أياً كان الهدف الأمريكي: فاشل!

أياً كان الهدف الأمريكي: فاشل!

استدعت الخطوة التي قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، جملة من ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية، التي صبّ أغلبها في سياق التحليل القائل: أن إجراء ترامب هذا هو إجراء هجومي يرمي فعلياً إلى تثبيت وترسيخ «أمر واقع» في مدينة القدس بالقوة. غير أن موازين القوة ذاتها التي يجري الحديث عنها اليوم، تدفع للاعتقاد بأنه من الضروري إعادة تقييم هذا الانطباع الذي تعمل وسائل الإعلام على تثبيته لدى المتابع.

القول: أن الولايات المتحدة ورئيسها قادران اليوم_ وفي ظل التوازنات الدولية الجديدة_ على فرض «أمر واقع» ما، يتجاهل أو يتناسى حكماً أن هذه «الحقيقة» التي اعتاد العالم على القول والتسليم بها كبدهيات لم تعد صالحة في عالم اليوم، حيث لم تقل نسبة التثمير الأمريكي في الملفات الساخنة والمتوترة حول العالم فحسب، بل هذا الأمريكي ذاته اليوم مهدد جدياً بأن يرى نفسه واقفاً بعجز وهو ينظر إلى الملفات التي يجري حسمها بسرعة نسبياً، على يد القطب الصاعد الذي عبّر عن نفسه في أكثر من مرة، سواء من خلال استخدام «حق النقض» في مجلس الأمن، أو الدخول المباشر على خطوط التسويات السياسية وتسريعها، أو حتى الشروع بعمليات جدية لمكافحة الإرهاب، الذي تمت خسارته كورقة أمريكية وكمسمار جحا أمريكي في منطقتنا منذ 2001.
بنظرة سريعة على الملفات الساخنة المذكورة آنفاً، لن يكون صعباً الاستنتاج: أن الولايات المتحدة قد خرجت (أو لا تزال تخرج) خاسرة منها، ابتداءً من أوكرانيا المتاخمة لحدود الخصم الاستراتيجي الروسي، مروراً باليمن وليبيا وسورية والعراق...إلخ. وإذا وضعنا جانباً التراجعات الاقتصادية التي يتكبدها هذا الأمريكي (بما لا يقل عن تهديده بدولار الذي شكّل إحدى الدعائم الأساسية لمرحلة الهيمنة الأمريكية، وإخراجه من التبادلات العالمية بالتدريج)، فإن الوضع السياسي للولايات المتحدة كقوة مهيمنة هو في تداعٍ متسارع لا يؤهلها لفرض حلولها بالقوة، كما لا يؤهلها لفرض «أمر واقع» ما في العالم.
أحرج إجراء ترامب الأخير حلفاءه من العرب والفلسطينيين، وأخرج الولايات المتحدة فعلياً من دور الوسيط الوهمي على خط القضية الفلسطينية، وهو الدور الذي اعتادت أن تروِّج له وأُخِذَ به من قسمٌ لا بأس به من القوى المحلية والعربية. كما دفعت خطوة ترامب هذه بالقضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، بعدما كانت مغيبة عن تصدّر المشهد منذ بدء أحداث الربيع العربي، وفي الاندفاعة التي تجري اليوم تتصاعد على نحوٍ جدّي احتمالات التحول نحو الانفجار الشعبي الفلسطيني، بما يعنيه تزامن هذا الانفجار وتصاعد الحركة الشعبية في وقتٍ هو الأكثر ملائمة لها من أيّ وقتٍ مضى، إذ أنها مدعومة ومسنودة بميزان قوى دولي جديد يسمح موضوعياً بانتزاع قدر أكبر من الحقوق المستلبة.
ومن هنا، فأياً كان ما يفكر فيه دونالد ترامب وإدارته اليوم هو محكومٌ بالفشل، بينما تواصل الحركة الشعبية المسنودة بتوازنات اليوم تردد: محكومون بالانتصار.

آخر تعديل على الأحد, 10 كانون1/ديسمبر 2017 14:51