«سد النهضة» وأمن مصر القومي

«سد النهضة» وأمن مصر القومي

تستمر الأزمة حول «سد النهضة»، مع تعثر المفاوضات المستمرة منذ سبع سنوات بين الأطراف الثلاثة المعنية، مصر وأثيوبيا والسودان. السد الذي تعتبره إثيوبيا ضرورة تنموية، ترى فيه مصر تهديداً لأمنها المائي، أحد العناصر الجوهرية في أمنها القومي.

 

مؤخراً، وصلت أزمة «سد النهضة» إلى منعطفٍ جديدٍ، فبينما ترى إثيوبيا أن السد قد أصبح أمراً واقعاً، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريح له يوم 19 نيسان الجاري: أن مصر لن يُفرض عليها وضع قائم يجري من خلاله فرض إرادة طرف على طرف آخر. فما هي الخيارات المطروحة مع استمرار تعثر المفاوضات؟ وما هي المخاطر التي قد يعود بها السد على مصر في حال تثبيته كأمرٍ واقعٍ؟
أثر السد على الجانب المصري
القلق المصري حول «سد النهضة» وآثاره، هو أمر مشروع ومحق، بالنظر إلى الحقائق التي تقول بأن حوالي 95% من مساحة البلاد هي صحراء، وأن اعتماد مصر على المياه من خارج الحدود هو بنسبة 97%، متضمنة حصة نهر النيل والمياه الجوفية التي تتشارك فيها مع ليبيا والسودان وتشاد. وبينما 85% من مياه النيل تأتي من إثيوبيا، فإن مصر تخشى من أن تتحكم إثيوبيا في تدفق مياه النهر.
ويرى الكثير من الخبراء، أن حصة مصر من مياه النيل، والمقدرة بـ 55,5 مليار متر مكعب، ستنخفض مباشرة بمجرّد البدء في ملء خزانات المياه لهذا السدّ، مما قد يؤدي إلى نقصٍ في مياه الشرب بالنسبة لملايين السكان، وجفاف مساحات زراعية واسعة، وانخفاضٍ في توليد الطاقة والكهرباء من «السد العالي».
ورغم القلق المصري، فقد اتسم التعامل الرسمي مع قضية السد بالدبلوماسية والتفاوض، مؤكدة على خيار التعاون كأساس لإنصاف الأطراف المعنية جميعها، ولكن الجولات التفاوضية المستمرة منذ سبع سنوات تقريباً، والتي كان آخرها في 5 نيسان الحالي، «لم تسفر عن مسار محدد ولم تأتِ بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها»، حسب وزير الخارجية سامح شكري.
والخلاف بشكل أساس يدور حول اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، الذي توافق عليه مصر وترفضه إثيوبيا والسودان، ويتعلق بتحديد آثار السد على دولتي المصب، مصر والسودان، ووضع قواعد الملء الأول للخزان، الأمر الذي تعتبره مصر ضرورة لدرء الأضرار التي يمكن أن تنجم عن السد، بما يحفظ أمن مصر المائي.
بينما تحمّل أديس أبابا مسؤولية فشل المفاوضات للقاهرة، بطرحها مجدداً اتفاقية 1959 المتعلقة بضبط مياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان، والمتضمنة احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا، وكذلك حق السودان المقدر بثماني مليارات متر مكعب سنويًا.
ويتزايد قلق المصريين مع استمرار إثيوبيا في أعمال بناء السد قبل إتمام الدراسات الفنية، وبغض النظر عن مسار التفاوض، حيث تم إنجاز 64% من مراحل بناء السد حتى الآن. وتطمح إثيوبيا إلى أن تصبح أكبر مصدّر للكهرباء في إفريقيا بعد انتهاء المشروع، باعتباره سيصبح أكبر سد كهرومائي في إفريقيا، ويُقدر أن يولد 6000 ميجاوات. وتسعى أديس أبابا إلى تعويض الأضرار من خلال إعطاء أولوية لمصر والسودان، بوصفهما دولتي المصب، في الكهرباء المولدة من السد، وهو ما تم الاتفاق عليه عام 2015 في الخرطوم.
القضية أكبر من مجرد سد؟
بغض النظر عن المزايا التي يمكن أن تحصدها مصر من الكهرباء التي قد يولدها سد النهضة، فإن الكثير من التحليلات ترى في «سد النهضة» تحولاً جيوسياسياً يجري على محاذاة أطول نهر في العالم، وأن القضية هي أكبر من مجرد سد، بل تهديدٌ مباشرٌ يطال مصر.
ويرى بعض المحللين المصريين أنه ثمة العديد من الأطراف التي يهمها أن تكون المياه نقطة ضعف مصرية، وأن يتم الضغط على مصر من خلال ورقة المياه، وأن هذه الأطراف تتضمن دولاً مثل: الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، وبعض دول الجوار. وأن توقيت الإعلان الإثيوبي عن بناء السد في عام 2011 ارتبط بالأحداث والتحولات الداخلية التي كانت تمر بها مصر في تلك الفترة.
من جهة أخرى، ورغم أن إثيوبيا أعربت عن أن تمويل بناء السد، والمقدر تكلفته المبدئية بحوالي 4,8 مليار دولار، يعتمد بشكل رئيس على الإثيوبيين أنفسهم، من خلال طرح السندات، وأن الشركة الوحيدة المساهمة في التمويل هي شركة «سالينى أمبريجيرو» الإيطالية، القائمة بأعمال إنشاءات السد. إلّا أنه هنالك تقارير عدة تشير إلى مشاركة قطرية وتركية وأخرى دولية في التمويل، لكنها تبقى معلومات غير مؤكدة، في ظل عدم وجود معلومات رسمية عن الممولين الحقيقيين للسد.
تشير التقديرات اليوم، إلى أن تكلفة السد ارتفعت إلى حوالي 8 مليارات دولار، وهي تكلفة عالية مقارنة بموازنة إثيوبيا المقدرة بحوالي 13 مليار دولار. وبالإضافة إلى التكلفة العالية، فإن إصرار أديس أبابا على المضي في أعمال البناء قبل انتهاء الدراسات الفنية، والوصول إلى توافقات مع شركائها في النهر، يحمل مؤشرات لوجود ضغوط تمارس على مصر بأبعادٍ دوليةٍ، وخلق بؤرة توتر في المنطقة كجزء من سيناريو الفوضى الذي قد يستهدف القارة الإفريقية.
تتشابك التهديدات التي تطال مصر وتزداد تعقيداً، فبعد التقدم الحاصل على مستوى المعركة في سيناء وانخفاض مستوى الإرهاب هناك، يجري التصعيد على جبهة السد، وتهديد أمن مصر المائي، في الوقت الذي تشهد فيه المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تراجعاً ملحوظاً، لتشكل جميعها تهديدات جديّة تطال مصر اليوم.
تتعدد السيناريوهات المطروحة لحل قضية «سد النهضة» في التحليلات الإعلامية، لكن الحديث الرسمي يدور حتى الآن عن إمكانية اللجوء للحل القانوني، بعد استنفاذ الحلين الفني والسياسي، وذلك من خلال تقديم شكاوى للأمم المتحدة، أو منظمة الوحدة الإفريقية ومحكمة العدل الدولية. إن تعاون جميع الأطراف المعنية بقضية السد اتجاه إيجاد حل سلمي وعادل، هو ضرورة اليوم لمواجهة مشروع الفوضى الذي يتهدد القارة الإفريقية.