الانقسام حجر عثرة في النضال الفلسطيني

الانقسام حجر عثرة في النضال الفلسطيني

ارتفعت حدة التوتر بين حركتي «فتح» و«حماس» في الآونة الأخيرة، ليتعقد معها ملف «المصالحة الفلسطينية». وليس من الصعب إدراك أن الوحدة الفلسطينية هي مفصل في تعزيز القدرة على مقاومة الاحتلال، وتحصين القضية من الاختراقات والاعتداءات بأشكالها المتعددة، فهل من الممكن تجاوز هذا الملف الشائك، أم أن الأمور ستذهب نحو الأسوأ؟

منذ بداية العام الحالي تسارعت الأحداث في هذ السياق، حيث اتهمت «فتح»، في ذكرى انطلاقتها، حركة «حماس» باعتقال المئات من كوادرها، لتعود وتتهمها بالوقوف وراء اعتداء مجهولين على مبنى تلفزيون «فلسطين» في غزة، وبناءً عليه قررت «فتح» إغلاق مقراتها في غزة والتوقف التام عن العمل بها حتى إشعار آخر، وبعد ذلك أعلنت الهيئة العامة للشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، سحب جميع موظفيها العاملين في معبر رفح، بسبب ما أسمته «ممارسات حركة حماس». وبالمقابل، أقر المجلس التشريعي في قطاع غزة الذي حلّه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالأغلبية نزع الأهلية السياسية عن الرئيس عباس، خلال جلسة عقدها في مقره في مدينة غزة.
يطول الحديث عن مسببات الانقسام الفلسطيني وتوالي أحداثه، ولكن يمكن وضع سمات عامة له وللظروف المحيطة به، بحيث يمكن استنتاج أساسه ومساره. منذ تراجع الثورة الفلسطينية المرتبطة بتراجع القوى الثورية على مستوى العالم، والوصول إلى اتفاقيات مع الاحتلال بداية التسعينيات، تجلت باتفاقية «أوسلو» واتفاقية «باريس» الاقتصادية، بالإضافة إلى دخول الطرف الأمريكي على خطة رعاية التسوية الفلسطينية– «الإسرائيلية»، بدأت حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني تتعمق، بوجود سلطة تُنسق أمنياً مع دولة الاحتلال، وترتبط مالياً مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المانحة، وما يتبعه هذا من برنامج سياسي محدد، يعني بطبيعة الحال كبح المقاومة. بالمقابل فإن الظرف الدولي العام الذي كان سائداً خلال الحقبة الماضية بهيمنة الولايات المتحدة على العالم، شكّل وضعاً غير مؤاتٍ للمقاومة الفلسطينية وأدوتها.
اليوم، يتغير النظام الدولي، حيث تتراجع الولايات المتحدة وحلفاؤها، وتنسحب من ملفات عدة بما فيها القضية الفلسطينية، ومع هذا الانسحاب فإن خللاً سيصيب تلك البنى التي كانت متكئة فيما مضى على واشنطن، ومن هنا فإن عمليات الفرز ستتعاظم، باتجاه تبلور وضع جديد. وبالعودة إلى موضوع الانقسام الفلسطيني فإن تغير موازين القوى الدولي والإقليمي، وسحب المساعدات المالية الأمريكية للسلطة، قد عمّق من حدة التناقضات الداخلية الفلسطينية، باتجاه حلّها مع تثبيت الوضع الدولي والإقليمي الجديد.
تستمر الجهود الدبلوماسية المصرية في العمل على ملف المصالحة الفلسطينية، لكن الجديد اليوم هو دخول روسيا على الخط، إذ أعرب المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، عن قلق موسكو إزاء تعثر عملية المصالحة الفلسطينية، مؤكداً استعداد موسكو «لمواصلة اتصالاتها مع جميع القوى السياسية الفلسطينية من أجل تهيئة الظروف لحل القضية الفلسطينية على أساس قانوني دولي معروف»، معتبراً أن معالجة الأزمة الراهنة داخل الصفوف الفلسطينية تمثل شرطاً لا بد منه لتحقيق تقدم في تسوية القضية، وكان من المقرر زيارة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إلى موسكو لكن تم إرجاؤها إلى موعد غير محدد.
وعموماً، فإن رعاية دولية غير محصورة بواشنطن، يعني وضعاً دولياً جديداً، يعزز فرص حلّ التناقضات الداخلية الفلسطينية بشكل أكبر.