الانتخابات النصفية في أمريكا المتغيرة
جواد محمد جواد محمد

الانتخابات النصفية في أمريكا المتغيرة

جرت في مطلع تشرين الثاني الجاري الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقام في منتصف الفترة الرئاسية، أي: بعد عامين من تولي الرئيس الحكم، لينتج عنها، ما أجمع عليه حتى دعاة الهيمنة الأمريكية، بروز شرخ واضح في الداخل الأمريكي.

 

تجري الانتخابات المذكورة لتجديد الثقة بكامل مجلس النواب والبالغ عددهم 435، وثلث مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 عضو، بالإضافة إلى انتخاب حكام لـ 36 ولاية أمريكية، الأمر الذي من شأنه في المحصلة النهائية التأثير بشكل جدي على مجمل السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، مع إعطاء مؤشرات على مدى استقرار الوسط السياسي والاجتماعي الأمريكي.
في النتائج والإعلام
كانت النتيجة النهائية قد خَلُصت إلى حصول «الديمقراطيين» على الأغلبية في مجلس النواب بـ219 مقعداً، فيما حصل «الجمهوريون» على 194 مقعداً، ما يعني انتصاراً صريحا لـ«الديمقراطيين» في هذا المجلس، فيما حصل «الجمهوريون» على 51 مقعداً مقابل 43 «للديمقراطيين» في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى الرئيس المحسوب على «الجمهوريين».
دستورياً يحق لـ «الديمقراطيين» في هذه الحالة الدعوة إلى التحقيق مع أي مسؤول في جهاز ترامب، حتى الرئيس نفسه، مع إمكانية تعطيل بعض توجهاته التي تستدعي موافقة الكونغرس.
لا يبدو الأمر جديداً من حيث النتائج إذ غالباً ما يخسر حزب الرئيس في الانتخابات النصفية، ولكن الجديد هو الوضع الأمريكي الدولي ووزنها في ميزان القوى الدولية، والذي يضغط في عكس ما تعتبره النخب الأمريكية لصالح الولايات المتحدة.
صرحت بعض الأصوات الأوروبية بما فحواه ترحيباً بهزيمة «حزب ترامب» في الانتخابات المذكورة، من بينها نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانسيس تيمرمانس، ووزير المالية الفرنسي السابق بيير موسكوفيسي، الأمر الذي يعكس تبلور رأي أوروبي جدي معادٍ للولايات المتحدة يتمظهر على هيئة الهجوم على ترامب.
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد أشار إلى أن كلمة الفصل في الانتخابات تعود إلى الناخبين الأمريكيين، ولكنه أضاف: «نحن نعتقد بل على يقينٍ تامٍّ بأن الاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة تؤثر بشكل مباشر على علاقات واشنطن مع موسكو، وقد أصبحت علاقاتنا واتصالاتنا وشراكتنا حول قضايا الأمن في العالم، والتي أحوج ما تكون الشعوب إليها، رهينة لهذه الصراعات السياسية الداخلية في أمريكا».
الخلافات بين الصعود والتراجع
داخلياً يتمظهر الخلاف الجدي والأساس في التوجه الأمريكي العام، بين تيار يدعو للانسحاب نحو الداخل، وهو الرأي الذي ينحو إليه ترامب، أو الاستمرار في نهج التوسع، الأمر الذي سيؤثر في نهاية المطاف على الجوانب الداخلية كافة.
إن سياسة الانسحاب نحو الداخل، أو سياسة المزيد من التوسع خارجاً، إنما تنم عن اختلاف الرؤى في التعامل مع الأزمة الأمريكية والتحكم بها، لكنها لن تستطيع في نهاية المطاف حل الأزمة جوهرياً. إذ إن التوجه نحو الداخل يعني إدراك عدم جدوى الاشتباك مع موسكو والصين، إلّا في إطار تأخيرهما سياسياً أو اقتصادياً، في خضم عملية تموضعهما وفق أوزانهم الطبيعية دولياً، أما محاولة الاشتباك إلى الحد الأقصى مع الأعداء الإستراتيجيين للنخبة في الولايات المتحدة، إنما هي محاولة واهية لترسيخ الهيمنة الأمريكية المتهاوية.
في الولايات المتحدة لم تكن الخلافات بين طرفي الحياة السياسية الأمريكية جدية منذ خمسينات القرن الماضي، وذلك نظراً لكون الولايات المتحدة ماضية في طور التوسع والنمو على حساب البنى التقليدية التي سبقت الحرب العالمية الثانية، مدعومة بقوى المال العالمي والتي تمركزت في الولايات المتحدة لاعتبارات كثيرة، باستثناء تلك الخلافات التي كانت تظهر في الأزمات الساخنة حينها، ولكن في فترة التراجع الحالية، فإن الخلافات والانقسامات الأمريكية داخلياً وخارجياً بدأت تظهر وتتعمق جدياً، طالما أن الأزمة الأمريكية ماضية وتتعمق.