تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 194
ألمانيا: أزمة حكومة أم حكومة أزمة؟

ألمانيا: أزمة حكومة أم حكومة أزمة؟

تم مؤخراً تشكيل الحكومة الألمانية، بعد جولات عدة من المفاوضات بين الأحزاب السياسية المكونة للبرلمان الألماني، وتحديداً بين «الاشتراكيين الديمقراطيين» و«الاتحاد المسيحي الديمقراطي» الذي تتزعمه ميركل.

 

الجديد في الأمر، أن الانتخابات النيابية التي أنتجت البرلمان الحالي كانت قد جرت منذ ما يقارب الستة أشهر، أي: إن الأحزاب المنضوية تحت قبة البرلمان احتاجت ستة أشهر لتشكيل ائتلاف حاكم يشكل الحكومة الجديدة، وهي مدة تُعتبر طويلة نسيباً في ألمانيا فعلامَ ينمّ ذلك؟
مخاض تشكيل الحكومة
في ألمانيا، وكأيةِ دولة أوروبية أخرى، تقوم الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، ولكن الانتخابات الأخيرة أخرجت برلماناً يتألف من 33% من «الاتحاد المسيحي الديمقراطي»، و21% من «الاشتراكيين الديمقراطيين»، و13% من حزب «البديل من أجل ألمانيا» _العنصر الجديد والثقيل على الأحزاب الكلاسيكية الألمانية، حيث لم يكن موجوداً في البرلمان السابق_ أي: أن حزب ميركل لم يحصل على الأصوات الكافية لتشكيل حكومة الأغلبية، مما اضطرها للدخول في مفاوضات والبحث عن تحالفات لتشكيل الحكومة الجديدة.
أما في الانتخابات التي سبقتها فقد حصل «الاتحاد المسيحي» على 41% من المقاعد، فيما حصل «الاشتراكيون الديمقراطيون» على نسبة تقارب 26%، ولم يكن حزب «البديل من أجل ألمانيا» موجوداً، حيث تظهر الفروق في النسب تراجع شعبية الأحزاب الكبرى التقليدية بشكل واضح بين دورتين انتخابيتين، وهنا يمكن أن نبدأ بفهم سبب المخاض الأخير في تشكيل الحكومة.
تتضمن الحكومة الجديدة 7 وزراء من «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، و3 من حليفه «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» البافاري، و6 حقائب لـ«لاشتراكيين الديمقراطيين» أهمها: كانت المالية والخارجية بالإضافة إلى منصب نائب المستشار الذي تولاه وزير المالية.
في الأسباب؟
إن الطريقة التي شُكلت بها الحكومة الألمانية الحالية، والمدة التي استغرقتها، والتغيرات في النسب والمقاعد التي حصلت عليها الأحزاب في البرلمان الحالي وسابقة، تؤكد على جملة من الحقائق:
أولاً: «الاشتراكيون الديمقراطيون» عادةً ما يقررون الاشتراك في ائتلاف حاكم بناءً على قرار تتخذه قيادة الحزب، ولكنهم في هذه المرة قاموا باتخاذ القرار استناداً إلى استفتاء جرى على مستوى الحزب الذي يبلغ أعضاؤه حوالي 400 ألف عضو، ليُتخذ القرار بالمشاركة في الائتلاف الحاكم بموافقة 63% من المصوتين، مما يدفعنا للاعتقاد بأن قيادة الحزب لم تعد تملك الجرأة على اتخاذ المواقف نيابةً عن القوى التي تدعي أنها تمثلها، وذلك انعكاساً لحالة عدم الرضى الشعبية العامة.
ثانياً: الأحزاب الكلاسيكية في ألمانيا لم تعد تُقنع المواطن الألماني على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما يدفع بالألمان للبحث، وربما خلق قوى سياسية أخرى مثل: حزب «البديل»، وإن لم تكن أفضل من الموجودة مسبقاً، إلّا أن هذه العملية قد بدأت.
ثالثاً: إن التراجع في أداء الحكومة الألمانية الذي ولّد حالة عدم الرضى الاجتماعية تعود لسببين أولهما: رسملة الكرة الأرضية كلها من قبل المركز الأوروأمريكي بحيث أصبح من الغير الممكن التوسع لتحقيق مزيد من الرسملة، التي تعتبر شريان الحياة لحكومات الدول الرأسمالية، وثانياً: ظهور شركاء دوليين متمثلين بدول «البريكس»، يملكون الرغبة والقدرة على دفع الأمور إلى اتجاهات تؤدي بتقليص الحصة السوقية لكل من المراكز العالمية الكلاسيكية، ونخص بالذكر أوروبا والولايات المتحدة.
إن الأزمة المذكورة في ألمانيا ليست ألمانية فقط، بل يمكن ملاحظة حوادث مشابهة في النمسا واليونان وإيطاليا، وحتى يمكن اعتبار وصول ترامب إلى البيت الأبيض قضية مماثلة، فالأحزاب الأوروبية الكلاسيكية، ولدت وترعرعت في عهد الهيمنة الأمريكية على العالم، الذي لم يعد يتحمّل تلك الهيمنة اللقيطة، ويدفع بكل من يحتمي بها إلى تخبّطات لم تكن في حسبان دعاة «نهاية التاريخ».