واشنطن بين التصعيد والتراجع

يستكمل المسار الأمريكي بسياسته «الترامبية» بشق طريقه معبراً أكثر عن تفاقم الأزمة الرأسمالية، وتعمّق الانقسام داخل واشنطن، وتسارع التراجع والهزائم الأمريكية.

ففي مختلف الملفات المفتوحة دولياً تُصعّد واشنطن طرداً مع حدّة تزايد خطر الأزمة عليها كالمشكلة الإيرانية، ومع كل شرخٍ يُعمّق الإدارة الأمريكية ويزيد من تناقضاتها يتجلى ضعف الولايات المتحدة في العالم كالأزمة الفنزويلية التي افتعلتها، وبعد كل حُزمة هزائم تؤدي إلى خطوات تراجع، تضغط واشنطن على حلفائها لابتزازهم، أو طلباً منهم لمساندتها، كاليابان مؤخراً.

إيران وأمريكا إلى إعادة فتح قنوات دبلوماسية

على إثر المشروع الأمريكي بمحاولته تقويض طهران في برنامجها النووي وبتجارتها النفطية، وبمجمل نشاطها الاقتصادي الإقليمي والدولي، استمرت واشنطن بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، والتصعيد اتجاهها واستفزازها عسكرياً حتى وصلت العلاقات الإيرانية- الأمريكية إلى أدنى مستوياتها، وقُطعت القنوات الدبلوماسية بين البلدين، وصولاً لتهديدات مباشرة بنشوب حربٍ بين طهران وحلفاء واشنطن في الخليج العربي.... إلّا أنه بعد كُل التصعيد السابق والذي أفضى إلى تصريحات إيرانية وسعودية بعدم رغبة البلدين بأي حربٍ الآن، واجهت الولايات المتحدة خطر تقارب هاتين الدولتين على إثر تهديد الحرب المشترك عليهما، فبدأت مؤخراً علامات التهدئة اتجاه إيران والمنطقة الخليجية ككل، حيث بيّنت صحيفة «وول ستريت» عن مساعٍ يبذلها مسؤولون أوروبيون وعرب، للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران وتجنيب منطقة الخليج أي نزاع جديد، وأوضحت في تقرير نشرته عن دبلوماسيين غربيين، قولهم: إنه «على الرغم من قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب إرسال تعزيزات عسكرية جديدة إلى الشرق الأوسط، وموافقتها على بيع أسلحة للسعودية والإمارات، بذلت كلٌّ من واشنطن وطهران مساعي أولية تعكس توجههما نحو إطلاق قنوات دبلوماسية تقليدية.» وأكدت الصحيفة أن إيران اشترطت عبر دبلوماسيين أوروبيين تخفيف العقوبات الأمريكية على صادراتها النفطية لبدء الحوار.

فنزويلا خارج المدى الأمريكي

بعد كل «الجعجعة» الأمريكية من رئيسها ووزير خارجيتها، وصولاً لأداتها «غوايدو»، وبعد كل الوعيد والتهديد والتصعيد، وبعد كل محاولات التحريض والتعبئة والانقلاب، فُرض على واشنطن وحلفائها الفنزويليين الاعتراف بالحكومة الفنزويلية ودخولهم في آلية الحوار كما حدث في مفاوضات السلام في أوسلو- النرويج بين الحكومة والمعارضة الفنزويلية، فبصرف النظر عن نتائج الاجتماع إلّا أن عقده وحضور ممثلين عن تلك «المعارضة» الفنزويلية يعتبر تراجعاً وإقراراً أمريكياً بالهزيمة بعد كل الامتناع والتعجرف السابق في هذا الملف. حيث يذكر أيضاً تصريح فلاديمير زايومسكي، سفير روسيا لدى كراكاس في نهاية الأسبوع الماضي، بأن قوات بلاده التي وصلت إلى فنزويلا في آذار الماضي، تساعد الجيش في تحضيراته لمواجهة التهديدات الأمريكية بـ«اللجوء إلى القوة». فلم يبق لدى واشنطن من أوراقٍ تستخدمها في فنزويلا عوضاً عن محاولات تعميق الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار كي تدفع بالاحتجاجات الشعبية، بالإضافة إلى محاولات التعبئة والتحريض في، وعلى قيادات الجيش الفنزويلي.

حان دور اليابان

بعد العراقيل والمشاكل التي تواجه ترامب في الضغط على أوروبا وحلف الشمال الأطلسي باستيفاء ديون واشنطن منهم، وبعد كل ابتزازه لحلفائِه في الخليج العربي و«الدفع مقابل الحماية»، يبدو أن الوقت قد حان لحليفته الصامتة «اليابان» بأن تقوم بالدفع، حيث بدأ ترامب أثناء زيارته إلى اليابان بالترويج للأسلحة الأمريكية بوصفها الأفضل، ومتحدثاً بالنيابة عن طوكيو وبشكل واثق بأنهم سوف يطلبونها مستقبلاً، داعياً بعدها اليابان على ضخ استثمارات أكبر في بلاده: «سوف ننظر أيضاً في طلبات أخرى مرتبطة بالمصانع» مؤكداً بأنه «حان الوقت للاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التوقيت هو الأفضل».

السياسة والاقتصاد

بات يتضح جلياً في هذه المرحلة من الأزمة الرأسمالية، تلك العلاقة المباشرة والموحدة فيما بين السياسة والاقتصاد بشكل مباشر، وبالحالة الأمريكية: وقاحتها في إظهارها، نظراً لبنيتها الإمبريالية، حيث مع كل تأزم تزداد حدّة الخطاب الأمريكي بصرف النظر عن قيمته، ويتعاظم سلوكه الابتزازي نحو حلفائهِ بعد تقليم أظافره دولياً عن تصدير أزماته كالسابق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
915
آخر تعديل على الإثنين, 27 أيار 2019 13:41