بين 400 و460 مليار: نموذجان من العلاقات
سعد خطار سعد خطار

بين 400 و460 مليار: نموذجان من العلاقات

تدور دول العالم اليوم بين فلكين من العلاقات السياسية، الأول يبني، ويؤسس، ويأخذ بيد الدول إلى رفع قدراتها في استغلال مواردها وبناها التحتية، بينما يتخذ الثاني طريق البلطجة واللصوصية سبيلاً له للإبقاء على هيمنته، وللحفاظ على حدٍّ معين من الطاعة والتبعية للمركز الذي يقوده.

لدينا في هذه الحالة مثالان نموذجيّان عن الفرق بين المنطقين، الأول هو «الصفقة» التي أبرمها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع السعودية في عام 2017، والتي وصلت قيمتها الإجمالية إلى 460 مليار دولار أمريكي، والثاني هو «خريطة الطريق للشراكة الإستراتيجية الشاملة» التي تم الاتفاق عليها بين الصين وإيران مؤخراً، وبطبيعة الحال، سنركز في هذه المادة على المثال الثاني، كونه يساعد في فهم الآفاق الواعدة التي تنتظر تلك الدول التي تحسم خياراتها الإستراتيجية في اتجاه القطب الصاعد عالمياً والمناوئ لمنطق النهب الأمريكي.

الدول التابعة «بقرة حلوب»

في أيار العام 2017، وقّع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب، عدداً من «اتفاقيات التعاون» في العاصمة السعودية الرياض بقيمة 460 مليار دولار أمريكي، منها 110 مليارات دولار قيمة صفقات عسكرية سابقة، بالإضافة إلى صفقات «تعاون دفاعي» بقيمة 350 مليار دولار (على مدى عشر سنوات).
وأثارت الصفقة في حينه ردود فعل واسعة على اعتبار أنها أقرب إلى أن تكون بلطجة وسَلباً من أن تكون اتفاقاً بين دولتين، ولم يجد ترامب ذاته ضيراً في التنكيل الإعلامي بالسعودية، مؤكداً في تصريحات له أن «السعودية دولة ثرية جداً ندافع عنها، وليس لديها سوى النقود، وهي تشتري الكثير منّا. لدينا أشخاص يريدون مقاطعة السعودية! هم اشتَروا منا بقيمة 460 مليار دولار، وأنا لا أريد خسارتهم وخسارة أموالهم...»، وكان هذا التصريح متوافقاً تماماً مع تصريحات سابقة لترامب خلال حملته الانتخابية، واصفاً السعودية بأنها «بقرة حلوب تدرُّ ذهباً ودولارات».
تتضح فلكية حجم هذه الصفقة ليس من ضخامة رقمها فحسب، بل وإلى جانب الرقم، ثلاثة أسئلة كبيرة: 1- إلى أي حد تحتاج السعودية كل هذا السلاح لو كانت سياستها الخارجية بعيدة عن اندفاعها باتجاه الحرائق في كل المنطقة، بدعم وتحريض أمريكي دائمين؟. 2- ما مدى فاعلية هذا السلاح مقارنة بالسلاح الروسي، بعد فشل الاختبار الفعلي الأول في هجوم أرامكو؟ 3- لماذا السلاح الأمريكي؟ علماً أنّ أسعاره تصل في بعض الأنواع إلى عشرة أضعاف سعر أسلحة أخرى من الجيل والنوع نفسه، ناهيك عن مقارنة الفاعلية التي لا تلعب في مصلحة الأمريكي في أمثلة عديدة؟

