرب، وتعتبر هذه الترجمة عامة جداً ولا تعبّر تماماً عن المقصود من هذا المصطلح، فما يقصده التقرير هو الحديث عن نزعة عالمية لهجر الغرب كمفهوم سياسي- ثقافي، و«هجر» الغرب هذا لا يقتصر على المناطق التي كانت تدور في فلك الغرب فحسب، بل يشمل الغرب أنفسهم، فيقول التقرير في شرح المصطلح ما يلي: «التغيرات الكبرى في موازين القوى في العالم والتغيرات التكنولوجية السريعة تساهم في زيادة القلق والأرق. العالم يصبح «أقل غربيةً»، والأهم من ذلك أن الغرب نفسه يصبح أقل غربيةً».
اعتبر التقرير أنَّ مؤتمر ميونخ للأمن «MSC» كان يعتبر دائماً كما لو كان لمّ شملٍ للأسرة الغربية، يتداولون فيما بينهم قضايا العالم ويتبادلون وجهات النظر، إلا أن السنوات الأخيرة حملت تغيّراً كبيراً، وباتت تناقش شقاقاتٍ ضمن هذه الأسرة، وظهر هذا الشقاق بأوضح أشكاله عندما قدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس وجهات نظر مختلفة، بل ومتناقضة إزاء العديد من القضايا المفتاحية في العالم، مثل مستقبل صفقة النووي الإيراني، ومشروع السيل الشمالي 2، والإنفاق العسكري لدول الناتو، وغيرها من القضايا. وإذا كان الخلاف في وجهات النظر حاضراً دائماً في ميونخ، حسب التقرير، إلا أن الخلاف اليوم أصبح أكثر «جوهريةً»، وأن الحضور في قاعة المؤتمر وعند استماعهم إلى حديث ميركل وبينس بدا لهم أن هذه القاعة باتت تحمل عالمين مختلفين تماماً، وتابع التقرير أن هذا الحدث ترك انطباعاً لدى الحضور أنه لم يعد هناك «فهم مشترك لم يمثله الغرب».

يعرض التقرير الكثير من الاقتباسات لقادة الاتحاد الأوروبي والعالم التي يحاول من خلال عرضها تقديم وجهات النظر، ويبدو واضحاً أن الجميع يدقون ناقوس الخطر، منهم من يقر بوجود المشكلة ويعتبرها عابرة وقابلة للحل، ومنهم من يرى أنَّ العالم تغير ولن يعود للوراء. وعلى الرغم من أن ما يقوله التقرير يبدو متأخراً للبعض، إلا أنه يعتبر أحد الإعلانات الرسمية عن «أفول الغرب» وانهيار «المشروع الغربي» التي باتت تزداد وتيرتها وتصبح مسلّمة جديدة، بل ومصطلحاً جدياً بات من الضروري نحته وإضافته إلى القاموس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
954
آخر تعديل على الأحد, 18 تشرين1/أكتوير 2020 09:40