ترامب يحاول ترويض بريطانيا

ترامب يحاول ترويض بريطانيا

يمكن القول: إن مسألة الـ «بريكست» قد دخلت طوراً جديداً مع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فيها، وبالشأن البريطاني الداخلي بذريعتها، عنوةً و«بوقاحة» سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، تفرضها السياسة الترامبية مع لحظة الضعف البريطاني.

فبالنسبة لواشنطن، أيّة ثغرة توجد في أيّ مكان الآن من حلفاء وأعداء، تكون فرصةً لتفريغ جزءٍ من أزمتها فيها على المدى القريب أو البعيد، وبالنسبة لـ «بريكست» مع الاتحاد الأوروبي عموماً، فإن خروج بريطانيا يُضعف الاتحاد كمُنافس دولي اقتصادي وسياسي وعسكري لواشنطن، أما بالنسبة لبريطانيا خصوصاً في شأنها الداخلي، يبدو أن مساعي ترامب تتجه بمحاولة تحويلها من دولة حليفة إلى «تابعة» عبر ما طرحه ترامب من اتفاقات تجارة حرة بين الدولتين، بصرف النظر عن إمكانية تحقيقها وتنفيذها.

أزمة بريطانية

مع تعقّد ملف «بريكست» بين مصالح بريطانيا فيه ومن دونه، وبشروط الخروج التي فرضها الاتحاد، أو الانسحاب بلا اتفاق مما يؤدي إلى خلافات بريطانية- أوروبية أكبر، وبعد أن جرى استفتاء شعبي «ديمقراطي» على هذه المسألة، ولم يجرِ تنفيذ نتائجه حتى الآن بسبب الانقسام حول الاتفاق، بالإضافة إلى استقالة تيريزا ماي مؤخراً، وتحديد من خلالها رئيس وزراء جديد، مع كُل هذا وبسببه، وجد ترامب لنفسه ثغرة وفرصة يُغذّي بها التناقض الحاصل بين مختلف الأطراف الأوروبية والبريطانية، عبر تدخله وتحريضه بالخروج بلا اتفاق على المستوى الأوروبي، ومن خلال هذا تدخله بالشأن البريطاني، عبر دعمه لحاملي هذا الطرح والمتوافقين معه كالمرشح بوريس جونسون.

اتفاقية تجارة أم مناورة؟

بزيارته إلى المملكة المتحدة في الأسبوع الماضي، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمضاعفة التبادل التجاري بين بلاده والمملكة المتحدة بنحو 3 مرات بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين. لكن أحد الشروط التي تضعها واشنطن بشكل غير مباشر على هذا الأمر، وظهرت، بحسب موقعExpert الروسي ، أن تفتح بريطانيا قطاع الرعاية الصحية أمام الشركات الأمريكية. لينتقل مستوى التدخل الوقح نفسه من «بريكست» إلى جوانب داخلية وتفصيليّة.

ردّ الفعل

تظهر نتائج ما فعلته واشنطن بشكل أوّلي بالجدال والانقسام الحاصل داخل بريطانيا سياسياً وشعبياً، بين موافقٍ ومعارض، فعلى مستوى الشارع خرج العديد من المتظاهرين مؤيدين ومنددين بزيارة ترامب، وتدخلاته تحولت إلى مواجهات خفيفة فيما بينهم. لكن بلا شكّ وكما يتضح فإن الأكثرية غير متوافقة مع ما يطرحه، ويعتبرونه إلغاءً لبريطانيا على حساب مصلحة واشنطن بإضعاف الاتحاد.

النتيجة؟

لا يمكن التنبؤ منذ الآن بمصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، علماً بأن الأخير نفسه وبأية حال من الأحوال ذاهبٌ إلى الزوال لعدم توافقه ببنيته وشروطه مع سياسات التوازن الدولي الجديد، والأزمة الرأسمالية والأمريكية والعلاقات فيما بينهم، إلّا أن طبيعة زواله، وطبيعة حلّ التناقضات فيه، إما أن تسمح بنشوء نوع جديد من وحدة ما فيما بين دوله، أو أن تضع أوروبا بعلاقات توتر صعبة داخلياً. يبدو أن الاتجاه العام يسير بغير المصالح الأمريكية، فبحسب جميع المؤشرات، يظهر تصاعد الخلافات والصراعات الأوروبية الأمريكية عموماً، وبحسب التجربة حتى الآن، وفقاً للسياسات الترامبية، فإن كُل تصعيد تفعله واشنطن، يفضي في المحصلة إلى تقارب الأطراف الأخرى فيما بينها في وجه واشنطن نفسها. وبالنسبة لبريطانيا فإن تحالفاتها مع جيرانها بمختلف الصعد، كانت وستبقى أولى وأهم من علاقاتها مع واشنطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
917
آخر تعديل على الأربعاء, 12 حزيران/يونيو 2019 16:15