الرسّام يناقض نفسه... ثورة ملونة؟
يزن بوظو يزن بوظو

الرسّام يناقض نفسه... ثورة ملونة؟

تستمر التظاهرات والاحتجاجات الفرنسية حتى أسبوعها الرابع على التوالي بتصاعد، وتصعيد مستمر بالأعداد والمطالب، على الرغم من إعلان الحكومة التخلي عن فكرة زيادة الضرائب على الوقود.

 

بعد موجة احتجاجات واسعة عمّت البلاد، أعلن رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب التخلي عن زيارة الضرائب على الوقود بعد تعليق العمل بها لستة أشهر فقط - علماً أنه قبل حوالي يومين من ذلك، وعند عودة إيمانويل ماكرون من قمة العشرين كان قد أعلن الأخير عن «عدم التراجع» - في محاولة لإخماد الحراك الشعبي وتأريضه، الأمر الذي لم ينجح، لتستمر التظاهرات بتصعيد أعلى وجموع أكبر وصلت حد المطالبة بتنحي ماكرون وحكومته برمتها عن السلطة، وخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
أكثر من مجرد وقود
فكما تحدثنا في العدد السابق، ضريبة الوقود كانت الشرارة لانفجار الاحتجاجات، وليست سبباً وحيداً لها، ومعالجة الشرارة وحدها بهذا القدر من الاستسخاف يولّد رداّ لا يقل عن التصعيد الذي جرى عقب تعليقها، فالفرنسيون لم يخرجوا لأجل الوقود فحسب، بل لمجمل التدهور المعيشي الذي لحظوه منذ تسلّم حكومة ماكرون السلطة، ولمجمل الحذر على مستقبلهم من استمرار هذه السياسات، من خفضٍ الأجور ورفعٍ للضرائب وزيادة لنسبة البطالة بالإضافة إلى خطط خصخصة مؤسسات الدولة. ويمكن الاستدلال على ذلك من بعض الشعارات التي رفعها المتظاهرون الفرنسيون مثل: ماكرون رئيس الأغنياء، وفرنسا السفلى ضد فرنسا العليا، وغضب الشعب وغيرها من الشعارات والمطالب.
هولندا تنضم للقافلة
جرى ما بين الأسبوع الماضي واليوم انضمام هولندا إلى جانب بلجيكا التي سبقتها في حركة «السترات الصفراء» مطالبة برفع الضرائب عن الوقود في بلدانهم أيضاً، ومن غير المستبعد أن يتوالى هذا الدومينو ليصيب بلداناً مجاورة أخرى بحكم الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين دول الاتحاد الأوروبي عموماً، حيث أي قرار اقتصادي في واحدة منها يؤثر على الجميع، وبالعكس، فحركة «السترات الصفراء» بما تحتويه من أسباب لا تعبّر فقط عن الحالة المعيشية الفرنسية، بل عن مجمل شعوب الاتحاد الأوروبي، والمركز الرأسمالي عموماً، التي بدأت تتعرض للضغط من حكوماتها على إثر تغير موازين القوى الدولية، وتأثيره على كبح نهب هذه الحكومات من الخارج، وتعاظم التناقضات والخلافات فيما بينها بغية تحصيل الربح الأعلى.
ثورة ملونة؟
اعتاد العالم في الفترة السابقة، وتحديداً ما بعد الحرب العالمية الثانية، أن يرى ما أُطلق عليه «ثورات ملونة» تصيب بشكل أساس دول الأطراف أو «دول العالم الثالث» من قبل المراكز الغربية بغاية التوتير وخلق الفوضى وإنشاء أزمات تصبّ بمصلحة راعيها، لكن أن تصاب إحدى دول المركز المصدّرة لمثل هكذا ثورات، لهو أمر جديد، فهذا ما يحاول إعلام السلطة الفرنسية الإيحاء للناس به حول حركة «السترات الصفراء»، مستنداً إلى الخلافات الأمريكية الفرنسية حول اتفاقية المناخ والناتو وجيش أوروبا الموحّد وغيره، بغية إسقاط الحق عن هذه الحركة وإعطاء الضوء الأخضر لقوى السلطة الفرنسية باستخدام أدوات وأساليب القمع بغطاء شرعيّ، علماً بأن فرنسا نفسها كانت من أول المنددين بالعنف اتجاه «الثورات الملونة» عالمياً.
إنّ أية حركة شعبية تحمل بداخلها أسبابها الموضوعية أولاً، والتغاضي عن هذه الأسباب بحجج كهذه يكون كوضع الزيت على النار، فعلى الرغم من احتمالية التدخل الأمريكي بالحركة الفرنسية لمصالحها، إلّا أن هذا الأمر لا يسقط ولا ينفي تلك الأسباب الموضوعية والمحقّة التي خرج الفرنسيون لأجلها، بصرف النظر عن مآرب الخارج وألاعيبه، وتكون مهمة القوى والأحزاب السياسية، أن تجاري مطالب شعبها لتكون حاملاً حقيقياً لهذه التحركات، تسدّ بها أية ثغرة تدخل خارجي فيها، ويبقى المعيار لقياس مدى جذرية حركة شعبية ما، هو: النظر إلى شعاراتها ومطالبها واصطفافاتها الحقيقة بغض النظر عن اللون الذي يتخذه أصحابها.
سمتٌ واحد
ستكثر هذه التحركات لا في أوروبا وحدها، بل في العالم أجمع بحكم الأزمة الرأسمالية التي لا حل لها إلا بزوال الرأسمالية نفسها باتجاه الاشتراكية موضوعياً، وستكثر معها الاتهامات لهذه التحركات، كالتي تحدثنا عنها وللغاية ذاتها: محاولة كبح الحراك الشعبي والتغيير الجذري.
ومن المثير للسخرية «شماتة» الحكومات «الليبرالية» ببعضها البعض، محاولةً عبثاً ترقيع صورتها الممزقة أمام شعوبها... إلّا أن تلك الأسباب التي تحدثنا عنها ستبقى تفعل فعلها، حتى الوصول لنتائج تؤمن حالة رضي اجتماعي جديد، سواء أكانت في أقاصي الغرب أم في أقاصي الشرق.