الشعب الفلسطيني...صمّام الأمان
عليا نجم عليا نجم

الشعب الفلسطيني...صمّام الأمان

منذ 71 عاماً، وضعت دولٌ عظمى ثقلها في ترسيخ الكيان الصهيوني، وإخضاع فلسطين أرضاً وشعباً...ورغم الأموال والقمع والمجازر بقيت القضية، شعباً يقاوم محتلاً... كانت الجماهير ومقاومتها هي صمّام الأمان عند كل مفصل.

لم تستطع الفصائل الفلسطينية خلال اجتماعها في موسكو التوافق على بيان ختامي، رغم التحذير الروسي بأن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني هو ورقة يجري استغلالها لتمرير «صفقة القرن» الأمريكية...أما على المستوى الشعبي فإن رفض «الصفقة» المحتملة، كرفض مجمل سياسات الاحتلال، مقرونٌ على الدوام مع مقاومة متجددة، وتحركات فعلية على الأرض، مما يجعل من الشعب مجدداً نقطة القوة الرئيسة التي يمكن الاستناد إليها في ظل المتغيرات الجارية...

الفصائل عاجزة... والشعب يستطيع

رغم الإجماع والأحاديث الكثيرة حول خطورة الانقسام على القضية الفلسطينية، ورغم المحاولات الفعلية التي جرت لإنهاء هذا الملف، سواء من اتفاق القاهرة الذي وقع عام 2017، أو حتى المبادرة الروسية الأخيرة، إلّا أن الانقسام ضمن المعطيات الحالية يبدو عصيّاً على الإصلاح، إذ ازدادت حدة التوترات والخلافات، بين حركتي «فتح» و«حماس» بشكل أساسي، في الآونة الأخيرة، وهنا يمكن الوقوف عند بعض النقاط التي يمكن اعتبارها أساسية في زيادة تعميق الانقسام واستعصائه:
أولاً: من المؤكد أن الانقسام الفلسطيني، والفصل بين غزة والضفة الغربية، كان هدفاً إستراتيجياً للاحتلال، عمل عليه مطولاً بشكل تدريجي وممنهج، فاستخدم سلاح الاستيطان، ليتجاوز العدد اليوم مئتين وستين مستعمرة وبؤرة استيطانية جديدة، واستخدم الحواجز العسكرية التي لا يقل عددها عن ستمئةِ وأربعين حاجزاً، بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري، وتقسيم الضفة إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج) لتصبح 62% من مساحة الضفة تابعة للمستوطنين، وغيرها من الإجراءات.
ثانياً: ساهمت الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، وخاصة اتفاقية «أوسلو» بما شملتها من اتفاقيات اقتصادية وتنسيق أمني في تعزيز الانقسام، وهي الاتفاقيات التي تشكلت على أساسها السلطة الفلسطينية، التي تمانع، وفقاً لمؤشرات عديدة، الذهاب نحو وحدة الصف الوطني بشكل جدي، لذا يبدو أن السلطة ببنيتها الحالية عاجزة عن تجاوز الانقسام. ورغم أن السلطة الفلسطينية تتحمل بشكل واضح المسؤولية الأكبر في تعثر ملف المصالحة، إلّا أن هذا لا ينفي المسؤولية الواقعة على عاتق القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى، بشكل أو بآخر.

«صفقة القرن» والظرف الدولي الجديد

رغم أن السلطة والفصائل الفلسطينية مجتمعة، أكدت على رفضها «صفقة القرن» إلّا أن الرفض وحده غير كافٍ ما لم يتزامن مع خطوات جديّة على الأرض، تضمن على الأقل تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الصفقة ومخرجاتها، التي سيتم طرحها، وفقاً لآخر التصريحات الأمريكية، بعد الانتخابات «الإسرائيلية» المقررة في نيسان.
لم يتم حتى الآن الكشف عن بنود الصفقة، إلّا أن الكثير من التحليلات ترى بأنه من الممكن التنبؤ بملامحها بناءً على سلوك الإدارة الأمريكية مؤخراً اتجاه القضية الفلسطينية، والمتضمن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة «الأونروا» والسلطة. لكن السؤال الذي ينبغي طرحه هنا، هو: إلى أية درجة تستطيع الولايات المتحدة اليوم المغالاة في استهداف النقاط الحمراء للقضية الفلسطينية؟
للإجابة عن هذا السؤال، يمكن الانطلاق، أولاً: من مؤتمر وارسو الذي عُقد مؤخراً بحضور عربي أمريكي «إسرائيلي»، والذي كان ضمن بنوده المسربة مناقشة الجانب الاقتصادي لصفقة القرن، فانتهى هذا الاجتماع دون بيانٍ ختامي، وتمّ الإجماع على فشله. من جهة أخرى يجب الأخذ بعين الاعتبار واقع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، وعناوينه الأساسية من تراجع وانقسام وعزلة دولية.. بالإضافة إلى مؤشر آخر مهم، وهو: الموقف الذي أعلنت عنه روسيا برفض الصفقة وأية خطة تخالف القرارات الدولية... بناءً على هذا سنصل إلى نتيجة مفادها أن قدرة واشنطن اليوم محدودة في فرض وتثبيت وقائع جديدة لا تتوافق مع القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
هذه التغيرات الدولية الجارية اليوم، يمكن الاستفادة منها فلسطينياً، إلّا أن هذا يتطلب إرادة وقوى في الداخل تستطيع الاستفادة من هذا الظرف المتغير. وطالما أن القوى التي تنتمي إلى الفضاء السياسي القديم تبدو عاجزة عن استيعاب هذه التغيرات، فإن الشعب الفلسطيني، كما غيره من الشعوب اليوم، سيُنبت ممثليه الجدد، الذين سيكونون على قدر المرحلة ومعطياتها.
يوم الجمعة الماضي تمكن الفلسطينيون من فتح باب الرحمة في الجزء الشرقي من المسجد الأقصى في مدينة القدس، وذلك لأول مرة منذ عام 2003، رغماً عن الاحتلال... ويخوض الأسرى في سجن عوفر معركة الوحدة والكرامة... وفي غزة تظاهرات برية وبحرية وإرباك ليلي للعدو.. كما في الضفة عمليات واشتباك لا يهدأ مع الاحتلال... لذا لا خوف على هذا الشعب الذي أضحى اليوم صمام الأمان الوحيد لقضيته في وجه الخطط الأمريكية.

آخر تعديل على الإثنين, 25 شباط/فبراير 2019 12:34