خلف دخان الغرب: عالمٌ جديد

خلف دخان الغرب: عالمٌ جديد

خلف ضجيج هزائم الدول والقوى الغربية، بمؤتمراتها وخلافاتها وتراجعها، وخلف قنابلهم الإعلامية، تَعْبُر أخبار الشرق على عجل هنا وهناك دون انتباه من غالبية المتابعين لأخبار العالم، فما يحدث غرباً: دخان صحافي لا جديد به سوى استمرار التراجع، وما يحدث شرقاً: خُطاً ثقيلة تُثبّت أوتاد التوازن الجديد.

فمن خلافات «الناتو» داخلياً ومع واشنطن، إلى خلافات الأوروبيين فيما بينهم من «حركات الاحتجاج» إلى «بريكزت» و«الأعمال الإرهابية»، إلى خلافات أوروبا وأمريكا حول مختلف المسائل، والاستفزاز المستمر بين واشنطن- وأنقرة، ثم الخلافات الخليجية- الخليجية والخليجية- الأمريكية وصولاً إلى مشاكل النفط وأوبك وغيرها، وليس انتهاءً بالانقسام الجاري داخل الولايات المتحدة بكل ضجيجه الإعلامي ومشاريع القرار و«الفيتويات» داخل البيت الأبيض فيما بينهم وعلى بعضهم البعض، وأخيراً «التصريحات المريخية» حول منطقتنا من «داعش» و«الجولان المحتل» وفلسطين بـ «صفقة القرن» وما يشابهها فيما يخص مناطق أخرى حول العالم في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وشرقها وغربها وإلخ... لترى عِبر صورة بعيدة: ناراً غربية يشتد لهيبها تدريجياً، لا تسمح للبسطاء منّا رؤية الوقائع خلف دخانها الأسود.

انتصارات بلا ضجيج

لكن على القسم الآخر من الكرة الأرضية، حيث تقبع القوى الجديدة الصاعدة، تجري على الدوام انتصارات تدريجية أيضاً وعبر النقاط، واحدة تلو الأخرى، ومن دون ضجيج، راسمةً خطوطاً جديدةً في العلاقات الدولية، اقتصادية وسياسية وعسكرية، تُثبت بها منظومة سياسية عالمية جديدة، وتُخمد الحرائق الأقرب إليها منها إلى الأبعد، ليتمركز ذاك اللهب خطوة خلف أخرى داخل المراكز الغربية بانتظار ضربة «فقاعة الدولار» لتهوي مرةً واحدة: كل «الإمبراطورية» الغربية القديمة بسطوتها وأدواتها.

إضاءة عامة وسريعة

بدأ الإعلان بشكل رسمي تقريباً عن رحلة القوى الصاعدة شرقاً منذ إطلاق مجموعة «البريكس» في 2006 بالجانب الاقتصادي، ثم وفي 2012 على إثر الأزمة السورية كان للفيتو الروسي- الصيني المزدوج علامة فارقة جديدة على الصعيد السياسي بوجه الغرب، والذي لجمه عن استخدام ذات النهج القديم في سورية وغيرها من الدول لاحقاً، لتدخل روسيا بعد سنتين تقريباً ضمن العمليات العسكرية لتُحطم بها يد الغرب في المنطقة، عبر دورها في «محاربة الإرهاب» جدياً على عكس المسرحيات الغربية، وتُسلم سورية مؤخراً منظومة دفاع جوّي ردعت الاعتداءات الصهيونية، وليس آخراً: الإعلانات المتتالية عن الأسلحة الحديثة والمتطورة كالصواريخ فرط الصوتية.

آخر الاحداث

من بين ما قيل سابقاً هناك محطات عدّة للتوقف عندها أيضاً، ومنها مثلاً: إعلان الصين عن مبادرة «الحزام والطريق» في2013، لكن اختصاراً عن ذكرها، سنلتزم بهذا المقطع ببضعة من الأحداث الأخيرة حتى تاريخه لما فيها من تسارع: 1- إيطاليا مثلاً، وقعت العام الماضي 17 اتفاقية مع الصين توّجت آخرها يوم السبت بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين بشأن مبادرة «الحزام والطريق» بعد زيارة قام بها الرئيس الصيني إلى روما، لتكون إيطاليا أول دولة من مجموعةG7 تنضم إلى المبادرة، بالإضافة إلى التوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية جديدة.
2- جرى يوم الجمعة الإعلان عن بدء تشييد جسر للسكك الحديدية يربط روسيا والصين عبر نهر آمور، مما سيساهم في تعزيز التجارة الثنائية بين البلدين، حيث يتوقع أن تتجاوز السعة المرورية للجسر 3 ملايين طن من البضائع ونحو 1,48 مليون مسافر سنوياً.
3- كانت مجموعة «البريكس» أعلنت بداية الشهر الجاري عن إطلاق منظومة دفع إلكترونية جديدة موحّدة فيما بينها وبعيداً عن الدولار، عبر معادل نقديّ جديد يُتفق عليه أو باعتماد الين الصيني نظراً لاستقراره ونموّه.
4- أما حول الخليج العربي فقد أجرى وزير الخارجية الروسي زيارة إليه لاقت ترحيباً من الخليجيين، حيث تناولت مسائل اقتصادية وسياسية بما يخصّ التعاون المستقبلي وحل الأزمات في المنطقة.
5- في فنزويلا رُفع فيتو روسي- صيني مشترك بوجه مشروع قرار أمريكي.
6- بما يخص أزمة الهند وباكستان التي جرى إشعالها مؤخراً، فلم تلبث أن بدأت تخمد فور دخول الروس والصينيين على خط التهدئة ليعلن الرئيس الباكستاني في عيدهم الوطني يوم السبت عن سعي بلاده لتحقيق السلام مع الهند، وتحدث رئيس وزراء الباكستان عن رسالة تلقاها من نظيره الهندي تدعو للسلام بهذه المناسبة، ليرحب بها مضيفاً قوله «حان الوقت لإطلاق حوار شامل مع الهند لحل كل القضايا العالقة» ضمن آلية نهج الحلول السياسية المتبعة في هذا التوازن الدولي الجديد.

تفاؤل من خلف الضباب

لا يكفي المكان هنا لذكر كل التطورات في صعيد العلاقات الدولية الجديدة، ولا الغاية هي كذلك، وإنما للإضاءة قدر الإمكان عليها من بين كل ضباب أدوات الإعلام الغربي السائدة، لإيصال مقطع من صورة بسيطة عن العالم الجديد بجانبه التفاؤلي خلف كل محاولات نشر البؤس والتشاؤم غربياً والناتج عن نهاية عالمهم كما عرفناه سابقاً، عنوانه العريض: تكافؤ اقتصادي وحلول سياسية سلمية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
906
آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2019 14:48