الشارع العراقي بات يفرض ما يريد
يزن بوظو يزن بوظو

الشارع العراقي بات يفرض ما يريد

يعاني البرلمان العراقي ورئاسة الجمهورية استعصاءً حول المرشّح المقبل للحكومة المؤقتة، وحول قانون الانتخابات الجديد، وبين هذا وذاك أُصيب عدد من الجنود الأمريكيين جراء قصفٍ استهدفهم، وقُتل واحدٌ منهم، ويظهر الشارع العراقي المنتفض كرقمٍ صعبٍ في المعادلة السياسية ولم يعد ممكناً تجاوزه، فما سبب كل ذلك، وما مدى دور وتأثير الحراك الشعبي عليه؟

منذ أن قدّم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، استقالته في أواخر الشهر المنصرم، بات موضوع المرشّح المقبل للحكومة المؤقتة من أبرز العناوين الجارية في الشأن العراقي، حيث جرى ترشّح عددٌ من الأسماء، وانسحاب بعضٍ منها ورفض الآخر، تميّزت جميعها بأنها صادرة من داخل البرلمان العراقي بكتله وأحزابه، في الوقت الذي يؤكد فيه المحتجون بأن قبولهم لأيّ مرشّح يشترط كونه: 1- مستقلاً تماماً عن أيّ كتلة أو حزب سياسيّ. 2- ألا يكون قد شغل منصباً سابقاً في الحكومة منذ 2003. 3- ألا يحمل جنسيتين. 4- عدم ترشحه للانتخابات المقبلة (ما بعد الحكومة المؤقتة).

قانون الانتخابات الجديد

يتعارض قانون الانتخابات المعمول به في البلاد مع المطلب الأول للمحتجين، حيث يُعطي الأفضلية والنسبة الأكبر للترشح لصالح الكتل البرلمانية والأحزاب ويحدّ من ترشّح الأفراد المستقلين، أو أية قوة من خارج المنظومة. وقد دفع هذا الملف عدداً من الكتل السياسية- منها «سائرون والناصر والحكمة»- إلى الحديث حول بندٍ آخر يتعلق بالدائرة الانتخابية، حيث أعلنت «سائرون» اقتراحها بأن يحدد القانون الجديد دوائر انتخابية متعددة للمحافظات، عوضاً عن الدائرة الواحدة المعمول بها. ليصبح أمر تعدد الدوائر أو دائرة واحدة مادةً للتجاذب داخل البرلمان بين موافقين ومعارضين له، كلٌّ حسب مصالحه، فبالنسبة لـ «سائرون» والتيار الصدري فيه، فإن تعدد الدوائر يضمن لهم ترشحهم بشكل مسبق، استناداً إلى أوزانهم في المحافظات المحسوبة عليهم، بينما يقلل هكذا تعديل من نُسب وحصص بقية الكتل ومنها «البناء» و«الوطنية»، مما دفع البرلمان العراقي إلى تأجيل جلسات تصويته مرتين بسبب المشاحنات والانسحابات. جرّاء هذه المماطلات قام المتظاهرون بزيادة حدة الضغط وصولاً إلى إعلان بعضهم إضراباً عن الطعام حتى تحقيق مطالبهم بتغيير القانون، وإيجاد مرشّح لرئاسة الحكومة المؤقتة. وصولاً إلى 24 من الشهر الجاري، حين تبنّى البرلمان قانون الانتخابات الجديد والذي: يتيح الترشح الفردي، الأمر الذي يعطي الإمكانية لبروز شخصيات جديدة من خارج المنظومة السياسية القائمة، ولكن شمل التعديل الجديد أيضاً أن يُقسّم العراق إلى دوائر عدة، الأمر الذي سوف يعطي أوزاناً وهمية لعددٍ من الكتل والأحزاب، مما سوف يضرّ من مصالح المستقلين أو الممثلين عن الحراك الشعبي.

