هبوط القمم وصعود الحركات الشعبية

هبوط القمم وصعود الحركات الشعبية

كتبت افتتاحية قاسيون في العدد 149 في نيسان 2001 حول هبوط القمم الرسمية وصعود الشارع العربي، ودعت للتقدم إلى الأمام، للارتقاء نحو حالة النهوض الوطني في الشارع العربي. وبعد مضي 18 عاماً على هذه الكلمات، تواصل القمم الرسمية هبوطها، وتواصل الحركات الشعبية صعودها. 

قمم المهزومين الثلاث

انعقدت 3 قمم في يوم واحد بالتزامن مع استفحال أزمات العالم القديم في الخليج، قمة لجامعة الدول العربية، وقمة لدول مجلس التعاون الخليجي وقمة لمنظمة التعاون الإسلامية.
غلب على القمم الثلاث تحريض واسع ضد إيران، وتوجيه الأنظار نحو خطر إيراني مزعوم بشكل رئيس لإخفاء الخطر الحقيقي في المنطقة. قمة خليجية طارئة وقمة عربية طارئة، تركزان على التدخل الإيراني في البلدان العربية. وألحق بها في القمة الإسلامية الرابعة عشرة مواضيع عن القضية الفلسطينية وفق تصور الأنظمة العربية الحاكمة وصفقة القرن الأمريكية، ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، والوضع الإنساني في العالم الإسلامي. وانعقدت القمم الثلاث بدعوة سعودية لمواجهة التحديات التي تعيشها منطقة الخليج العربي، لحشد أكبر عدد من الدول العربية والإسلامية خلف الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها في المواجهة مع إيران.
غردت السعودية ضمن السرب الأمريكي، واتهمت إيران بتنفيذ هجمات على منشآت النفط في الخليج، وذلك بعد أسابيع من التصعيد الأمريكي الإعلامي بمشاركة البوارج العسكرية ضد إيران. وأشارت السعودية إلى هجوم على ناقلات نفطية قبالة الإمارات، وإلى هجمات بطائرات مسيرة ملغومة، على محطات لضخ النفط في السعودية.
ومن اللافت، الحضور القطري في هذه القمم الثلاث رغم الخلافات التي اندلعت في الخليج في السنوات الأخيرة بينها وبين السعودية. كما غرّد الأمريكيون مع القمم الثلاث قبل انعقادها، وذلك عندما اتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي- جون بولتون- إيران، بالوقوف وراء ما سماه بالعمليات التخريبية التي استهدفت أربع سفن قبالة سواحل الفجيرة الإماراتية في 12 أيار الماضي. كذلك تحدث عن هجوم فاشل استهدف ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر قبل يومين من العملية التي وقعت قبالة ساحل الإمارات. ومضى المسؤول الأمريكي بالقول: إن إيران «بكل تأكيد لم تحد من أنشطتها الإرهابية في المنطقة، كما لم تقلل من سلوكياتها الخبيثة الأخرى في استخدام القوات التقليدية».

الإعلام يغرد مع القمم

ناقشت وسائل إعلام عربية وعالمية كبرى القمم الثلاث، ورفعت من سخونة الحملة الإعلامية الموجهة ضد إيران، كما سوقت الماكينة الإعلامية العالمية جملة: هل تنجح دبلوماسية السعودية في إبعاد شبح الحرب؟ وفي إنشاء جبهة عربية ضد الغطرسة الإيرانية! فيما شككت وسائل إعلام أخرى في جدوى انعقاد مثل هذه القمم، مؤكّدين: أن الشارع العربي لا يكترث كثيراً بها. بينما واصلت صحف، مثل: الحياة السعودية، والاتحاد الإمارتية، والعرب اللندنية، وهيئة الإذاعة البريطانية BBC تغريدها في الصف السعودي – الأمريكي. وحمّلت تلك الوسائل مسؤولية التوتر والتصعيد في منطقة الخليج إلى إيران وكأن الأمريكيين غير موجودين بصفتهم مفجري الأزمات في منطقتنا. وحسب رأيهم، فإن إبعاد شبح الحرب في المنطقة يكون بتقليم مخالب إيران! بينما ذهب آخرون إلى المطالبة برؤية عربية إسلامية للتعامل مع المشروع الأمريكي للتسوية، وإنشاء حلف ناتو عربي إسلامي والضغط بالعقوبات على إيران لإطلاق ثورة تُسقط النظام!

إضرابات في الجزيرة العربية

تخيم الأزمات الاقتصادية والسياسية على بلدان الخليج، وبدأت الشركات الكبرى بتخفيض رواتب الموظفين، بينما عجزت وزارات عن دفع رواتب العمال، وشركات أخرى تستثمر العمال كالعبيد، وفي مواجهة هذه الظروف يخوض العمال إضرابات كبيرة وواسعة في بلدان الجزيرة العربية.
تقول مؤشرات عديدة: إن الكويت غارقة في أزمة اقتصادية كبيرة باتت معها الوزارات غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، حيث أعلن عمال وموظفو قطاع البريد في وزارة المواصلات إضراباً عن العمل شلّ أعمال البريد في كامل الكويت لمدة 10 أيام منتصف شهر أيار الماضي، وذلك بسبب تأخير رواتب الموظفين والعمال لمدة 5 أشهر، وعاد الموظفون إلى أعمالهم بعد صرف الرواتب.
وفي قطر حدثت احتجاجات ومظاهرات لعمال بناء ملاعب كأس العالم في عدة مناطق بتاريخ 9 حزيران الجاري، وذلك احتجاجاً على تردي أوضاعهم وسوء معاملتهم، وتداول روّاد موقع «تويتر» صوراً ومقاطع فيديو تظهر تحطيم العمال المحتجين العديد من السيارات والتجمهر فى الساحات والشوارع. حيث يعمل أكثر من مليوني عامل أجنبي في قطر كالعبيد، وبينهم آلاف العمال في بناء ملاعب ومنشآت كأس العالم 2022. كما أضرب عمال وموظفو النفط في مصافي عدن اليمنية بداية حزيران الجاري، وأغلقوا جميع بوابات الشركة، ومنعوا دخول وخروج القاطرات المحملة بالمشتقات النفطية. وأضرب الطيارون وموظفو الخطوط الجوية السعودية احتجاجاً على تخفيض الرواتب والأجور.
في الوقت الذي تغرق فيه بلدان الخليج في أزمات اقتصادية وسياسية، تُعقد قمم ثلاث للهروب إلى الأمام وتوجيه الأنظار نحو خطر مزعوم وإخفاء الأخطار الحقيقية المتمثلة في الأنظمة الخليجية الحاكمة والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، هذا الثلاثي الغارق في الأزمات، والذي يحاول خلق المزيد من الأزمات لإنقاذ نفسه من الهلاك السياسي والاقتصادي. ولكن الأزمة الرأسمالية والتراجع الأمريكي عالمياً، وصعود الحركات الشعبية محلياً وعالمياً يغلق الباب أمام قوى العالم القديم الذي يمانع التغيير مؤقتاً، ولكن لا يستطيع منع التغيير القادم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
917
آخر تعديل على الأربعاء, 12 حزيران/يونيو 2019 16:14