الانفتاح التركي على القارة السمراء
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

الانفتاح التركي على القارة السمراء

بدأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زيارة إلى القارة الإفريقية تستغرق خمسة أيام، الجزائر كانت محطته الأولى، لينتقل بعدها إلى غرب إفريقيا لزيارة موريتانيا ثم السنغال ومالي مطلع آذار، ليكون أول رئيس تركي يزور البلدين، وقد كان الرئيس التركي قد قام بزيارة في نهاية العام الماضي إلى السودان وتونس وتشاد، لتصل زيارات الرئيس التركي إلى القارة السمراء حوالي 24 زيارة منذ تسلمه الرئاسة قبل 3 سنوات.

الطابع الاقتصادي بدا واضحاً على زيارات الرئيس التركي إلى إفريقيا حيث اصطحب معه بالإضافة إلى الوفد المرافق له وفداً يضم 150 من رجال الأعمال أثناء زيارته للسودان، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية في المجالات التجارية والزراعية، والبنية التحتية والطاقة والبناء، وتسعى تركيا إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع القارة السمراء، الذي يبلغ حالياً 20 مليار دولار إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة.
حجم التبادلات التجارية بين تركيا والقارة السمراء
وصل حجم التبادلات التجارية بين الجزائر وتركيا إلى 3،5 مليارات دولار، وهنالك 797 شركة تركية تعمل في الجزائر، وبحسب منتدى «الأعمال الجزائري التركي» فإن الزيارة ستتوج بالتوقيع على العديد من عقود الشراكة في قطاع السياحة والزراعة والصناعات الغذائية، فيما سيعلن عن إلغاء التأشيرة التركية والجزائرية على سكان البلدين.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا والسنغال بمعدل 6 أضعاف، حيث سجل عام 2008 نحو 23 مليون دولار ليزداد ويصل العام الماضي إلى 131،19 مليون دولار، وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى غرب إفريقيا 1،7 مليار دولار، 43،6 مليون دولار إلى السنغال و 86،8 مليون دولار لموريتانيا.
وتمتلك أنقرة جزءاً كبيراً من السوق الاستهلاكية والصناعية في دول المغرب العربي، في حين تعتبر أبرز مصدر للحديد والصلب في مناطق أخرى. في المقابل، تستفيد أنقرة من إنتاج الطاقات والمعادن هناك.
كما أصدرت تركيا عدة إشارات نحو رغبتها بإعادة العلاقات مع مصر، وقد زار وفد من شركات وشخصيات مصرية، مدينة قونيا التركية للمشاركة في مؤتمر اقتصادي بعنوان «هيا نصنع معاً»، بهدف جذب استثمارات إلى مصر، من خلال عمل شراكات تركية مع رجال أعمال ومصنعين مصريين.
وكانت إسطنبول قد استضافت المؤتمر الوزاري الثاني بشأن التعاون بين تركيا وإفريقيا، والذي نظمه الاتحاد الإفريقي ووزارة الخارجية التركية. ومن المفترض أن يعد لعقد قمة الشراكة الثالثة بين تركيا والاتحاد الإفريقي، المقررة سنة 2019، بالإضافة إلى دراسة حالة التعاون الحالي.
أهداف تركيا السياسية
تسعى تركيا من خلال هذه الزيارات والاتفاقيات الاقتصادية إلى أهداف عدة من بينها: ترميم علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية، بسبب التوتر الذي شهدته هذه العلاقات نتيجة دعم حركات الإسلام السياسي، لاسيما في تونس وليبيا ومصر، ودعم قطر حليف تركيا للمتمردين في النيجر، بالإضافة إلى تعزيز تركيا لقدراتها على مواجهة منظمة «فتح الله غولن» والتي تعتبرها منظمة إرهابية حيث توصلت أنقرة في هذا السياق إلى اتفاق مع تشاد لتسليم المدارس التابعة لمنظمة «فتح الله غولن» إلى إدارة وقف المعارف التركية. ولأن القارة الإفريقية هي قارة غنية بالموارد وسوق واعدة وخاصة في مجالات الطاقة والمعادن، فإن تركيا تسعى مع أغلب دول العالم للاستثمار فيها.
وتحاول تركيا من خلال وجودها العسكري والاقتصادي في إفريقيا، توسيع محيطها الاستراتيجي، خاصة بعد توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لتقارب تركيا مع روسيا ومشروع خط «السيل التركي» لنقل الغاز الروسي إلى أراضيها، بالإضافة إلى تأييد أمريكا لمحاولة الانقلاب العسكري، كذلك نتيجة للخلافات حول الملف السوري، ووضع أمريكا لتركيا على لائحة الدول التي ممكن أن تشملها عقوبات اقتصادية، بسبب تصويت الأخيرة في الأمم المتحدة ضد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إضافة إلى انسداد الطريق أمامها للدخول إلى الاتحاد الأوربي، وانقلاب سياستها صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء مع جيرانها مثل: قبرص وسورية والعراق، بسبب الدور التركي السلبي في الأزمة السورية والعراقية، وتوتر علاقتها بدول الخليج بسبب الدعم الذي تقدمه لقطر، وإنشائها قاعدة عسكرية على أرضيها.
وهنا يمكن القول: إن تركيا تجد في فرصة انفتاحها اتجاه الشرق وإفريقيا ضمناً، مخرجاً لعلاقاتها المتدهورة مع الغرب، لكن درجة الارتباط العالية اقتصادياً مع المنظومة الرأسمالية يجعل من هذه الاستدارة التركية أمراً غير سهلٍ، وحتى غير مجدٍ إذا لم تجذر الدولة التركية خياراتها باتجاه القطع مع المركز الغربي من موقع التبعية المزمنة.