المرشحون يتساقطون تباعاً

فيما يخص رئاسة الحكومة المؤقتة، لقد جرى ترامي المسؤولية بين رئاسة الجمهورية ومجلس النوّاب، ففي حين طالب البرلمان أن يقدّم رئيس الجمهورية، صالح برهم، مرشحاً لهذا الأمر، قام الأخير بقذف هذه المهمة على عاتق البرلمان، مؤكداً أن للكتلة النيابية الأكبر الحق بتقديم مرشحها، وبين هذا وذاك، جرى تجاوزٌ دستوري للمهلة المقرر بها إنجاز هذا الأمر، وتأجيله، وأقدم عدد من النواب بإبداء استعدادهم للترشّح، بدءاً من: محمد السوداني، والذي شغل سابقاً عدداً من المناصب الحكومية، ليعلن الحراك عبر تظاهراته رفضه له. ثم النائب فائق الشيخ العلي، والذي قدّم مقترح تسميته بـ «مرشح تسوية» بين البرلمان والمتظاهرين، لكنه لاقى رفضاً صارماً من الشارع أيضاً. وأخيراً، عن كتلة «البناء»، قصي السهيل، مما ألهب التظاهرات العراقية أكثر، وصولاً إلى إعلان مطالب جديدة باستقالة رئيس الجمهورية صالح برهم، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مما شكّل ضغطاً أعلى على النظام السياسي، دفع كتلة «البناء» داخل البرلمان لحمل «الشمّاعة»، ورفعها كتاباً إلى رئاسة الجمهورية يوضّح أنها الكتلة الأكبر، وبناء عليه تُرشّح أسعد العيداني لرئاسة الحكومة المؤقتة، بانتظار موافقة رئاسة الجمهورية بتكليفه وبدء أعماله. في نفس اليوم، وقُبيل التكليف، صنع المتظاهرون يافطات تحمل صورة العيداني واضعين عليه إشارة حمراء معلنين رفضهم المطلق وتمسكهم بمطالبهم حول صفات المرشح الجديد. الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية في اليوم التالي، عبر بيانٍ له، إلى إعلان رفضه مرشح «البناء» استناداً إلى مطالب المحتجين، وإبداء استعداده للاستقالة، ثم غادر إلى السليمانية في «إقليم كردستان»، مما خلق «بلبلة» داخل البرلمان وبين مختلف القوى السياسية في البلاد، منها من أيده بموقفه كتحالف «سائرون» الذي يسعى إلى صعود الحراك على طول الخط، وآخرون اتهموا برهم صالح بتخليه عن مهامه ومخالفته الدستور كتحالف «البناء»، ليعود صالح بعد يومين إلى بغداد لإكمال مهامه بتكليف رئيس جديد للحكومة.

مواقف دولية

بين إعلان رئيس الجمهورية رفضه مرشح «البناء» ومغادرته إلى السليمانية، وفي فترة «البلبلة» السياسية تلك قُبيل عودته، تعرضت قاعدة «ك-1» العسكرية في كركوك، إلى قصفٍ بعدد من الصواريخ أدت إلى إصابة عدد من الجنود الأمريكيين المتواجدين بها، ومقتل واحدٍ منهم وباعترافٍ من البنتاغون نفسه. وقد اتهم وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في وقتٍ سابق أنَّ الهجمات الأخيرة على القواعد العسكرية التي تحتوي مجندين أمريكيين تجري بقيادة وتخطيط إيراني، بينما استنكرت إيران هذا التصريحات ونددت بها، مؤكدة بذلك عدم تبنيها لأيّ من الهجمات تلك. لكن بصرف النظر عمّن خلف هذه الهجمات، إلّا أنها وبمواعيدها وتكرارها، تحمل إشارتين، الأولى: ردٌ عسكريّ بوجه كُل خطوة سياسية تُفضي إلى صنع «الفوضى» لصالح واشنطن عبر تعزيز فراغٍ بالسلطة. والثانية: الإمكانية المتزايدة بضرب الوجود الأمريكي في المنطقة عسكرياً وبشكل مباشر، مما يرفع من مستوى التهديد على الوجود الأمريكي ويُعجّل من مغادرته. وبين هذا وذاك، قالت موسكو، عبر المتحدثة باسم خارجيتها، ماريا زاخاروفا « نأمل ألّا يجد الشعب العراقي نفسه من جديد.. رهينة لألاعيب ومطامح سياسية خارجية، وألا يتحول العراق إلى مسرح لتصفية حسابات بين أطراف فاعلة خارجية».

الحراك العراقي يمضي بانتصاراته

تُبرز هذه الأحداث الأخيرة تغيّر الميزان لصالح قوة الحركة الشعبية الجارية، على حساب ضعف النظام السياسي، فالشارع اليوم يملك حقاً بقبول أو برفض الإجراءات التي تتخذ، ليس بدءاً من قانون الانتخابات ولا انتهاءً بالمرشحين السابقين. وبالإضافة إلى هذا، فقد أعلن مجلس القضاء الأعلى عن إطلاق سراح 2700 معتقل من المتظاهرين السلميّين، بالوقت الذي يتزايد فيه مستوى التنظيم داخل الحراك وتوزيع المهام بين: نقل المصابين، مُسعفين أوليين، تنظيف، تحضير طعام، توثيق إعلامي، وفرق استطلاع لكشف أي هجوم قمعيّ.. إلخ، فضلاً عن تزايد «نُشطاء» ممثلين عن الحراك بمختلف مناطقه، والذي بتطور الحراك حسب الظروف الحالية ومع الأرضية القانونية الجديدة للانتخابات، قد تدفع ببروز ممثلين سياسيين عنه خارج منظومة التحاصص القائمة في البلاد، لتكون حاملاً لمطالبهم في الحكومة المؤقتة، وجعل مهامها «انتقالية» بين نظامين مختلفين. عجز النظام السياسي الحالي عن إيجاد مخرجٍ يعطي الشارع العراقي الأفضلية في تقديم المبادرات والدفع باتجاه تنفيذها، وهو ما يسمح بنقل مفاتيح الحل إلى الشعب المنتفض.

معلومات إضافية

العدد رقم:
946
آخر تعديل على الإثنين, 30 كانون1/ديسمبر 2019 13:28