الغابون... واحتمالات الفوضى الإفريقية

الغابون... واحتمالات الفوضى الإفريقية

«إن كنتم تتناولون الطعام، توقفوا. إن كنتم تتناولون كأساً، توقفوا. إن كنتم نائمين، استيقظوا. أيقظوا جيرانكم... انهضوا معاً وسيطروا على الشارع»، هذه الرسالة التي وجهها أحد العسكريين إلى الشعب في الغابون، في محاولة انقلاب باءت بالفشل يوم الاثنين 7 كانون الثاني الجاري.

إذ سيطرت مجموعة ضباط في الجيش على مبنى الإذاعة الوطنية، وأعلنت تشكيل «المجلس الوطني للإصلاح»، لكن سرعان ما تم استعادة السيطرة على مبنى الإذاعة، واعتقال معظم من شاركوا في محاولة الانقلاب، لتعود قوات الشرطة والجيش، وتبسط سيطرتها على العاصمة ليبرفيل.
تزامنت محاولة الانقلاب مع غياب رئيس البلاد، علي بونغو، الذي كان يخضع للعلاج من جلطة دماغية في المغرب، ومنع الانقلابيون بث كلمته بمناسبة السنة الجديدة في الإذاعة، إذ رأوا فيها تعزيزاً للشكوك في قدرة بونغو على تحمل مسؤوليات منصبه.
ترأّس، علي بونغو، الدولة التي تقع في غرب وسط إفريقيا، منذ عام 2009، إذ تم انتخابه خلفاً لوالده عمر بونغو الذي ترأس البلاد لثلاث فترات منذ عام 1967، ومنذ ذلك الحين شككت أحزاب المعارضة بنتائج الانتخابات، وتعتبر الكثير من التحليلات أن الاستياء الشعبي في ازدياد من العائلة التي تحكم البلاد منذ حوالي أربعين عاماً. فاز علي بونغو بنسبة 49,8% في انتخابات عام 2016، التي تم الإجماع بشكل واسع على أنها شهدت الكثير من عمليات التزوير وسط أعمال عنف من قبل قوات الأمن.
لقد أهدر عمر بونغو الكثير من ثروة الغابون النفطية الهائلة وأبقى على علاقات وثيقة مع فرنسا في نظام يعرف باسم «فرانس- أفريك» الذي يعزز سيطرة فرنسا على مستعمراتها السابقة، كما أُغرقت البلاد بالقروض والمساعدات المقدمة من فرنسا وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ تغييرات اقتصادية.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أرسل يوم الجمعة الذي سبق محاولة الانقلاب، 80 جندياً أمريكياً إلى الغابون، للدفاع عن المصالح الأمريكية و«أهداف سياسية أخرى» في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة، بسبب أعمال عنف متوقعة نتيجة للانتخابات الرئاسية ونتائجها في الكونغو.
يمكن اعتبار الغابون حالة نموذجية لاحتمالات الفوضى التي تخلفها سياسات التبعية للغرب سياسياً واقتصادياً، وإن كان سعي الشعب في هذه الحالة للتغيير أمراً مشروعاً، إلّا أن اللجوء إليه من باب الانقلابات العسكرية وتغيير رأس الحكم دون تغيير جذره، لن يصل إلى نتائجه المطلوبة أولاً. ويضعنا ثانياً: أمام تساؤلات وشكوك حول المستفيد من حالة الفوضى التي قد يفضي إليها هكذا خيار، وقد تمتد إلى الدول المجاورة، وخاصة مع الإعلان مؤخراً عن إستراتيجية أمريكية جديدة في إفريقيا!؟