محاولات كسر صمت الغواصات السوفيتية
جيهان دياب جيهان دياب

محاولات كسر صمت الغواصات السوفيتية

لم يحمل التاريخ الحديث صراعاً أشدَّ تعقيداً من الحرب الباردة، فقد عمد قطبا الصراع حينها على محاولة التقدم على منافسيهم، في كافة المجالات العسكرية وعلى اختلاف الميادين، حتى وإن بدت الطرق المستخدمة لتحقيق ذلك خارجة عن المألوف بعض الشيء. وفي تقرير نشره موقع «ذا ناشيونال إنترست» تحدث عن محاولات حلف الناتو لمراقبة حركة الغواصات الروسية منذ العهد السوفييتي وحتى اليوم، كشف فيه الطرق اليائسة التي كان الناتو يستخدمها لكشف أسرار ومواقع هذه الغواصات.

وقد كانت البحرية السوفييتية تفخر بتقدمها الذي حققته في مجال القوة العسكرية، وكانوا محقين في ذلك، فالغواصات السوفييتية حيّرت الغرب وهي تجوب البحار بصمت وخفة- لتعود إلى قواعدها مكللة بالانتصارات. كما بقيت الكثير من التقنيات التي تستخدمها طي الكتمان لعديد من السنوات، وكان من المستحيل معرفة مواقع تلك الغواصات باستخدام أي من أجهزة الرصد البحري لدى الفريق الخصم، وأمست شبيهة بالسراب، كما بلغ عددها المئات خلال سنوات قليلة، وكان الغرب يسعى لوضع حد لذلك، بأية طريقة ممكنة.
ساهمت الإخفاقات المتتالية للحلول التقليدية التي تستخدمها القوات البحرية الأمريكية والبريطانية إلى الوصول إلى حالة لا مثيل لها من اليأس، اجتمعت مراكز الأبحاث العسكرية لتجربة مجموعة من الحلول، لم يتم إزاحة أي منها عن طاولة النقاش، فقد يحقق أيّ من تلك الحلول بعض التقدم بدلاً من الاكتفاء بالجلوس دون عمل. تحدث الكاتب «إيان بالإنتاين» في كتابة «هانتر كيلرز» عن هذا الموضوع قائلاً: «إن اكتشاف أية طريقة بإمكانها سلب السوفييت أفضلية الصمت في أعماق البحار، يعتبر بلا شك، ضربة عبقرية!».
حاول بعض الخبراء وضع تسلسل من أجهزة الالتقاط الصوتية تحت الماء، لتعمل تلك المايكرفونات الحساسة على التقاط أي دليل على حركة الغواصات المعادية تحت الماء، ولكن هذا الحل أثبت فشله إذ كان من المستحيل وضع العدد الكافي من تلك التجهيزات تحت أعماق شاسعة من البحار، لكن الاعتماد على الأدلة الصوتية لاكتشاف الغواصات ساهم في ابتكار حل غريب للغاية.
وفي أواخر العام 1962 قررت البحرية البريطانية في تدريبات مشتركة مع البحرية الأمريكية والكندية تجربة إلقاء مجموعة من المغانط المرنة من الهواء، بهدف الالتصاق بالغواصات السوفيتية المختفية في قاع البحر، ما ينتج عنه ضوضاء يسهل اكتشافها، لقد وثق «إيان بالإنتاين» تلك التجربة المثيرة للاهتمام في كتابه، لكنه لم يخف سخريته من الطريقة التي انتهت بها هذه المغامرة، فقد خصّصت البحرية البريطانية غواصة خاصة لهذه الغاية وأطلقتها في المحيط لتقوم طائرة تابعة لسلاح الجوي الكندي بإلقاء عدد كبير من تلك المغانط من الجو، وبالفعل، التصقت ببدن الغواصة كما توقع الخبراء، بدا وكأن كابوس الغواصات السوفييتية قد شارف على الانتهاء.
لكن، حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد شقت هذه المغانط طريقها إلى ثقوب وفتحات الهيكل الخارجي للغواصة البريطانية المصمم للسماح بتدفق المياه، وقال بالإنتاين: «لقد تدفقت المغانط بشكل أساس داخل الهيكل، وظلت مثبتة داخل غلاف الغواصة وفي مختلف زواياها»، كما أن المغناطيس المرن قد أصبح مثبتاً على ذلك الهيكل دون أن يستطيع أحد إزالته داخل المياه، وكان لابدَّ من أن ترسو الغواصة مرة أخرى، وتجف تماماً، من دون أن تتمكن من القيام بأي تدريب أو قتال، بالإضافة إلى أن ذلك يكلف كثيراً من الأموال والوقت.
«لم تتمكن الطواقم المضادة للغواصات من إجراء تمرين واحد من هذا النوع بعدما انتهى التمرين الأخير بفوضى عارمة»، هذا ما خلص إليه التقرير الذي لم يخف سخريته من هذا النوع من التجارب الساذجة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
935