كوريا تتكلم.. والأمريكي يتألم
يزن بوظو يزن بوظو

كوريا تتكلم.. والأمريكي يتألم

لم تلبث أن تتسارعت عملية التقارب بين الكوريتين خلال الأسابيع القليلة الماضية، على مرأى الأمريكي ورغماً عنه، حتى فعل ما نتوقعه منه، كعادته، في صُنع العراقيل.

 

شهدت شبه الجزيرة الكورية سلسلة من الأحداث المتعاقبة والسريعة، تخللها اجتماع قمّة تاريخيّ لرئيسيها_ بعد انقطاع وحروب وتناحرات دامت عشرات السنين_ صدر عنه بيان سلام مشترك يوضح وقف الحرب وبدء مرحلة جديدة تماماً في العلاقات الشمالية_ الجنوبية، ليتضمّن الاتفاق أيضاً آليةً حول نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة كلها تدريجياً، حيث أكدت بيونغ يانغ أنه لا حاجة للإبقاء على برنامجها النوي طالما أنها لا تتعرض لتهديدٍ عسكري، وقد بادرت الشمالية إلى دعوة مراقبين دوليين لمراقبة سير العملية كبادرة وإشارة إيجابية منها. تلا ذلك الاجتماع بأيام قليلة حديث عن موعد مرتقب للقاء أمريكي_ كوريّ شماليّ.
الخاسر يتقيأ ألمه
تحاول قوى الحرب الغربية ما استطاعت أن تعيق وتقوّض عمليات السلام التي تتوسع شيئاً فشيئاً على الصعيد الدولي ورغماً عن الأمريكي، بحامليها الرئيسيين الروسي_ الصيني، ولكوريا الشمالية حصّتها. فقبيل اجتماع قمة كان مزمعاً انعقادُه بين رئيسيّ كوريا الجنوبية والديمقراطية في الأسبوع الفائت، بدأت مناورات عسكرية كورية جنوبية- أمريكية لتُشكّل استفزازاً مباشراً لكوريا الديمقراطية، تُناقض ما تم الاتفاق عليه خلال كُل المدّة السابقة من إعلانات السلام، وتُناقض ادّعاء الأمريكي بموافقته على نزع كُل الأسلحة النووية من شبه الجزيرة بأكملها، فالمناورات المشتركة تلك تَعني تحالفاً لا حياد فيه من الأمريكي.
الرابح يمدّ يد السلام
أثناء المناورات الجارية، أعلنت بيونغ يانغ فوراً إلغاء قمّة الرئيسين الكوريين، وهددت بالانسحاب من اللقاء المزمع بين الرئيس كيم جونغ أون وترامب ما لم تلتزم أمريكا مع الجنوبية بالاتفاقات السابقة، مؤكدة رفضها تقديم أيّة «تنازلات أحادية الجانب»، وأن قبولها بالحلّ والسلام لم يأت إلّا بإرادة كوريا الديمقراطية بتحقيق ذلك، موضحة رغبتها بتنفيذ ما اتفق عليه في إعلان بانمونجوم. وشددت بيونغ يانغ على أنّ واشنطن أخطأت حينما «ظنت أن سعي كوريا للتفاوض نتج عن العقوبات والضغط وليس عن إرادتها». وقال كيم كي كوان النائب الأول لوزير الخارجية الشمالي في مؤتمر صحفي: «لن نبدي للحوار مع الجانب الأمريكي اهتماماً من الآن فصاعداً، وإذا دفعنا هذا الحوار إلى طريق مسدود وطلب منا التخلي عن النووي بصورة أحادية الجانب، سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة النظر في ما إذا كنا سنقبل لقاء القمة الكوري الشمالي- الأمريكي المرتقب».
وهو ما يعني أن الحديث الكوري الشمالي واضح، بأن الحل لم يأت بضغط أمريكي بل على العكس، الأمريكي هو من انصاع للإرادة الدولية الجديدة ومنطق العلاقات الذي تفرضه القوى الصاعدة بالحلول السلمية للصراعات، على عكس ما تحاول بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية تصويره والترويج له للتغطية على الهزيمة السياسية الأمريكية، وقلب الحقائق إعلامياً إلى ما يشبه النصر الأمريكي المزيف.
مسير الخارطة
لا يزال في بداياته
من الجدير بالذكر، أن محادثات السلام وآلية الحل، ومجمل ما جرى التقدّم فيه في شبه الجزيرة الكورية في الشهور القليلة المنصرمة قد أثمر عن خارطة الحل الكورية التي قدمتها روسيا قبل حوالي السنتين، بدعمٍ من الصينيين وبموافقة كوريا الديمقراطية في أثناء تعجرف واشنطن وفرضها العقوبات والعراقيل العسكرية والاقتصادية والسياسية، لتتبخر أحلامها بإشعال المنطقة رويداً رويداً منذ ذاك الحين وصولاً إلى اليوم، ومُحاولات العرقلة هي ذاتها، باختلاف الذرائع المُقدمة من الأمريكي في مختلف الملفات الدولية، والتي في الكثير من الحالات مؤخراً باتت تتصف بالوقاحة. وهي لن تجدي نفعاً طالما أن الوزن الحقيقي للولايات المتحدة لا يخولها بفرض إرادتها كما السابق، وطالما أن الهيمنة الأمريكية في تراجع مستمر، وهي لا تملك اليوم سوى استعراضٍ زائفٍ للقوة، ونشر الجنون ما أمكن حول العالم للتغطية على انسحابها.
عند الكوريين
ومن الكوريين
لا مبالغة على الإطلاق في القول: إن طرد الولايات المتحدة من ملفّ الكوريتين لوحده كفيل بصنع الظروف الموضوعية التي تُسرّع عمليات السلام في شبه الجزيرة، ولا مبالغة أيضاً في القول: إن مجموعة الدول الصاعدة، وعلى رأسها الروس والصينيون، هم من يقصّون مخالب واشنطن، لتبقى الكرة في نهاية المطاف تتنقل شمالاً وجنوباً فقط بين الكوريتيين وكيفما اتفقوا.