لدى العالم نموذج آخر

قام وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بزيارة لنظيره الصيني وانغ لي في نهاية آب الماضي لتقديم «خريطة طريق» للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران والموقعة في عام 2016، وتلا الزيارة في منتصف هذا الشهر الإعلان عن الاتفاق الكامل على بنود الخارطة، والتي وصلت قيمتها إلى 400 مليار دولار (أي ما يقارب الناتج المحلي الإجمالي لإيران والبالغ 454 مليار دولار في عام 2017)، ووضعها الكثير من المحللين بمثابة تحول في التوازن العالمي لقطاع النفط والغاز.
بموجب الخارطة الجديدة، سوف تستثمر الصين 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، وهذا المبلغ سيكون «الدفعة الأولى» خلال خمس سنوات، ولكن الاتفاق يتضمن توفير تمويلات إضافية كل خمس سنوات لاحقة، وذلك وفقاً لاتفاق الطرفين. إلى جانب ذلك، ستكون هنالك استثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار لتطوير البنى التحتية للنقل والتصنيع في إيران، والتي يمكن مضاعفتها مرة أخرى في السنوات الخمس الأولى، أو في فترة لاحقة إذا اتفق الطرفان على ذلك.

استبعاد للدولار وتعزيز للربط

وفقاً للاتفاقية، ستكون الصين قادرة على الدفع بعملات ميسرة استحقتها من أعمالها التجارية في إفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، بالإضافة إلى إمكانية استخدام الرنمينبي إذا دعت الحاجة، بمعنى أنه سيتم استبعاد الدولار أمريكي من مدفوعات المعاملات من الصين إلى إيران. وثمة عامل إيجابي آخر بالنسبة للصين، وهو أن مشاركتها الوثيقة في إنشاء البنية التحتية للتصنيع في إيران، ستكون متوافقة تماماً مع مبادرة «الحزام والطريق».
ستكون المنتجات الإيرانية قادرة على دخول الأسواق الغربية عبر طرقٍ تم بناؤها أو إصلاحها من خلال زيادة مشاركة الصين في البنية التحتية للنقل في إيران، حيث تم الاتفاق على عقد لتنفيذ مشروع لتوسيع خط السكك الحديدية الرئيس، البالغ طوله 900 كم، والذي يربط طهران بمدينة مشهد الشمالية الشرقية.
وسوف تكون مدينة تبريز، التي تعتبر موطناً لعدد من المواقع الرئيسة للنفط والغاز ونقطة انطلاق لخط أنابيب تبريز- أنقرة للغاز، نقطة محورية أيضاً في أحد تفرعات طريق الحرير الجديد الذي يبلغ طوله 2300 كم، والذي يربط أورومتشي (عاصمة مقاطعة شينجيانغ غرب الصين) بطهران، واصلاً بين كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان على طول الطريق، ثم عبر تركيا إلى أوروبا. كما تتضمن الاتفاقية فقرة تسمح لشركة روسية واحدة على الأقل بأن يكون لها خيار المشاركة، بشروطٍ جيدة أيضاً، إلى جانب مشغل صيني.

فتح إمكانات إيران

ستسمح الصفقة لإيران بتسريع الزيادات في إنتاج النفط والغاز من ثلاثة حقول رئيسة. إذ وافقت الصين على تسريع وتيرة تطويرها لأحد مشاريع حقل الغاز الإيراني الرئيسة، وهو المرحلة الحادية عشرة من حقل غاز جنوب بارس العملاق، ووافقت الصين أيضاً على زيادة الإنتاج من حقول نفط غرب كارون الإيرانية بمقدار 500 ألف برميل إضافي بحلول نهاية عام 2020. وبذلك تستطيع إيران رفع الكفاءة المتوقعة من حقول غرب كارون، من 5% من الاحتياطيات الحالية إلى 25% على الأقل بحلول نهاية عام 2021.
كما وافقت الصين على زيادة واردات النفط الإيراني، في تحدٍّ معلن لقرار الولايات المتحدة بعدم تمديد استثناء الصين من العقوبات في شهر أيار. وتظهر أرقام الإدارة العامة للجمارك الصينية الصادرة في أواخر شهر آب الماضي، أن الصين استوردت أكثر من 925000 برميل يومياً من إيران في حزيران الماضي، بزيادة قدرها 4,7% شهرياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
932
آخر تعديل على الأربعاء, 25 أيلول/سبتمبر 2019 13:23