الجزائر...  نموذج مشرق للحركة الشعبية في طورها الثاني
جواد محمد جواد محمد

الجزائر... نموذج مشرق للحركة الشعبية في طورها الثاني

يواصل الجزائريون منذ أكثر من شهر ونصف تحركاتهم الاحتجاجية السلمية، تحركات تشربت حتى النخاع تجارب الموجة الأولى من الحركة الشعبية في الساحة العربية، وفي ما هو أبعد من الساحة العربية؛ تشربتها بكل دروسها، حيث نجحت، وحيث أخطأت، وخصوصاً حيث أخطأت...

نقطة البداية

بدأت الاحتجاجات بالظهور بشكلها الحالي مع إعلان الرئيس بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، ولكن هذه الاحتجاجات سبقتها طوال سنوات نشاطات ذات طابع منظم وإن كان أقل اتساعاً. المثال الأهم على ذلك هو: آلاف الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات العمالية التي جرت في السنوات القليلة الماضية، وأشهرها إضرابات قطاعي التعليم والصحة.

درجة الإصابة بالبلاء الليبرالي

الجزائر هي من الدول القليلة ضمن ما يسمى «العالم الثالث» التي لم تعش حالة تبعية سياسية للمركز الغربي، وبقي ذلك واضحاً طوال العقود الماضية، سواء بما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بقضايا المنطقة الأخرى، إلى جانب القضايا الداخلية. ولكن ذلك لم يعنِ في يوم من الأيام أنّ الاستقلالية كانت ناجزة؛ فدخول اللبرلة الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين، وخلال العقد الأخير خاصة، كان بمثابة الضربة النهائية لشكل حكم الفضاء السياسي القديم، الذي خسر بشكل سريع تأييد قطاعات واسعة من المجتمع الذي تضرر بشدة من السياسات الليبرالية.
رغم ذلك، فإنّ مما يقلل المخاطر التي تُحيق بالجزائر هو تأخر إصابتها بالبلاء الليبرالي مقارنة بدول عديدة أخرى. كذلك فإنّ درجة النشاط العمالي العالي ثبتت درجة من مقاومة السياسات الليبرالية، وجعلت عملية تطبيقها عملية معقدة وبطيئة وغير سلسلة نهائياً، كما جرى في أماكن أخرى.

الخصوصية الجزائرية

ألا توجد في الجزائر قوى على غرار الإخوان المسلمين في سورية، وعلى غرار الليبراليين الموالين لأمريكا من طراز ميشيل كيلو وما شابهه؟ بلى هي موجودة، حتى إنّ تجربة شبيهة بتجربة الثمانينيات في سورية قد مرت بها الجزائر أيضاً، لكن الاختلاف بين ما جرى في سورية وما يجري في الجزائر يكمن في ثلاثة عوامل أساسية، رغم أنّ التشابهات كبيرة جداً بين البلدين:

أولاً: الظرف الدولي

قبل ثماني سنوات، حين انطلقت الحركة الشعبية في سورية، كان التوازن الدولي لا يزال في المراحل الأولى من الإعلان عن وجوده، بل إنّ الفيتو الروسي الصيني الأول في مجلس الأمن بما يخص سورية يكاد يكون الإعلان السياسي الأول عن هذا التوازن. وضمناً، فإنّ التراجع الأمريكي لم يكن قد وصل الحد الذي وصله الآن. للتذكير فقط، فإنّ مجرد الحديث في حينه عن توازن جديد وعن تراجع وأزمة في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً، كان حديثاً مستهجناً... أما الآن، فقد بات التراجع المزري واقعاً ملموساً، ليس تراجع واشنطن فحسب، بل تراجع كل منظومات العالم القديم: الناتو، الاتحاد الأوروبي، مجلس التعاون الخليجي، البنك والصندوق الدوليين...إلخ.
ضمن هذا التراجع العام، باتت قدرات مُشعلي الفوضى أضعف مما كانت عليه سابقاً بمراحل عديدة، وهذا لا شك في مصلحة الحركة الشعبية في الجزائر.

ثانياً: التعلم من تجربة الجماهير

تعلم الجزائريون من تجارب الحركات الشعبية في المنطقة، ولذلك فقد قمعوا أي توجهٍ طائفي أو قومي، ونبذوا طروحات المتطرفين منذ اللحظة الأولى. بل إنّ أهم الدروس التي تبناها الشعب الجزائري بوضوح عالٍ، إلى جانب التمسك حتى النهاية بالسلمية أياً كانت التكلفة، هو رفض التدخلات الخارجية أياً تكن، وقد ظهر ذلك في عديدٍ من الشعارات التي رُفعت ضمن المظاهرات. وعلى الهامش، فإنّ متابعة حساب الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي على تويتر تقدم صورة صادقة عما يجري فعلاً، خاصة وأنّ وسائل إعلام كثيرة لا يروقها ما يجري ما دامت الدماء لا تغطي كادر الكاميرا!

ثالثاً: التعلم من تجربة السلطات

لا يمكن أن ينكر المرء أيضاً، أنّ السلطة في الجزائر هي الأخرى قد تعلمت، وبدوافع مختلطة بين المصلحي الانتهازي وبين الوطني الحقيقي، من تجارب السلطات الأخرى: لا يمكن قمع الحركة الشعبية، واستخدام القمع ضدها يعني دفع البلاد باتجاه الخراب، ويعني تأخير نضج الاتجاه الوطني الصادق ضمن الاحتجاجات وضربه لمصلحة الاتجاهات غير الوطنية والتخريبية.

آفاق

إنّ الآفاق مفتوحة على اتساعها أمام الحركة الشعبية الجزائرية نحو مزيدٍ من التنظيم والانضباط وصولاً إلى الحقوق، وإلى التغييرات الجذرية المطلوبة ضمن كامل البنية السياسية والاقتصادية الاجتماعية، بما يخدم مصلحة الجزائر الوطنية وبما يخدم مصلحة القسم الأكبر من الجزائريين المنهوبين حالهم حال معظم الشعوب من جانب فاسديهم الكبار المتعاونين بشكل أو بآخر مع المنظومة الغربية.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
906
آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2019 14:38