«صفقة القرن» و«الخان الأحمر» والتمسك بالحقوق
عليا نجم عليا نجم

«صفقة القرن» و«الخان الأحمر» والتمسك بالحقوق

يزداد الحديث اليوم مجدداً عن الخطة الأمريكية المسماة «صفقة القرن»، ولكنه ممزوج هذه المرة بتقديرات متدنية لفرص نجاحها. على الجانب الآخر يستمر الحراك الشعبي الفلسطيني الجاري في غزة، لتنضم الضفة الغربية والقدس إليه.

أثبتت التجربة أنه من الخطأ الركون إلى التصريحات الأمريكية المتناقضة، التي تعكس درجة عالية من التخبط، والأمر ذاته ينسحب على «صفقة القرن»، التي لم تُعلن رسمياً، أو تتوضح معالمها حتى الآن.

إعلام العدو يقر: الخطة ستفشل
الحدث الأبرز مؤخراً على هذا الصعيد، هو: جولة الوفد الأمريكي، بقيادة جاريد كوشنر، وجيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، في المنطقة. حيث أشارت وسائل إعلام إلى لقاء سري عُقد في العقبة في 17 حزيران الماضي جمع رئيس جهاز الموساد «الإسرائيلي» وقادة استخبارات السعودية ومصر والأردن وفلسطين. ورغم النفي الأردني والفلسطيني القاطع ما زال الإعلام «الإسرائيلي» يركز على «القمة الاستخبارية» معتبراً إياها المستوى الإعدادي الأخير لـ«صفقة القرن».
إعلام العدو ذاته، يرى في مجمل طروحاته أن احتمال نجاح الصفقة ضعيف، كونها فشلت في إقناع الفلسطينيين ودول عربية أخرى، وأن واشنطن تستعد لإعادة تقييمها، وأن الخطة تسببت في أزمة داخل حكومة نتنياهو. وفي استطلاع أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» فإن حوالي 74% من «الإسرائيليين» يعتبرون أن فرص نجاح هذه الخطة ضعيفة أو ضعيفة للغاية.
الموقف الرسمي المعلن للسلطة يقول: إن الخطة مرفوضة، وشهدت رام الله مسيرة حاشدة رفضاً لها، قال خلالها نائب رئيس حركة «فتح» وعضو لجنتها المركزية، محمود العالول: «خرجتم لتقولوا كلمتكم، كما قالها أبناء شعبنا في كل مكان، فصفقة القرن محاولة لاختراق جدار الوحدة الفلسطينية ولن تنجح، وخرجتم لتقولوا: إن الرئيس والقيادة ليسوا وحدهم في مواجهة صفقة القرن بل معهم جماهير شعبنا». مضيفاً: « ترامب جاء بصفقة تحت عنوان حل قضية فلسطين، بدون اللاجئين والقدس والعودة، وقال له الرئيس محمود عباس: أمريكا ليست مؤهلة لأن تقود عملية السلام».

أفعال السلطة تناقض أقوالها
لكن موقف السلطة هذا لا يعززه سلوك قوى الأمن التابعة لها في الضفة عندما قمعت بالقوة مؤخراً الحراك المطالب برفع عقوبات السلطة عن غزة، والوصف الذي أطلقته حركة «فتح» على الحراك بالقول: أن ما يجري من ضغوطات «إسرائيلية»- أمريكية وداخلية مدعومة من «حماس» لثني القيادة الفلسطينية عن موقفها الرافض «لصفقة العار» هي مؤامرة لن تمر بالمطلق.
إذ أن مواجهة المخططات الأمريكية المستهدفة للقضية الفلسطينية تتطلب بالدرجة الأولى حشد الشعب الفلسطيني ورصّ صفوفه في مواجهتها، والاستحقاق الأهم اليوم في سبيل ذلك، هو: أن ترفع السلطة عقوباتها الاقتصادية المفروضة على غزة لتخفيف الضغوطات على الشعب في القطاع، والذي يقدم أروع البطولات في مقاومة الاحتلال، ولإزالة العقبات أمام المصالحة المتعثرة.
في غزة استطاع الفلسطينيون جعل الاحتجاجات على الحدود ضمن فعاليات «مسيرة العودة وكسر الحصار» واقعاً مستمراً يستنفذ العدو، والتطوير المستمر والمبدع لأدوات بسيطة في المواجهة، حيث جعلوا من بالوناتهم الحارقة كابوساً يواجهه العدو، أدت إلى خسائر كبيرة في أراضي المستوطنات المحيطة بالقطاع، وحملت المظاهرات هذا الأسبوع عنوان رفض «صفقة القرن»، أكد فيها المتظاهرون رفض الحلول الإنسانية للقطاع إذا كان ثمنها تخفيض السقف السياسي للفلسطينيين.

«الخان الأحمر» يجمد قرار العدو
في خضم الحديث عن الصفقة الأمريكية يقدم الفلسطينيون في القدس درساً عن العزم الفلسطيني على التمسك بالحقوق، إذ استطاع الأهالي والناشطون تجميد قرار الكيان الصهيوني بهدم التجمع البدوي «الخان الأحمر» شرق القدس حتى البت في الالتماس المقدم في القضية. وذلك بعد مواجهات قام بها سكان الحي ونشطاء ومتضامنون أجانب، عندما شرعت الجرافات الإسرائيلية إلى شق طريق يوصل ما بين الشارع الرئيس ومنطقة الخان، حيث تسعى حكومة العدو إلى ترحيل التجمعات البدوية شرقي القدس، من أجل إقامة مشروع استيطاني يطلق عليه «E1».
وهنا يمكن القول: إذا كانت حكومة الاحتلال اليوم غير قادرة على تنفيذ أمر بهدم حي فلسطيني، أو حتى قمع الاحتجاجات الحاصلة على الحدود مع غزة، كما السابق، فهل تسمح جملة المعطيات المتعلقة بالحراك الشعبي الحاصل، وبموازين القوى الدولية والداخلية، كذلك التراجع والعزلة الأمريكية، والكيان الصهيوني المتخبط، بتمرير «صفقة القرن»؟! سيثبت القادم من الأيام أن الأمر يبدو مستحيلاً.