كوريا والهزيمة الأمريكية المحتومة
جواد محمد جواد محمد

كوريا والهزيمة الأمريكية المحتومة

كان الثامن عشر من أيلول الجاري اليوم الأول للقمة الكورية الكورية الثالثة خلال عام، والتي استمرت 3 أيام في بيونغ يانغ عاصمة الشمال، والتي على ما يبدو قد تمّ الاتفاق على إجرائها نظراً لعدمية نتائج القمة الأمريكية الكورية الشمالية السابقة، التي جرت في الثاني عشر من حزيران الماضي في سنغافورة، والتي تمظهرت على هيئة «اتفاقيات» دبلوماسية تدعو إلى مواصلة الحوار دون الخوض، أو حتى الإشارة، إلى الإشكالات الكبيرة العالقة بين البلدين.
إن وتيرة الاجتماعات التي تجري بين الكوريتين قد اضطردت بشكل مفاجئ بعد أن كانت معدومة، الأمر الذي ينم عن نضج تلك العوامل التي تدفع الأمور والقضايا الدولية العالقة إلى الحلحلة، ولا سيما إذا توفرت الظروف الذاتية والمتمثلة بدرجة تتطور الجزيرة الكورية بعمومها.

 

فحوى التفاهمات الحالية
قبل الخوض في سرد نتائج القمة الحالية المعلنة لابدّ من الإشارة إلى محركات البحث الشهيرة على الإنترنت، وعلى ما يبدو تبذل جهداً واضحاً في محاولة عدم إظهار مخرجات القمة المذكورة بشكل واضح، حيث كان يتوجب علينا كتابة التاريخ الدقيق للزيارة بغية الحصول على بعض المعلومات المنقوصة عن الخبر.
إن ما تمّ إعلانه رسمياً في ما يخص القمة الكورية يتمثل بالقضايا التالية: إيقاف كلا الطرفين للمناورات والتدريبات العسكرية في المنطقة الحدودية، الأمر الذي يؤرّض محاولات الأمريكيين لعسكرة هذه القضية بالتحديد، إغلاق بعض المراكز الكورية الشمالية ذات الصلة بتجارب محركات الصواريخ، إعلان إنهاء العمل في أحد المراكز النووية بشكل كامل لاحقاً، مع تقديم طلب لتنظيم أولمبياد مشترك، بالإضافة إلى استمرار المنجزات السابقة المتمثلة بالسماح للكوريين في الشطرين باللقاء في المناطق الحدودية.
استنتاجات أولية
من المبكر القول: إن نتائج القمة المذكورة ستتحقق بكل تأكيد كون الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، إلّا أنّ الأجواء على ما يبدو كانت إيجابية بين الجانبين، الأمر الذي يعكس بطبيعة الحال الجوانب الدبلوماسية جزئياً، ولكن يمكن التأكيد على بعض النقاط الأساسية:
أولاً: إن القمم الكورية- الكورية المتكررة تبدو على ما يبدو أكثر عملية وواقعية وفعّالية من القمة الأمريكية- الكورية الشمالية، وذلك نظراً لانخفاض منسوب الثقة المتبادلة بين الأمريكيين والشماليين، إضافة إلى كون الولايات المتحدة لا تمضي جدياً في مسألة دفع الأمور إلى الحلحلة لاعتبارات إستراتيجية، تتمثل أهمها بكون الجزيرة الكورية تقع على خاصرة الصين.
ثانياً: إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنخرط في حوار مع الطرف الشمالي إلا بضغط احتمالية بقائها خارج التفاهمات المحتملة بين الكوريتين، وذلك نظراً للتوازن الدولي الجديد، والذي يرتفع فيه وزن الروس والصينيين، الذين يدفعون المسألة الكورية نحو الحلحلة لاعتبارات جيوسياسية، بالإضافة إلى نضج العوامل الذاتية في الحالة الكورية والمتمثلة بدرجة التطور العالية عموماً في شبه الجزيرة الكورية، حيث تبدو كوريا الجنوبية أكثر استقلالاً ونضجاً من أقرانها الأوروبيين في مصالحها الحيوية المتمثلة بسلام مديد مع القسم الشمالي.
كوريا واحدة قريباً؟
إن المصالح الكورية- الكورية تمضي نحو تأريض وطمس الخلافات والسير نحو الحلحلة، وربما نحو التوحد مجدداً، وهو أمر غير مستبعد طالما أنه يصب في مصلحة شعب شبه الجزيرة الكورية أولاً، وفي مصلحة الصينيين ثانياً، على عكس حسابات الأمريكيين الذي يريدون المحافظة على بؤر التوتر في محيط كل من روسيا والصين، وهو ما يعني: أن الصين وهي القوة الأكبر في المنطقة ستدفع في هذا الاتجاه، استكمالاً لما بدأته مع روسيا في وضع خارطة طريق لحل الأزمة الكورية في العام الماضي. وخاصة مع انخفاض الدور الأمريكي، وإدراك الكوريين الجنوبيين لضرورة الفكاك من الشريك الأمريكي المتراجع والمأزوم.